أخبار

كشف أسرار جديدة عن الخلايا الحسّية في الأعضاء التناسلية

نشرت بتاريخ 4 أغسطس 2024

الاهتزاز منخفض التردد أدى إلى استثارة العصب التناسلي لدى الفئران.. اكتشافٌ يبشِّر بالتوصُّل إلى علاجات لضعف الانتصاب وغيره من المشكلات الجنسية

سارا ريردون

اكتشف الباحثون أن خلايا العصب التناسلي المسمَّاة «جسيمات كراوزه» توجد في البظر في إناث الفئران (إلى اليسار) بكثافة أكبر منها في القضيب لدى الذكور (إلى اليمين).
اكتشف الباحثون أن خلايا العصب التناسلي المسمَّاة «جسيمات كراوزه» توجد في البظر في إناث الفئران (إلى اليسار) بكثافة أكبر منها في القضيب لدى الذكور (إلى اليمين).
Credit: Lijun Qi, Michael Iskols, and David Ginty

كشفت دراسة1 حديثة أُجريَت على الفئران أن خلايا عصبية بعينها (توجد في القضيب، في حالة الذكور، وفي البظر، في الإناث) تستجيب للاهتزازات، ثم تَنشط، ويترتَّب على نشاطها حدوث تمظهرات جنسية، مثل الانتصاب. نتائج هذه الدراسة من شأنها أن تقود إلى تطوير علاجات لبعض المشكلات الجنسية، مثل ضعف الانتصاب، أو استعادة القدرة الجنسية لدى الأفراد الذين يعانون شللًا نصفيًّا سفليًّا.

مرَّ أكثر من 150 عامًا على اكتشاف «جسيمات كراوزه» Krause corpuscles في الأعضاء الجنسية البشرية؛ وهي نهايات عصبية تلتفُّ بإحكام متخذةً شكل كرات تحت الجلد. هذه الجسيمات أشبه ما تكون بالجسيمات التي تَنشط باللَّمس في أصابع الإنسان وراحة يده، إذ تستجيب لما تتعرَّض له من اهتزاز عندما يمرِّر المرء أصابعه على سطح خشن.

لكن آلية عمل هذه الجسيمات الجنسية لم تُبحث بحثًا وافيًا، ولا الدور الذي تؤديه في العملية الجنسية؛ ربما تحرُّجًا من بحث هذا الموضوع الذي يُعتبر في بعض الأحيان موضوعًا حسَّاسًا. ففي تعليقٍ أدلى به ديفيد جينتي، عالم البيولوجيا العصبية الحسِّية بكلية طب هارفارد في بوسطن، بولاية ماساتشوستس الأمريكية، وهو الذي قاد فريق البحث الذي أجرى الدراسة الأخيرة، قال: "كان من الصعب أن نجد باحثين يرغبون في المشاركة في هذه الدراسة، لأن البعض يتحرَّجون من الحديث عن هذه المسألة. أما أنا فلا أجد فيها حرجًا، بل أجد فيها – من الناحية البيولوجية – ما يثير الانتباه".

للاهتزاز فوائده

طالما راود جينتي وغيرَه من علماء البيولوجيا الحسّية حلمُ دراسة هذه الكرات العصبية الغامضة. إلا أن تنشيط خلايا عصبية بعينها وتعقُّبها كانا في حكم المستحيل تقريبًا، إلى أن ظهرت التقنيات الجزيئية المتقدمة خلال السنوات العشرين الأخيرة.

في الدراسة التي نشرتها دورية Nature في التاسع عشر من يونيو الماضي1، تمكَّن جينتي وفريقه من تنشيط «جسيمات كراوزه» لدى الفئران، الذكور والإناث على السواء، بالاستعانة بطائفة متنوِّعة من المثيرات الميكانيكية والكهربية. فكان أن تجاوبت الخلايا العصبية، أكثر ما تجاوبت، مع اهتزازات منخفضة التردد (تتراوح بين 40 و80 هرتز). وذكر جينتي أن كثيرًا مما يُسمَّى باللُّعَب الجنسية تولِّد اهتزازات كهذه؛ فكأنما فَطِن البشر إلى أن هذه هي الطريقة المُثلى لاستثارة لـ«جسيمات كراوزه»، حتى قبل نشر أية تجارب رسمية في هذا الشأن.

ومما توصَّل إليه الباحثون، الذين كشفوا النقاب عن دراستهم أوَّل الأمر العامَ الماضي على موقع المسوَّدات البحثية «بيو أركايف» bioRxiv ولمَّا تخضع بعدُ للتحكيم، أن الأعضاء الجنسية لدى ذكور الفئران وإناثها تحوي نفس العدد من الجسيمات، التي تتوزَّع وتنتشر مكانيًّا في العضو مع نمو جسم الفأر عمومًا. غير أن توزيع الجسيمات في البظر الأنثوي كان أعلى كثافةً وأشدَّ تركيزًا، بنحو 15 مرة، من توزيعها في القضيب الذكري؛ وما ذلك إلا لأن البظر أصغر حجمًا من القضيب. وقد علَّق جينتي على جسيمات كراوزه في البظر بقوله إنها "تُوشك أن تكون متلاصقة"، مضيفًا أنه وفريقه يعتقدون أن "كلًّا منها بمثابة مستشعِر للاهتزاز"؛ ولعلَّ هذا هو السبب في أن يكون هذا العضو بهذه الحساسية.

ومن أجل الوقوف على الدور الذي تلعبه هذه الجسيمات في العملية الجنسية، أدخل الفريق على الفئران تعديلًا جينيًّا بحيث تُستثار الخلايا العصبية في الجسيمات بمجرد تعرُّضها لشعاع ضوء. ولاحظ الباحثون أنه، على الرغم من أن الفئران كانت مخدَّرة، أدَّى هذا التحفيز إلى حدوث انتصاب لدى الذكور، وانقباضات مهبلية لدى الإناث. وتبيَّن أن الفئران التي نُزعت منها – بتعديلٍ جيني – «جسيمات كراوزه» لم تستطع إتمام التزاوج بشكل طبيعي؛ وفي ذلك دلالة على أهمية هذه الجسيمات للعملية الجنسية.

على الرغم من أن أكثر الخلايا العصبية الحسِّية تتكوِّن قبل الولادة، وجد الباحثون أن «جسيمات كراوزه» لم تتكوَّن إلا عندما بلغت الفئران من العمر 4 إلى 6 أسابيع؛ أي قُبيل بلوغ الفئران مرحلة النضج الجنسي. وذكر جينتي أن فريقه منشغل الآن بدراسة ما إن كان لهرمونات ما يُعرف بدورة الشبق (oestrus cycle) لدى إناث الفئران تأثير في عمل هذه الجسيمات، وكذا بالبحث في الكيفية التي ترتبط بها هذه المنظومات العصبية – التي لا تتكوَّن إلا في مرحلة متأخرة من عمر الفأر – بجهازه العصبي الموجود سلفًا.

ما تبيَّن للباحثين، حتى هذه اللحظة، أن الجسيمات تتصل بمركز بعينه من مراكز الحسّ في النخاع الشوكي. فعندما عمد الفريق إلى إثارة هذا المركز الحسّي، ترتَّب على ذلك حدوث انتصابات وانقباضات في الأعضاء التناسلية، حتى عندما سُبقت هذه الخطوة بفصل النخاع الشوكي عن المخ؛ في إشارة إلى أن الاستجابات الجنسية تحدث تلقائيًّا.

أملًا في علاج المشكلات الجنسية

"إنها دراسة على درجة عالية من الاتساع والشمول"، هكذا وصفَتها إيلينا جراشيفا، عالمة الأعصاب بجامعة ييل في نيو هيفن بولاية كونيتيكت. وقد هالها كمُّ المسارات العصبية الحسِّية المنخرطة – على ما يبدو – في توليد الحساسية الجنسية. وهي ترى أن الورقة "تفتح أبوابًا عديدة، وفي اتجاهات مختلفة، للكثير من العلماء".

ومن جانبه، يرى ألكسندر تشِسلر، عالم البيولوجيا الحسّية بالمركز الوطني الأمريكي للصحة التكميلية والتكاملية (NCCIH)، ومقرُّه مدينة بيثيسدا بولاية ميريلاند، أن هذه الدراسة جاءت مكمِّلة للدراسة التي نشرها فريقه العامَ المنصرم2، والتي أثبتوا فيها أهمية بروتين حسَّاس للَّمس، يوجد في الأعضاء التناسلية، لإتمام عملية التزاوج. وذكر تشِسلر أن "الجنس موضوع محوري بين موضوعات البيولوجيا، وهو محرِّك رئيس للسلوك والتطوُّر". وهو يأمل في أن تُتْبَع هاتان الورقتان بأوراق بحثية أخرى تتركَّز حول هذه الخلايا العصبية، بما يفضي في نهاية المطاف إلى ابتكار علاجات لمشكلات جنسية من قبيل ضعف الانتصاب، والآلام المهبلية.

وفي هذه الأثناء، يولِّي جينتي وفريقه وجوههم شطر البحث في جوانب «جسيمات كراوزه» الأخرى. ومن ذلك، مثلًا: هل تستثير هذه الخلايا العصبية مراكز المتعة في الدماغ؟ وهل تحتفظ بحساسيَّتها مع تقدُّم الحيوانات في العمر؟ يقول جينتي: "كل اكتشاف يقودنا إلى إضاءة بقعة كانت من قبلُ معتمة، وما ذلك إلا لأننا لا نعلم عن هذا [الموضوع] إلا قليلًا".

 

* للمزيد حول هذا الموضوع، يمكنك الاطلاع على المقال المنشور في قسم «أنباء وآراء» News & Viesمن دورية Nature تحت عنوان:الأعضاء الجنسية تُحس بالاهتزازات عبر خلايا عصبية متخصصة في استشعار اللمس – واستمع أيضًا إلى هذه الحلقة من «نيتشر بودكاست» التي تدور حول هذه الخلايا الحسّية.

 

* هذه ترجمة للمقال الإنجليزي المنشور بدورية Nature بتاريخ 19 يونيو 2024.

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.241


  1. Qi, L. et al. Nature https://doi.org/10.1038/s41586-024-07528-4 (2024).
  2. Lam, R. M. et al. Science 381, 906–910 (2023).