إحصاءات مزعجة تُظهر عودة ’حبة حلب‘ في مناطق النزاع والمناطق المجاورة؛ بسبب نزوح الناس عبر الحدود.
سارة هدلستُن
ثمة فاشية كارثية لحبّة حلب في طريقها للحدوث في الشرق الأوسط، وفقًا لقول العلماء الذين يجمعون البيانات والمعلومات من مخيمات اللاجئين ومناطق النزاع في المنطقة.
ويحدث هذا المرض، الذي يعرف علميًّا باسم داء الليشمانيات الجلدي، بسبب طفيلي يوجد في مجرى الدم، وينتقل عن طريق لدغة ذبابة الرمل. وهو يسبب آفات مشوّهة في الجسم، قابلة للإصابة بعدوى ثانوية.
الآن هناك مئات الآلاف من الأفراد في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط ممن تأثروا بداء الليشمانيات الجلدي، الذي كان حتى فترة قريبة محصورًا في مناطق تحيط بحلب ودمشق في سوريا.
وقد ارتفعت الأرقام التي نُشرت منذ بضعة أيام في افتتاحية PLOS بشكل حادّ مع قدوم الحرب.
"إن الأرقام تبدو سيئة جدًّا، ولا يمكن الحصول على مركبات الأنتيمون التي تُستعمل موضعيًّا لعلاج الآفة... إننا نرى الكثير من الأمراض، ومن ضمنها داء الليشمانيات... في مناطق النزاع، ونحن بحاجة لتطويقها وإلا واجهنا حالة أخرى خارجة من مناطق النزاع كما خرجت الإيبولا في غرب أفريقيا في عام 2014"، كذا يحذر بيتر هوتز، عميد المدرسة الوطنية الأمريكية للطب الاستوائي، المبعوث العلمي الأمريكي للشرق الأوسط، والمؤلف الرئيسي لافتتاحية PLOS.
المباني التي تعرضت للقصف، تعطّل طرق السيطرة على الحشرات، وسوء خدمات المياه والصرف الصحي تشكّل أرضية خصبة لتكاثر ذبابة الرمل. وتعني النظم الصحية المتداعية صعوبة الحصول على العلاج أو عدم كفايته، واللاجئون الفارُّون من مواقع النزاع يأخذون المرض إلى مناطق غير منيعة تجاهه، أو يصلون إلى مناطق موبوءة دون أن يتمتعوا هم أنفسهم بالمناعة.
في سوريا، تضاعفت حالات الإصابة المبلغ عنها إلى وزارة الصحة من 23,000 حالة قبل الحرب إلى 41,000 في عام 2013. أما الدول المجاورة، التي استقبلت الملايين من اللاجئين السوريين، والتي كانت في السابق تكاد تخلو من هذا المرض، فقد بدأت أيضًا بالإبلاغ عن عدد كبير من الحالات. في لبنان، قفز عدد الحالات من ست حالات في السنوات الاثنتي عشرة الماضية إلى 1033 في عام 2013. وأبلغت تركيا والأردن أيضًا عن حدوث مئات الحالات.
ويقول العلماء إن وضعًا مماثلًا ربما يحدث في ليبيا الشرقية واليمن. وأبلغت المناطق الموجودة في شرق ليبيا عن أعداد متزايدة من داء الليشمانيات، والأدلة السردية تؤكد انتشار المرض في مخيمات اللاجئين في تونس المجاورة. في اليمن، يشار إلى حدوث نحو 10,000 حالة جديدة كل عام. ومع هجرة اليمنيين شمالًا إلى المملكة العربية السعودية، يتزايد القلق من إمكانية انتشار المرض هناك أيضًا.
والأسوأ من ذلك، أن العلماء يخشون أن تكون هذه الأرقام أقل بكثير من الأعداد الواقعية؛ لأن أنظمة المراقبة في مناطق النزاع قد تأثرت بشدة، وربما كانت غائبة.
يوضح هوتز ذلك بقوله: "يكاد يكون من المستحيل أن يوجد خبراء الأمراض الاستوائية وعلم الأوبئة في سوريا والعراق وشرق ليبيا، لذا فإننا لا نحصل إلا على لمحات عن الوضع القائم بواسطة اللاجئين الفارِّين من مناطق النزاع والمتجهين الى المخيمات في الأردن ولبنان وتركيا".
خارج السيطرة
إذا عرف الناس أن الأدوية متوفرة، فسيبادرون بالاتصال بهيئات الخدمات الصحية طلبًا للعلاج.
في محاولة لمقاربة هذا الموضوع، عمد وليد السالم -مستشار وكيل وزارة الصحة السعودية- وفريق من مدرسة الطب الاستوائي في ليفربول، وجامعة أكسفورد، ومعهد القياسات الصحية والتقييم الأمريكي، إلى استخدام مجموعات البيانات المستمدة من المنشورات العلمية العربية والإنجليزية؛ لوضع خريطة انتشار داء الليشمانيات الجلدي في سوريا وإقليم شرق المتوسط وفق تقسيم منظمة الصحة العالمية.
الخريطة التي نُشرت في دورية Emerging Infectious Diseases في وقت سابق من شهر مايو، تُظهر علاقة واضحة بين المرض وتَوزُّع اللاجئين وذبابة الرمل في المنطقة.
المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة المسلحة التي تطلق على نفسها اسم الدولة الإسلامية، ومن ضمنها الرقة ودير الزور والحسكة، هي الأكثر تضررًا. وقد أفادت التقارير عن الإبلاغ عن 6500 حالة جديدة من قِبل جماعات المعارضة السورية والمنظمات غير الحكومية، كما يقول السالم.
داء الليشمانيات الجلدي هو واحد من 17 مرضًا استوائيًّا تصنّفها منظمة الصحة العالمية باعتبارها أمراضًا "مُهمَلة". ليس ثمة برنامج واسع للتبرع بالأدوية، ولا قدرة على تنظيم حملات تلقيح في المنطقة. وفي الوقت الحالي، يعمل معهد سابين الأمريكي للقاحات مع جامعة الملك سعود من أجل تطوير لقاح.
ويؤكد البحثان الحاجة إلى مزيد من التوعية بهذا المرض؛ تجنبًا لحدوث وباء. ويوصي كلاهما باتباع طرق أفضل لمراقبة المرض وتدريب الأطباء والسيطرة على ناقلات المرض في مخيمات اللاجئين والمناطق المستقرة.
وربما يمثّل لبنان نموذجًا جيدًا لما هو ممكن، بوجود الإرادة السياسية والتعاون العلمي.
يقول عبد الرحمن البزري -المختص بالأمراض المعدية، في قسم الطب الباطني، الجامعة الأميركية في بيروت، والذي قدم بحثًا عن فاشية داء الليشمانيات عام 2013، سلط فيه الضوء على حجم المشكلة في لبنان-: إن الأرقام قد تراجعت هناك إلى النصف في عام 2014، وإن المشكلة الآن تحت السيطرة. وستُنشر أحدث أرقامه في تقرير جديد عمّا قريب.
لقد حدث التحوّل، وفق قول البزري، نتيجة لاستجابة الاحتواء التي شارك فيها كل من وزارة الصحة العامة اللبنانية، ومكتب منظمة الصحة العالمية، والمتخصصون في الأمراض المعدية، والأمراض الجلدية والتناسلية، وعلم الأمراض. وتشمل الدروس الرئيسية المستفادة في لبنان الكشف المبكر والعلاج، وتدريب الأطباء والعاملين في مجال الرعاية الصحية وفنيي المختبرات، والمراقبة المستمرة بعد احتواء الفاشيّة.
"إن معظم الحالات الحادثة في الشرق الأوسط ناتجة عن الإصابة بالليشمانيا المدارية، وهي الشكل البشري المنشأ من المرض، مما يعني أن البشر يشكلون المستودع الوحيد للعدوى. وهكذا، فإن الكشف والعلاج المبكر للأفراد المصابين بالعدوى هو الخطوة الأساسية"، كما يقول ألبيس جابرييلي، المستشار الإقليمي في منظمة الصحة العالمية لمكافحة الأمراض المدارية المهملة في إقليم شرق المتوسط.
ويضيف مستطردًا: "من الناحية السريرية، ستمكِّن هذه الطريقة من تطبيق بروتوكول بسيط وغير مكلِّف للسيطرة على الحالات، وستضمن تحقيق نتائج علاجية جيدة. ومن ناحية الصحة العامة، ستقلل من إمكانية انتقال العدوى إلى أشخاص آخرين".
وتوصي منظمة الصحة العالمية بإتاحة التشخيص والعلاج المجاني ضمن حزم الاستجابة في حالات الطوارئ الصحية، وفي هيكلية الرعاية الصحية الأولية في البلدان المتضررة.
"كثيرًا ما يشكل توفر الأدوية نقطة تحول. إذا عرف الناس أن الأدوية متوفرة، فسيبادرون بالاتصال بهيئات الخدمات الصحية طلبًا للعلاج.؛ وإذا لم يعرفوا فلن يطلبوها" وفق قوله. "باختصار، إنها مسألة ترتيب للأولويات– وداء الليشمانيات يجب أن يُنتشَل من الإهمال".
doi:10.1038/nmiddleeast.2016.84
Du. R, et al. Old World Cutaneous Leishmaniasis and Refugee Crises in the Middle East and North Africa. PLOS Neglected Tropical Diseases http://dx.doi.org/10.1371/journal.pntd.0004545 (2016)
Alawieh A, et al. Revisiting leishmaniasis in the time of war: the Syrian conflict and the Lebanese outbreak. International Journal of Infectious Diseases http://dx.doi.org/10.1016/j.ijid.2014.04.023 (2014)
تواصل معنا: