خبيرة المومياوات سحر سليم تكشف أسرار مملكة المومياوات
نشرت بتاريخ 29 يوليو 2024
أزالت "سليم" الغبار عن العديد من الحقائق التاريخية مثل اغتيال رمسيس الثالث و"المومياء الحامل".. وتنصح شباب العلماء بالتخصص الدقيق في مجال علمي محدد
هاني زايد
ما بين
سحر الماضي وسلامة المنهج العلمي، اقتحمت "سحر سليم" -أستاذ الأشعة التشخيصية
في كلية الطب بجامعة القاهرة- سراديب المقابر الفرعونية، وكأنها تعزف على آلة
"الهارب" المصرية القديمة بأوتارها العشرة الشهيرة.
تخرجت "سليم"
في كلية الطب بجامعة القاهرة، وحصلت على درجتي الماجستير والدكتوراة في الأشعة التشخيصية،
ونالت درجة الزمالة في الأشعة وزمالة في التعليم الطبي من جامعة "ويسترن أونتاريو"
الكندية، وباتت أحد أهم خبراء علم الأشعة القديمة حول العالم؛ إذ استفادت من تقنية
الـتصوير المقطعي المحوسب لدراسة المومياوات المصرية.
يستخدم
"علم الأشعة القديمة" الأشعة السينية وطرق التصوير الطبي
المتقدمة لتقييم الهياكل العظمية البشرية والحيوانية القديمة والمواد البيولوجية الخاصة
بالمواقع الأثرية، وبدأ استخدامه بعد شهور من اكتشاف أشعة إكس في الثامن من نوفمبر
لعام 1895 على مومياوات مصرية قديمة لطفل وقطة قبل استخدامها على الإنسان الحي.
وأظهرت صور
الأشعة ما بداخل المومياوات الملفوفة بالكامل دون الحاجة إلى فك اللفائف أو تشريحها
كما كان معتادًا في هذه الفترة لدراستها، وفق "سليم".
تجربة ثرية
و"سليم"
هي خبيرة أشعة مومياوات الآثار وعضو في العديد من المشروعات التي تتبع وزارة السياحة
والآثار المصرية منذ عام 2005، وهي عضو اللجنة العلمية لسيناريو العرض بالمتحف القومي
للحضارة المصرية بالفسطاط، وشاركت في إعداد العرض المتحفي لقاعة المومياوات الملكية،
وفاترينة عرض الطب في مصر القديمة، وهياكل ما قبل التاريخ في متحف الحضارة.
تقول
"سليم" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تساعد الأشعة المقطعية
في تصميم مجسم ثلاثي الأبعاد للمومياء (أو أي جزء منها أو أي تمثال أو تميمة)، لقد
استخدمتها في طباعة مجسم لإعادة تركيب وجه الملك توت عنخ آمون، وطباعة تميمة جعران
القلب بداخل مومياء الصبي الذهبي في المتحف المصري بالقاهرة.
تجربة "سليم"
الثرية والفريدة في أشعة الآثار أهلتها لتكون خبيرةً عالميةً تقدم الدعم والمشورة
للمتاحف العالمية، مثل متحف بارنوم في الولايات المتحدة، والمتحف البريطاني، ومتحف
مايدستون في المملكة المتحدة.
خلال
مسيرتها العلمية، نشرت "سليم" أكثر من 55 دراسة في كبريات الدوريات
العالمية، وشاركت عالِم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس في تأليف كتاب "مسح الفراعنة"، الذي حصد العديد من الجوائز
العالمية مثل جائزة بروس لأفضل كتاب علمي شعبي من قسم النشر المهني والعلمي للناشرين
الأمريكيين عام 2017، ونالت جائزة اللقب الأكاديمي المتميز لعام 2016 من الجمعية الأمريكية
لمكتبات الكليات والبحوث في يناير من عام 2017.
وأجرت "سليم"
فحصًا بالأشعة المقطعية لـ40 مومياء ملكية وما يزيد على 300 مومياء أخرى لأسر عادية،
أهمها الملك توت عنخ آمون وابنتيه، وأمنحتب الأول، وتحتمس الثالث، وبعض محتويات قبو
المتحف المصري، مثل مومياء الصبي الذهبي.
تقول
"سليم": تم تخزين مومياء الصبي الذهبي بقبو المتحف المصري من دون أي دراسة
منذ عام 1916، وعندما فحصت المومياء بواسطة
الأشعة المقطعية، وجدت أنها لصبي عمره ما بين 14 إلى 15 عاما، وأن جسده محفوظ جيدًا
بواسطة عملية تحنيط متقنة تم خلالها إزالة المخ والأحشاء كالمعتاد، وفيها 49 تميمة.
منهج
علمي
تُجري "سليم"
دراسات الأشعة للمومياوات بنفسها في غالبية دراساتها، وتتعاون مع علماء آثار
مصريين، مثل الدكتور زاهي حواس والدكتور محمود الحلوجي، وأغلب دراساتها تتم بفرق عمل
مصرية خالصة.
وتتبع "سليم"
منهجًا علميًّا سليمًا يقوم على البحث والتحليل الدقيق والمحافظة على الآثار ودراستها
بشكل آمن دون تعرضها لأي ضرر أو تدمير، وتساعدها الأشعة -وخاصةً الأشعة المقطعية المتقدمة-
في معرفة كثير عن المومياوات.
وفكت
"سليم" طلاسم العديد من الألغاز التاريخية، مثل اغتيال الملك رمسيس الثالث
فيما عُرف بـ"مؤامرة الحريم"؛ إذ تعرض الملك لمحاولة اغتيال
وقلب نظام الحكم بواسطة إحدى زوجاته وابنه "بنتاؤر"، لكن التاريخ لم يذكر
هل أسفرت تلك المحاولة عن اغتياله أم أنه نجا.
تقول
"سليم": أعادت الأشعة المقطعية كتابة التاريخ، مُظهرةً أنه تم نحر عنق الملك،
وبتر الأصبع الكبرى لقدمه اليسرى.
وبالنسبة
للمومياء المصرية المحفوظة في متحف وارسو ببولندا، والتي عُرفت بـ"المومياء الحامل"، فقد انتهت "سليم" إلى أن "ما وُصف
بأنه جنين داخل المومياء ما هو إلا حشوات تحنيط، وأنه لا توجد أي صفات تشريحية لجنين
داخل المومياء".
تقول
"سليم": من بدهيات التحنيط إزالة الأحشاء لمنع تعفُّن الجسد، وهو ما يتعارض
مع وجود جنين داخل رحم المومياء المحفوظة بصورة جيدة.
كما فحصت
مومياء الملك توت عنخ آمون بالأشعة المقطعية، إضافةً إلى فحص مومياوات ابنتيه في طور الجنين، وهو الفحص الوحيد لمومياوات أجنة مصرية
قديمة، وحددت وفاة البنتين في الشهرين السادس والثامن من الحمل.
وتستكمل "سليم"
حاليًّا عملها في فحص المومياوات داخل آبار الدفن الخاصة بحفائر سقارة، والواقعة على
مسافة 30 مترًا تحت الأرض، وذلك باستخدام أجهزة أشعة نقالة للحفاظ على المومياوات من
التدمير.
تقول
"سليم": أبحاثي في أشعة الطب متعددة، وتشمل فحوصات للدماغ والجهاز العصبي،
ووصفت مع زملائي العديد من التشوهات الخلقية في مصر، وتحديد السبب
الوراثي والطفرات الجينية التي أحدثتها، كما تخصصت في فحص الأجنة بالرنين المغناطيسي
في أثناء الحمل، ووضعت أول بروتوكول في العالم لفحص قلب الجنين بالرنين
المغناطيسي، وساهمت في أبحاث متقدمة في العلاج الجيني للأجنة المصابة بأمراض مثل "متلازمة
جوبير"، التي نجحت على مستوى فئران التجارب، ما قد يفتح بابًا لعلاجها
بالنسبة للإنسان.
شباب
العلماء
تنصح
"سليم" شباب العلماء في مصر والشرق الأوسط بضرورة "التركيز في
إنتاج أفكار البحوث التي تقدم مساهمة مهمة في مجال العلم، والتخصص الدقيق في مجال معين
أو مجال فرعي محدد، وإقامة شبكة اتصالات مع المجتمع العلمي من خلال حضور المؤتمرات
والانضمام إلى الجمعيات المهنية، مما يؤدي إلى بناء فرص من التعاون مع الزملاء والأقران
في العالم".
وتقول
"سليم": التواصل المستمر مع العلماء ذوي الخبرة يساعد شباب العلماء على
معرفة المستجدات العلمية، وصقل مهاراتهم البحثية، والكتابة والإحصاء بشكل علمي
دقيق، وتطوير الذات والقدرة على عرض المعلومات العلمية.
تواصل معنا: