سلسلة جديدة من الأبحاث تفك رموز العلاقة بين السرطان والخلايا العصبية وتبحث عن سبل كبحها.
ماكِنزي بريلامان
انتاب الذهول أخصائية علم الأعصاب السرطاني هومسا فينكاتيش وهي تراقب المشهد
على شاشة الكمبيوتر وترى ومضات قوية عشوائية من الضوء الأخضر الزاهي تومض كما الصواعق
البرقية. حدث ذلك في أواخر عام 2017، عندما كانت فينكاتيش تشاهد عاصفة من النشاط الكهربائي في خلايا سرطانية
لورم دماغي بشري يُدعى «الورم الدبقي».
وما كانت فينكاتيش تتوقعه هو وجود تواصل ثانوي ضعيف بين الخلايا السرطانية
بالدماغ، على غرار الاتصال بين الخلايا السليمة. لكن الأمر المدهش هو أن ذلك التواصل
كان مستمرًا وسريعًا. تقول فينكاتيش، التي كانت آنذاك باحثة في مرحلة ما بعد
الدكتوراه في كلية الطب بجامعة ستانفورد، في ستانفورد بكاليفورنيا: "لقد تسنى
لي رؤية الخلايا السرطانية وهي تومض على الشاشة. كان نشاطها الكهربائي جليًّا".
على الفور، أخذتْ فينكاتيش تفكِّر في دلالات الأمر. لم ينتبه العلماء إلى
أن الخلايا السرطانية، حتى تلك الموجودة في الدماغ، يمكنها التواصل فيما بينها بهذه القوة.
ربما كان الاتصال الكهربائي المستمر للورم يساعده على البقاء أو حتى على النمو. تقول
فينكاتيش، التي تعمل الآن بكلية الطب بجامعة هارفارد ببوسطن ماساتشوستس: "لقد
كانت خلايا سرطانية، وليست خلايا عصبية أو أي نوع آخر من الخلايا". ووصفت
مشهد رؤية الخلايا وهي تنبض بنشاط كبير بأنه كان "مذهلًا حقًا".
كان عمل فينكاتيش جزءًا من ورقة بحثية نُشرت في دورية1Nature عام 2019، وقد
نُشرت جنبًا إلى جنب مع بحث آخر2 خلص إلى النتيجة نفسها بأن الأورام الدبقية نشطة
كهربائيًا؛ بل إن هذه الخلايا السرطانية يمكنها أن تتصل
بالدوائر العصبية وتستقبل إشارات تحفيزية مباشرة من الخلايا العصبية، مما يساعدها على النمو.
حظيتْ هذه النتائج
بأهمية بالغة في أوساط مجال علم الأعصاب السرطاني الناشئ، الذي فيه يسعى الباحثون إلى
فحص الطرق المختلفة التي يستميل بها السرطان — حتى خارج الدماغ — الجهاز العصبي لصالحه. وكما تستقطب الأورام الأوعية
الدموية من أجل أن تتغذى وتنمو، فإن السرطان يعوّل على الجهاز العصبي في كل شيء بدءًا من الظهور وحتى
الانتشار.
وقد بدأت العلاقة بين علم الأورام وعلم الأعصاب تتضح مؤخرًا، بعد أن كان
هذا الجانب من دراسة بيئة الورم مهملًا في السابق. وبدأ يتكشف للعلماء الدورُ الذي تلعبه كل من الخلايا
العصبية والإشارات. لكن العلاقة المكتشفة حديثًا مع الجهاز المناعي زادت المسألة
تعقيدًا. وبينما يغوص الباحثون في دراسة الصلة بين السرطان والجهاز العصبي، تظهر طرق
علاجية تستهدف هذا الاتصال، وبعض هذه الطرق يستعين بأدوية موجودة بالفعل لتحسين
النتائج لدى مرضى السرطان.
تقول إيريكا سلون، أخصائية بيولوجيا الأورام بجامعة موناش في ملبورن
بأستراليا: "أيًّا كانت النتائج التي سنصل إليها، فإنها ستقودنا إلى مساعدة
المرضى. لا شك أن هناك متعة فكرية في فهم ما يجري على المستوى البيولوجي، لكن
الهدف الرئيسي هو كيفية تحويل هذه النتائج إلى علاجات لمساعدة المرضى".
الغزو والتأثير
اكتشف العلماء العلاقة بين الخلايا السرطانية والخلايا العصبية لأول مرة
منذ ما يقرب من 200 عام. ففي منتصف القرن التاسع عشر، وصف عالم التشريح والباثولوجيا
الفرنسي جان كروفيلييه، حالةً غزا فيها سرطان الثدي العصبَ القحفي المسؤول عن حركات الوجه والإحساس.
كانت هذه هي المرة الأولى التي تُرصد فيها حالة غزو حول العصب؛ حيث يتسلل
السرطان إلى داخل الأعصاب وحولها ثم ينتشر. وتنذر هذه الظاهرة بورم عدواني وعواقب
صحية غير محمودة.
ولوقت طويل، اعتقد العلماء وخبراء الصحة أن الأعصاب ليست سوى ممرات سلبية
لنقل الورم السرطاني وما يصاحبه من ألم. تقول ميشيل مونجي، أخصائية الأورام
العصبية بكلية الطب بجامعة ستانفورد، والتي عملتْ مستشارًا لفينكاتيش: إن العديد من العلماء اعتادوا النظر إلى الجهاز العصبي
باعتباره "الضحية؛ أي البنية التي تتعرض للتدمير أو الضرر على يد السرطان".
لكن في أواخر تسعينيات القرن الماضي، شرع جوستافو أيالا، عالِم أمراض
المسالك البولية الذي يعمل الآن في مركز العلوم الصحية بجامعة
تكساس في هيوستن، في دراسة هذه
العلاقة عن كثب. فوضع خلايا عصبية لفئران في أطباق مملوءة بخلايا بشرية
مصابة بسرطان البروستاتا. وفي غضون 24 ساعة، بدأت الخلايا العصبية تُنتج زوائد
صغيرة، تدعى التشعبات العصبية، امتدتْ نحو الخلايا المُصابة. وما إن حدث التلامس، حتى انتقل
السرطان عبر هذه الخلايا العصبية حتى وصل إلى أجسام تلك الخلايا4.
لم تقف الخلايا العصبية مكتوفة الأيدي، بل تحركت بهمة ونشاط للاتصال
بالخلايا السرطانية. يقول أيالا: "لقد رأيتُ أن هناك اتصالًا حقيقيًا بين الخلايا؛ وقد دفعني ذلك
إلى تكريس حياتي المهنية لدراسته". وسرعان ما صار أيالا معروفًا باسم
"رجل الخلية العصبية"، يقول: "لم يسخر الآخرون من الأمر تمامًا، ولكنهم لم يشاركوني
اهتمامي بالمجال".
في عام 2008، رصد أيالا ظاهرة أخرى غريبة.
احتوتْ أورام سرطان البروستاتا المأخوذة من الأشخاص الذين خضعوا لعملية جراحية على
عدد أكبر من الألياف العصبية، والمعروفة بالمحاور العصبية، مقارنةً بعينات من خلايا
بروستاتا سليمة5.
ومع
ذلك، لم تكن هذه النتيجة مفاجئة للجميع. فقد بدأ بعض العلماء في النظر إلى الأورام
باعتبارها أعضاءً في حد ذاتها، وذلك لأنها تحتوي على أنواع متعددة من الخلايا، وبنى
سقالية، وأوعية دموية وعناصر أخرى تميزها عن كونها مجرد كتل من الخلايا السرطانية.
تقول
كلير مانيو، أخصائية بيولوجيا الأورام بالمعهد الوطني الفرنسي للصحة والأبحاث الطبية
بباريس: "كان هناك عنصر مفقود في الصورة؛ ألا وهو الخلايا العصبية".
قادها
هذا الحدس إلى إجراء بحث ثوري في عام 2013؛ حيث شرعتْ مع زملائها في توثيق الألياف العصبية التي تنمو داخل أورام البروستاتا
وحولها في الفئران5. علاوة على ذلك، أدى قطع هذه الاتصالات العصبية إلى توقف انتشار المرض. وفي
غضون سنوات قليلة، أثبت عدد هائل من الأبحاث حدوث الشيء نفسه في أنواع أخرى من
السرطانات؛ بما في ذلك سرطانات المعدة والبنكرياس والجلد. بل إن بعض الاتصالات
العصبية التي قُطعت كانت تحمل آلامًا مصاحبة للسرطان، وكان الباحثون يعلمون بالفعل
أن حجب هذه المسارات لدى مرضى سرطان البنكرياس يمكن أن يخفف بعض الآلام.
يقول
عالم الأعصاب بريان دافيس، بجامعة
بيتسبرج في بنسلفانيا: "هكذا اكتملتْ عناصر الصورة نوعًا ما"، فقد أظهرت النتائج المتقاربة "أن هذا العنصر
في البيئة الدقيقة المحيطة بالورم، والذي
طالما كنا نتجاهله، يلعب دورًا ما".
منشأ الخلايا
العصبية
كانت معرفة مصدر هذه الخلايا العصبية التي تسللت إلى الورم
السرطاني سببًا في حيرة الباحثين. وقد أشارت الأبحاث التي أُجريتْ
في السنوات التالية إلى أن الخلايا الموجودة في الورم يمكنها أن تتحول إلى خلايا
عصبية، أو أنها تكتسب خصائص الخلايا العصبية على أقل تقدير. لكن في عام 2019، كشفتْ
مانيون وزملاؤها عن مصدر آخر6 لتلك الخلايا. فقد لاحظوا أن هناك خلايا تدعى الخلايا
العصبية السلفية، تنتقل عبر الدم إلى أورام البروستاتا في الفئران، حيث توطنتْ
وتحولتْ
إلى خلايا عصبية. كان السرطان، بطريقة أو بأخرى، يؤثر على تلك المنطقة في الدماغ – المُسماة
بالحيز تحت البطيني – التي تحتوي على هذه الخلايا. ومن المعروف أن هذه
الخلايا في الفئران تساعد في شفاء بعض الحالات الدماغية، مثل السكتات الدماغية. وتشير
بعض الأدلة إلى أن المنطقة نفسها تنتج خلايا عصبية عند البشر البالغين، وإن كانت
هذه الفكرة هي محل جدل.
في العام التالي، اكتشف فريق آخر أن السرطان يمكن أن
يحمل الخلايا العصبية على تغيير هوياتها. ففي دراسة لسرطان الفم أُجريتْ على
الفئران، وجد الباحثون أن مجموعة من الخلايا العصبية التي تنقل الأحاسيس إلى الدماغ،
تُسمى الخلايا العصبية الحسية، اكتسبتْ سمات نوع آخر من الخلايا العصبية يندر وجودها عادةً
في تجويف الفم؛ وهي الخلايا العصبية الودية المسؤولة عن استجابة «الكر والفر»fight or flight 7 .
يقول موران أميت، أخصائي
علم الأعصاب السرطاني بمركز إم دي أندرسون للسرطان التابع لجامعة تكساس بهيوستن،
والذي شارك في إجراء الدراسة: "أصبحت الخلايا السرطانية الآن تؤدي وظيفتَين".
قد يساعد التحول الورم على النمو، لأن الخلايا العصبية الودِّية، كما أثبتت
الدراسات، تعزز انتشار بعض أنواع السرطان.
بيد أن العلاقات بين
أنواع الخلايا العصبية وتأثيراتها على الأورام معقدة. على سبيل المثال، يوجد في
البنكرياس اختلاف بين تأثير نوعين من الخلايا العصبية على الأورام يصل إلى حد التضاد.
إذ تشارك الأعصاب الودِّية في حلقة تغذية مفرغة تساعد على نمو السرطان؛ فترسل
إشارات تأمر الخلايا المصابة بإفراز بروتين يُدعى عامل نمو الأعصاب، وهو ما يجذب
المزيد من الألياف العصبية. وفي المقابل، تبعث الخلايا العصبية اللاودية المسؤولة
عن استجابة «الاسترخاء والهضم» Rest and Digest، رسائلَ
كيميائية تبطئ زحف المرض.
وفي سرطان المعدة، تعمل
إشارات الخلايا العصبية اللاودية في الاتجاه المعاكس، إذ تحفز نمو الورم. أما في
سرطان البروستاتا، فيساعد كلا النوعين من الخلايا العصبية الورم؛
حيث تساعد الخلايا العصبية الودية خلال المراحل المبكرة من نمو السرطان، وتعزز
الخلايا العصبية اللاودية من انتشار السرطان في المراحل المتأخرة.
يقول تيموثي وانج، الباحث
المتخصص في أمراض الجهاز الهضمي بجامعة كولومبيا في مدينة نيويورك: "ثمة
اختلاف طفيف بين طريقة تفاعل كل نوع من السرطان مع الجهاز العصبي". وهذا يعني
أن أهداف العلاج يجب أن تتحدد تبعًا لنوع السرطان وكيفية اتصاله بالجهاز العصبي أو
تأثيره عليه.
قد تؤثر الخلايا
العصبية على السرطان تأثيرًا مباشرًا أو غير مباشر عن طريق إضعاف جهاز المناعة
بحيث لا يستطيع مكافحة الورم بفعّالية. أشارتْ دراسة أُجريتْ
عام 2022 إلى إحدى هذه الآليات؛ حيث يمكن لمادة كيميائية تُدعى
الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين CGRP،
تفرزها
الأعصاب الحسية، أن تكبح نشاط خلايا مناعية بعينها؛ مما يجعلها غير مهيأة لدرء السرطان8.
ويمكن أن تقمع الخلايا
العصبية نشاط الخلايا المناعية للحفاظ على سلامتها الذاتية، لأن الالتهاب الشديد
يمكن أن يضرها. وهكذا، لا توفر الخلايا العصبية طرقًا ودعامات لانتشار السرطان
فحسب، ولكنها توفر أيضًا ملاذًا آمنًا على ما يبدو، على حد وصف جامي سالومان، أخصائي
علم الأعصاب السرطاني، بجامعة بيتسبرج.
يقول دافيس:
إن السرطان يمكن أن "يكمن داخل الخلايا العصبية"، حيث يكون معصومًا من
جهاز المناعة والأدوية أيضًا، التي تتعثر في الوصول إلى الخلايا العصبية. ويستطرد دافيس
قائلًا: "تقبع الخلايا السرطانية هناك في انتظار مرور عاصفة الأدوية
البيولوجية والعلاج الكيميائي، ثم يمكنها أن تعاود الظهور مرة أخرى".
هيمنة مركزية
تهاجم
بعض من أشرس أنواع السرطان الدماغ، وكما وجدتْ فينكاتيش وآخرون، فإن خلايا السرطان تشكل
وصلات عصبية مباشرة مع الخلايا العصبية، التي تساعد إشاراتها على نمو الورم.
وقد
أظهرتْ ورقة بحثية نُشرتْ جنبًا إلى جنب مع البحثَين الآخرين اللذين نُشرَا في عام 2019 عن سرطان
الدماغ أن نقائل سرطان الثدي في الدماغ يمكن أن تشكل أيضًا روابط تشبه الوصلات العصبية9،
وقد ربطت الأبحاث السابقة بين نقائل الدماغ والضعف الإدراكي.
ومع
ذلك، ثمة طرق أخرى تبدو فيها أن أورام الدماغ تحاكي الخلايا الدماغية. ففي نوفمبر
الماضي، كشف المختبر الذي تعمل به مونجي عن أن الأورام الدبقية تعتمد في تعزيز
مدخلاتها العصبية على طريقة نمطية لاستقبال الإشارات العصبية10.
فعندما تتعرض الخلايا الدبقية لبروتين يساعد الخلايا العصبية على النمو، يسمى عامل
التغذية العصبية المستمد من الدماغ، فإنها تستجيب لذلك بتوليد المزيد من
المستقبلات التي يمكنها تلقي إشارات من الخلايا العصبية.
تقول
مونجي: "إنها الآلية نفسها التي تستخدمها الخلايا العصبية السليمة في التعلم
والذاكرة. في حقيقة الأمر، لا يبتكر السرطان أي شيء جديد، إنه يهيمن فقط على
العمليات الموجودة بالفعل".
فضلًا
عن ذلك، قد تولد بعض الخلايا الدبقية موجات منتظمة
خاصة من النشاط الكهربائي11، شأنها شأن شبكات الخلايا العصبية. يقول فرانك وينكلر، أخصائي
أورام الأعصاب في المركز الألماني لأبحاث السرطان بهايدلبرج، والذي أجرى مختبره الدراسة:
"تبدو هذه الموجات وكأنها نبضات قلبية صغيرة".
تنتشر هذه الدفقات الكهربائية المفاجئة عبر الخلايا السرطانية
عن طريق شبكة من المسارات الرفيعة متناهية الصغر يُطلق عليها القنوات الدقيقة للورم،
والتي بدأ فريق وينكلر في دراستها قبل عدة سنوات. ينظّم النشاط تكاثر الخلايا السرطانية وبقاءها، تمامًا كما تنظّم الخلايا العصبية
الضابطة النشاط الكهربائي أثناء تكوين الدوائر العصبية. يقول وينكلر: "مرة
أخرى، يسطو السرطان على آلية عصبية مهمة مرتبطة بالتطور العصبي".
يمكن أن تؤثر الأورام
الدماغية على الشبكات العصبية بأكملها. فقد وجدتْ دراسة أُجريت
في مايو 2023 أن الأورام الدبقية يمكنها إعادة تشكيل دوائر وظيفية كاملة في الدماغ12. طُلب من مرضى السرطان،
الذين اخترق السرطان لديهم مناطق النطق بالدماغ، تسميةَ أشياء
يسمعون وصفها أو يرونها موضَّحة بالصور. بيَّنت الأقطاب الكهربائية
الموضوعة
على سطح أدمغة المرضى أن هذه المهمة اللغوية لم تُحفز مناطق اللغة
الرئيسية بالدماغ فحسب، بل إن منطقة انتشار الورم بأكملها، بما في ذلك المناطق غير
المرتبطة بالنطق، شهدتْ زيادةً في النشاط العصبي
أيضًا. كلما كان الورم
متصلًا
وظيفيًا ببقية الدماغ، كان أداء المرضى أسوأ في هذه المهمة، وكان من المتوقع أن
يعيشوا فترة أقل.
تقول مونجي، التي شاركتْ
في وضع الدراسة: "لقد أعاد الورم تشكيل دائرة اللغة الوظيفية لتغذية نفسه".
وتتذكر شعورها بالفزع عندما رأت النتائج: "تنتابني القشعريرة كلما فكرتُ
في المرة الأولى التي رأيتُ فيها هذه البيانات".
من المختبر إلى سرير
المريض وما بعده
تشير هذه الاكتشافات
الأولية بالفعل إلى طرق علاجية محتملة للسرطان، كما أنها توضح سبب حدوث آثار
جانبية لطرق العلاج الحالية على الدماغ. تقول فينكاتيش: إن العديد من المرضى
الذين يخضعون للعلاج الكيميائي يعانون تدهورًا إدراكيًا، أو ما يطلق عليه "الدماغ
الكيميائي"، فضلًا عن تدهور الألياف العصبية في أجزاء أخرى من الجسم.
وتضيف أنه على الرغم من
كون العلاج الكيميائي طريقة فعالة لمكافحة السرطان، فإنه إذا أدى إلى تدمير الخلايا
العصبية في مناطق أخرى بالجسم، "فهذا يدل بوضوح على أنه يضر المريض".
تتمثل إحدى الخطط العلاجية
في استهداف أجزاء معينة من الجهاز العصبي، وقد تساعد الأدوية الحالية في ذلك. يقول أميت: "لدينا الأدوية التي تستهدف كل جزء تقريبًا بالجهاز
العصبي، ومعظم هذه الأدوية لديها ملف سلامة مثبت".
على سبيل المثال، بمقدور
أدوية «حاصرات مستقبلات بيتا» Beta Blockers تعطيل الإشارات المنطلقة
من الأعصاب الودية التي تعزز انتشار السرطان في الثدي والبنكرياس والبروستاتا ومناطق
أخرى. وهذه الأدوية مستخدمة منذ ستينيات القرن الماضي لعلاج أمراض القلب مثل
ارتفاع ضغط الدم، ولعلاج القلق في بعض الأحيان أيضًا.
وقد سعتْ
سلون إلى إعادة توظيف الأدوية على مدى العقد الماضي، لكنها مساعيها قُوبلتْ ببعض
الرفض في البداية. فكثيرًا ما أخبرها الآخرون، حسبما تسترجع: "لو أن حاصرات مستقبلات
بيتا ستفعل أي شيء مع السرطان، لكنا عرفنا ذلك بالتأكيد".
وفي سبيل استكشاف هذه
العلاقة، قادتْ
سلون المرحلة الثانية لتجربة إكلينيكية، نُشرتْ في عام 2020، لاختبار أحد
أدوية حاصرات مستقبلات بيتا، وهو «بروبرانولول» Propranolol لدى مرضى سرطان الثدي؛
حيث أدى تناول الدواء لمدة أسبوع واحد فقط إلى تقليل دلالات انتشار السرطان13. وقد أظهرت المرحلة الثانية
لتجربة أخرى، مبنية على دراسات رصدية ربطت استخدام حاصرات مستقبلات بيتا بتحسن النتائج
الصحية، أنه من الآمن الجمع بين العلاج الكيميائي و«البروبرانولول» في حالات مرضى سرطان الثدي14. وفي العام الماضي،
وجدتْ سلون
أن هذا الدواء يعزز فعّالية علاج كيميائي شائع15.
من جهة أخرى، يعيد
باحثون آخرون توظيف الأدوية التي تثبط التواصل العصبي، بما في ذلك الأدوية المطورة
لعلاج الصرع والصداع النصفي. كما تستهدف تجربة إكلينيكية واحدة على الأقل حجب الوصلات
المُتشكِّلة بين الخلايا العصبية والخلايا السرطانية في الأورام الدبقية باستخدام
دواء مضاد للصرع، يعمل على تهدئة الخلايا شديدة الاستثارة.
ستبحث تجربة أخرى في طور
التخطيط عما إذا كان المرضى الذين يتلقون العلاج المناعي لسرطان الجلد أو سرطان الرأس
والرقبة سيستفيدون أيضًا من تناول أدوية الصداع النصفي. إذ يعتقد الباحثون أن
الصداع النصفي يمكن أن ينشأ نتيجة لارتفاع مستويات الببتيد المرتبط بجين
الكالسيتونين، وهو الجزيء الذي يمكن أن يضعف نشاط بعض الخلايا المناعية في
السرطان. وبناءً عليه، فإن الدواء الذي يحجب مستقبلات الببتيد المرتبط بجين
الكالسيتونين، يمكن أن يعيق الببتيد ويسمح للخلايا المناعية بالمساعدة في مكافحة
السرطان مرة أخرى.
تتوقع
فينكاتيش أن مكافحة
المرض ستحتاج على الأرجح إلى تناول مزيج من العقاقير ذات التأثيرات المتكاملة، "فلا
توجد حقًا حبة سحرية"، على حد وصفها.
لقد بدأ هذا المجال
للتو في كشف النقاب عن هذه العلاقة الخبيثة، وهناك الكثير من الأسئلة. يقول
وينكلر: "أعتقد أنني سأحتاج إلى 50 حياة أخرى لاستكشافها جميعًا".
التحديثات
والتصحيحات
·
تصحيح 6 فبراير 2024:
حُذِفت الإشارة إلى مصدر
الصورة الرئيسية في هذا المقال في الأساس بهدف الإشارة إلى أن حقوق الصورة مملوكة أيضًا لمعهد كوك التابع لمعهد
ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومستشفى ماساتشوستس العام.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.100
References
1.
Venkatesh, H. S. et
al.Nature573, 539–545 (2019).
2.
Venkataramani, V. et
al.Nature573, 532–538 (2019).
3.
Ayala, G. E. et
al.Prostate49, 213–223 (2001).
4.
Ayala, G. E. et
al.Clin. Cancer Res.14, 7593–7603 (2008).
5.
Magnon, C. et
al.Science341, 1236361 (2013).
6.
Mauffrey, P. et
al.Nature569, 672–678 (2019).
7.
Amit, M. et al.Nature578,
449–454 (2020).
8.
Balood, M. et
al.Nature611, 405–412 (2022).
9.
Zeng, Q. et al.Nature573,
526–531 (2019).
10.
Taylor, K. R. et
al.Nature623, 366–374 (2023).
11.
Hausmann, D. et
al.Nature613, 179–186 (2023).
12.
Krishna, S. et
al.Nature617, 599–607 (2023).
13.
Hiller, J. G. et
al.Clin. Cancer Res.26, 1803–1811 (2020).
14.
Hopson, M. B. et
al.Breast Cancer Res. Treat.188, 427–432 (2021).
15.
Chang, A. et al.Sci.
Transl. Med.15, eadf1147 (2023).
تواصل معنا: