ماذا تعلم العلماء من زراعة أعضاء الخنازير في أجساد ثلاثة أشخاص؟
نشرت بتاريخ 26 يونيو 2024
مع
فقدان أول شخص تلقى كلية خنزير وهو حي، ها هم الباحثون يشاركون ما تعلموه من عمليات
نقل أعضاء الحيوانات إلى بشر.
ماكس كوزلوف
في مايو الماضي، وافت المنية أولَ شخص تلقى كُلية خنزير
وهو حيّ، بعد أن ظل على قيد الحياة لأقل من شهرين، ليكون بذلك قد عاش بعد العملية فترة
أقل من توقعات الأطباء. غير أن هذا التوقيت يتوافق مع توقيت وفاة أول شخصين تلقي
كل منهما قلب خنزير، فكلاهما لاقى حتفه بعد مضي نحو شهرين من الخضوع لعملية الزراعة.
زمن بقاء المتلقين الثلاثة على قيد الحياة، القصير
نسبيًّا، إن دلَّ على شيء فإنما يدل على أن هذه العمليات المبتكرة لزراعة الأعضاء عبر
الأنواع المختلفة "لم تحقق النجاح المرجو الذي توقعته الدراسات التي أُجريت على
الرئيسيات"، كما جاء عن روبرت مونتجومري، الطبيب الجراح بجامعة نيويورك، بمدينة
نيويورك.
ولا
ينكر أحد أن العمليات الثلاث قد منحت الأمل لمرضى كان المرض قد تمكن منهم ونفدت ما
لديهم من خيارات. ومن جانبهم يقول الباحثون إنهم تعلموا دروسًا ثمينة من أولى عمليات
زراعة أعضاء الخنازير في جسم الإنسان، في مختلف المواضيع التي تنوعتْ ما بين أنواع
الأدوية التي يحتاجها متلقو الأعضاء، إلى مقدار الاختبارات التي لا بد أن تخضع لها
أعضاء الخنازير. يقول مونتجومري: "هذه ليست معضلة عصية على الحل. يغمرني التفاؤل
بما وصلنا إليه".
وقد
تحدثت دورية Nature إلى بعض الجراحين المتخصصين في زراعة الأعضاء
بين الأنواع المختلفة بشأن ما تعلموه حتى الآن، ورؤيتهم لمسار تطور هذا المجال.
التصدي لأزمة نقص الأعضاء
إن نقل أعضاء الحيوانات إلى البشر فيما يُعرف بزراعة
الأعضاء بين الأنواع المختلفة، لطالما كان حلمًا يراود الجراحين؛ لما كان هناك نقص
حادّ في الأعضاء البشرية المناسبة. ولأسباب عدة، وقع اختيار الباحثين
على الخنازير بوصفها نوعًا متبرعًا، منها أن حجم أعضائها وتشريحها شبيهان بهما لدى
الإنسان.
ولقد جاءت نتائج زراعة أعضاء الخنازير في الرئيسيات من غير
البشر، واعدةً: إذ أفادت دراسة1 أُجريت على خمسة قردة نُشرت في عام
2023 أن كلًّا منها ظل على قيد الحياة لعام أو يزيد بعد تلقي كُلى خنازير.
جدير
بالذكر أن أول عملية نقل أعضاء حيوانات إلى إنسان حي حدثت في عام 2022 عندما تلقى ديفيد
بينيت البالغ من العمر آنذاك 57 عامًا قلبَ خنزير، وظل على قيد الحياة بعدها لمدة
60 يومًا. ثم تبعه لورانس فوسيت الذي تلقى قلب خنزير أيضًا في عام 2023 وبقي على قيد
الحياة مدة 40 يومًا.
وأما محمد محي الدين، الجراح بكلية طب جامعة ميريلاند في
مدينة بالتيمور، الذي كان عضوًا في فريق الرعاية في كل من عمليتَي زراعة قلب الخنزير،
فقد عدّد تفسيرات محتملة لوفاة بينيت؛ ففي الأسابيع التي سبقت
وفاته، أُصيب بينيت بعدوى، ما حدا بالأطباء أن يُعطوه علاجًا معزِّزًا للمناعة مؤلَّفًا
من توليفة من الأجسام المضادة المأخوذة من آلاف المتبرعين. اكتشف العلماء فيما بعد أن بعضًا من
الأجسام المضادة قد تفاعلتْ مع عضو الخنزير2، ما يشير إلى أن العلاج
ربما أفضى إلى تدهور حالة بينيت. ومنذ ذلك الحين، يعكف محي الدين
على التعاون مع بنوك الدم المحلية بغية تطوير سبل لفحص الأجسام المضادة التفاعلية.
وثمة
تفسير محتمل آخر لقصر فترة نجاة بينيت، ألا وهو إصابة القلب المزروع بعدوى كامنة بمُمرض
يُسمى الفيروس المضخم للخلايا porcine
cytomegalovirus الذي ربما نشط وأنزل الضرر بالقلب. عُثر على هذا الفيروس في العضو بعد
وفاة بينيت، إلا أن الاختبارات التي أُجريت قبل عملية الزراعة لم ترصده، ما يشير إلى
أهمية إجراء اختبارات أكثر دقة لفحص الأعضاء، كما يذكر محي الدين.
استخدام رحيم
حصلتْ
جميع عمليات زراعة أعضاء الحيوانات في بشر أحياء على موافقة بـ"الاستخدام الرحيم"
من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، التي تُمنح في حالات نادرة جدًا، فيها تكون حياة الفرد معرضةً للخطر،
ولا توجد أية علاجات أخرى ممكنة معه. والأشخاص الذين يخضعون لمثل هذه التدخلات عادة
ما يكون المرض قد استبد بهم قياسًا إلى الأشخاص العاديين المدرجة أسماؤهم على قوائم
انتظار زراعة الأعضاء، ما يجعل من العسير تمييز ما إذا كانت النتيجة السلبية غير المواتية
هي نتاج عملية الزراعة أم أنها بسبب صحة المتلقي المتدهورة، كما يقول محي الدين. لهذا السبب، يطالب بعض الباحثين إدارة الدواء
والغذاء ببدء التجارب الإكلينيكية التي تختبر هذه الإجراءات، ما يوفر تقييمًا منهجيًّا
لأداء عمليات زراعة أعضاء الحيوانات في الإنسان.
فلعل
الصحة المتدهورة الكامنة، مثلًا، أسهمتْ في وفاة ريتشارد سلايمان، أول متلقٍ لكُلية
خنزير وهو حي في السابع من مايو الماضي. يخبر تاتسو كاواي، أحد الجراحين الذين أجروا
عملية الزراعة في مستشفى ماساتشوستس العام ببوسطن، دوريةَ Nature أن كُلية سلايمان كانت تقوم بوظائفها جيدًا في اليوم الذي سبق وفاته،
وأنه تُوفي لأسباب لا علاقة لها بعملية الزراعة. وكان سلايمان قد أُصيب بفشل القلب
الاحتقاني في العام السابق للخضوع لعملية زراعة الكُلية.
ويفعل
الباحثون كل ما في وسعهم قبل الزراعة للحيلولة دون رفض الجسم للعضو المستزرع. وتتمثل واحدة من التقنيات المتبعة في خضوع الخنازير
المتبرعة للتعديل الجيني، إلا أن عدد عمليات التحرير الجيني المطلوبة لدرء رفض الجسم
للعضو لم يُحسم بعد، بحسب مونتجومري.
أنتجت
«إيجينيسيس» eGenesis، شركة التقنيات الحيوية
الكائنة في كامبريدج بولاية ماساتشوستس، التي ربت الخنزير المُستخدم في جراحة سلايمان،
خنازيرَ خضعت لرقم غير مسبوق من عمليات التحرير الجيني، وصل إلى 69 تحريرًا جينيًا،
بهدف الحيلولة دون رفض الجسم للكُلية المتبرَّع بها، والحد من خطر إصابة المتلقي بعدوى
فيروس كامن في الكُلية. فيما فضّلت شركة «ريفيفيكور» Revivicor الكائنة بمدينة بلاكسبيرج بولاية فيرجينيا، إجراء نحو 10 عمليات تحرير
جيني.
في
العملية الرابعة والأخيرة من زراعة عضو حيوان في إنسان حي، سعى مونتجومري وفريقه إلى
تجريب طريقة جديدة باستخدام الغدة الزعترية، ذلك العضو المرتبط بالمناعة، الذي من شأنه
أن يساعد في تدريب الجهاز المناعي للمتلقي على التعرف على عضو الخنزير. طعّم الجراحون
الكُلية بالغدة الزعترية الخاصة بالخنزير المصدر، ثم زرعوهما في امرأة تُدعى ليزا بيسانو،
تبلغ من العمر 54 عامًا، وذلك في الثاني عشر من أبريل الماضي. واستعان الجراحون بخنزير
لم يخضع إلا لتعديل جيني وحيد، الأمر الذي من شأنه أن ييسر زيادة إنتاج أعضاء الخنازير،
كما يشير مونتجومري. ويضيف أن حالة بيسانو الصحية مستقرة وهي تحت الملاحظة في المستشفى.
لا يزال
أمامنا الكثير لنتعلمه، كما يقول. في دراسة مزمع نشرها، وأخرى نُشرت في السابع عشر
من مايو الماضي في دورية «نيتشر ميديسن»3Nature Medicine، عمد مونتجومري
وزملاؤه إلى تحليل عينات أنسجة مأخوذة من شخصين كانَا في عِداد الموتى إكلينيكيًّا
قبل نقل قلبَي خنزيرين إليهما، وتوصلوا إلى أنه، على المستوى الخلوي، يبدو رفض الجسم
لأعضاء منقولة من حيوانات "مختلفًا كل الاختلاف" عن رفضه لأعضاء منقولة من
متبرعين بشريين، كما يقول مونتجومري، الذي يضيف قائلًا:
إن هذه النتائج من شأنها أن تُعين الباحثين على تدارك الرفض، ومن ثم تفصيل نظم كابتة
للمناعة بحسب كل عملية من عمليات الزراعة المستقبلية.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.199
1. Anand, R. P. et al.Nature622, 393–401 (2023).
2. Mohiuddin, M. M. et al.Lancet402, 397–410 (2023).
3. Schmauch, E. et al.Nature Med. https://doi.org/10.1038/s41591-024-02972-1 (2024).
تواصل معنا: