ما أسباب زيادة الإصابات بعدوى البكتيريا العقدية (أ)؟ وهل هي مقلقة؟
نشرت بتاريخ 3 يناير 2023
شهدت إنجلترا وفيات مأساوية لـ16 طفلًا جرَّاء عدوى البكتيريا العقدية من المجموعة (أ) وارتفاعًا غير معتاد في أعداد حالات الإصابة بها، مما جعل الباحثين في حالة تأهُّب.
هايدي ليدفورد
مع زيادة ساعات
النهار وارتفاع درجات الحرارة كلَّ ربيع، يتوقَّع أطباء الأطفال البريطانيون سيناريو
تزداد فيه أعداد الإصابات بعدوى البكتيريا
العقدية من المجموعة (أ) Group A streptoccous لتتضاءل تدريجيًا بحلول فصل
الصيف. إلا أن اندلاع حالات عدوى هذه البكتيريا خارج موسمها المعتاد العام الماضي
قد أربك جميع التوقعات، حيث أصابت العدوى خلال هذا التفشي أعدادًا كبيرة من
الأشخاص، وأدت لوفاة ستة عشر طفلًا دون سن الخامسة عشرة في إنجلترا منذ سبتمبر الماضي.
في ذلك الصدد، تقول شيرانيه سريسكاندان اختصاصية الميكروبيولوجيا من كلية إمبريال
كوليدج لندن: "على حد علمي، لم يسبق أن شهدنا ارتفاعًا في أعداد الحالات بهذا
الشكل خلال هذا الوقت من العام، ليس إلا قبل بضعة عقود على الأقل".
وتزعم إحدى النظريات أن انخفاض معدلات التعرض للبكتيريا العقدية من
المجموعة (أ) أثناء فترات فرض تدابير الإغلاق العام في ذروة انتشار جائحة «كوفيد-19»
قد أضعف مناعة الأطفال الصغار ضد البكتيريا. إلا أنه من السابق لأوانه للغاية
الحكم يقينًا بأن هذا هو سبب الارتفاع في الإصابات بعدوى البكتيريا العقدية (أ)،
كما ترى كلير تِرنر، اختصاصية الميكروبيولوجيا الجزيئية من جامعة شيفيلد بالمملكة
المتحدة.
وتضيف تِرنر: "حدث الكثير مما يُستغرب وقوعه عقب فترات الإغلاق العام،
لكن من الصعب الجزم بأن هذا ما سَبَّب موجة ارتفاع أعداد الحالات في الوقت الحالي،
لا سيما أننا شهدنا موجات ارتفاع سابقة على الجائحة".
الحمى القرمزية
عادة ما تتمثَّل أعراض الإصابة بعدوى البكتيريا العقدية من المجموعة (أ) في
ألم بسيط في الحلق (يسمى عادةً التهاب الحلق العقدي) أو في عدوى جلدية. وأحيانًا
تؤدي هذه العدوى إلى الإصابة بحالة مرضية تسمى بالحمى القرمزية، تصيب عادةً
الأطفال الصغار في سن المدرسة، وتميزها الإصابة بآلام في الحلق وحمى شديدة وطفح
جلدي خَشِن. وإن اكتُشفت العدوى بالبكتيريا العقدية (أ) في الوقت المناسب، يُمكن
عادة علاجها بالمضادات الحيوية.
وفي حالات نادرة، قد تفضي العدوى بالبكتيريا العقدية (أ) إلى الإصابة بحالة
مرضية أكثر خطورة تسمى العدوى الجائرة بالبكتيريا العقدية من المجموعة (أ)، وهي
تصيب بالأخص المرضى الذين يعانون ضعف المناعة. وقد تسبب هذه العدوى حالات مثل
التهاب السحايا ومتلازمة الصدمة السميِّة والتهاب اللفافة الناخر، وهذا الالتهاب
الأخير هو عدوى سريعة الانتشار تصيب الأنسجة تحت الجلد، وأحيانًا تُسمى المرض آكل
اللحم.
من هنا، تعني حكومة إنجلترا برصُّد انتشار عدوى الحمى القرمزية، وتوجِب على
الأطباء إبلاغ الهيئات الصحية بحالات الإصابة بها. وجدير بالذكر أنه فيما بين
منتصف سبتمبر وأول ديسمبر من العام الماضي، تلقت حكومة البلد 7750 بلاغًا بحالات
إصابة بالحمى القرمزية، مقارنة بـ2040 بلاغًا في المتوسط في الفترة نفسها خلال
السنوات الخمس السابقة على ذلك (ترصد الدول الأعضاء الأخرى في المملكة المتحدة
الإحصائيات الصحية بشكلٍ مستقل).
ولا تكشف هذه الأرقام المدى الحقيقي لانتشار عدوى البكتيريا العقدية (أ)،
كما تفيد سريسكاندان، التي تضيف: "الحمى القرمزية لا تعبر إلا عن نزر قليل هو
الأبرز بين عدد حالات التهاب الحلق العقدي، لأنها مؤشر شديد الوضوح على الوضع الحالي
لانتشار العدوى في المجتمع".
ارتفاعٌ هائل
كذلك بدأت بلدان أخرى ترصد نمطًا مُشابهًا من ارتفاع أعداد الإصابات بعدوى
البكتيريا العقدية من المجموعة (أ) خارج موسمها، وفقًا لما صرحت به نينا فان سورج
الباحثة من المركز الطبي بجامعة أمستردام. وتضيف فان سورج: "مما لا شك فيه أن
هذه الظاهرة ليست منحصرة في المملكة المتحدة، فلا تزال أعداد الحالات مرتفعة بشكلٍ
واضح في هولندا".
وتواجه إنجلترا ارتفاع مستويات الإصابة بالحمى القرمزية في الربيع منذ
سنوات. ففي عام 2018، على سبيل المثال، شهدت أعداد الإصابة بهذه الحمى ارتفاعًا
هائلًا، وفقًا لما أفادت به سريسكاندان، التي أضافت أن كل موجة ارتفاع قد جلبت طائفة
سلالات جديدة أقوى من السلالات التي كانت شائعة في الموجات السابقة، وإحدى هذه
السلالات ازدادت شيوعًا قرابة عام 2016، وكانت أكثر قدرة على التسبب في أعراض
خطيرة للمصابين.
وفي بدايات عام 2020، كان أطباء الأطفال في المملكة المتحدة يتأهبون لموسم قاسٍ
تشيع به حالات عدوى البكتيريا العقدية (أ). ثم حلَّت الجائحة، فأُغْلِقَت المدارس
ولَزِمَ الأفراد منازلهم، وهو ما أسفر عن انخفاض معدَّلات العدوى التنفسية والحمى
القرمزية انخفاضًا حادًا.
لكن مع حلول عام 2022، ازداد الاختلاط الاجتماعي وبالتالي ازدادت معدلات
الحمى القرمزية. وفي ذاك العام لم تنخفض معدلات العدوى خلال فصل الصيف كما كان
متوقعًا، وإنما استمرت أعداد حالات الحمى القرمزية في الارتفاع في إنجلترا، مع
فترات استقرار مؤقتة وقت اغلاق المدارس في العطلات.
هل فترات الإغلاق العام هي السبب؟
ما تزال المناقشات دائرة حول النظرية القائلة بأن السبب في موجات الارتفاع
هو عدم تعرُّض المجموعات السكانية لعدوى البكتيريا العقدية (أ) خلال ذروة الجائحة.
كما أن البعض يرى أن نقص هذا التعرض كان أيضًا السبب في ارتفاع معدلات الإصابة
بالإنفلونزا والجديري المائي والفيروس المخلوي التنفسي خلال عام 2022.
وتأمل تِرنر وفريقها البحثي في أن يدرسوا عينات جُمعت خلال موجة الارتفاع التي
شهدها العام الماضي باستخدام مزارع ثلاثية الأبعاد لخلايا لوزتين مستنبتة معمليًا ومأخوذة
من مرضى مصابين خلال الموجة. ويأمل الفريق في معرفة المزيد عن درجة اختلاف سلالة
ذاك العام عن سلالات الأعوام الأخرى من حيث قدرتها على إصابة الحلق بالعدوى.
وفي الوقت الحالي، يحاول مسؤولون صحيون رفع درجة الوعي بين عموم الأفراد والأطباء
بشأن موجات تفشي المرض التي تحل في غير موسمه. ومما يدل على أن حالات الإصابة
الخطيرة بعدوى البكتيريا العقدية (أ) قد تتدهور سريعًا، أن مسؤولي الصحة العامة في
هولندا أهابوا بالأطباءَ إلى علاج الحالات المشتبه فيها بالمضادات الحيوية فورًا،
بدلًا من انتظار المزيد من المعلومات، كما أفادت فان سورج.
وتقول فان سورج أنه إذا ثَبُتَ وجود ارتباط بين موجة الارتفاع التي شهدها
العام الماضي وبين التباعد الاجتماعي خلال الجائحة، فإن المأمول هو أن تعود معدلات
الحالات إلى الأنماط الموسمية المعتادة لها خلال السنوات القادمة، وذلك بمجرد أن
تتعزَّز مستويات المناعة المجتمعية. وتضيف فان سورج: "آمُل حقًا أن يكون
الأطفال قد تعرضوا للمرض بالدرجة المناسبة فيما بعد موجة الارتفاع هذه، فحينها ستتكون
لديهم المناعة ضد المرض، وتنتهي الموجة عند هذا الحد".
تواصل معنا: