أخبار

كيف يمكنك بناء شبكة علاقات مع ألمع العقول العلمية؟

نشرت بتاريخ 5 أغسطس 2024

يصف من سبق لهم حضور مؤتمر الفائزين بجائزة نوبل في مدينة لينداو الألمانية كيف يمكن لهذه الفعالية أن تفيد الباحثين في مقتبل مسيرتهم المهنية.

ليزلي إيفانز أوجدِن

انتفع مورتن ميلدال الفائز بجائزة نوبل (الذي يعلق على رقبته شريطًا أزرق) بخبرات صغار العلماء في مؤتمر لينداو للفائزين بجائزة نوبل لعام 2023.
انتفع مورتن ميلدال الفائز بجائزة نوبل (الذي يعلق على رقبته شريطًا أزرق) بخبرات صغار العلماء في مؤتمر لينداو للفائزين بجائزة نوبل لعام 2023.
Credit:Julia Nimke/Lindau Nobel Laureate Meetings

كل عام، ينعقد في مدينة لينداو الألمانية مؤتمر، يحضره أكثر من عشرين فائزًا بجائزة نوبل، حيث يسنح لمئات من الباحثين في مقتبل مسيرتهم المهنية، ومن شتى أنحاء العالم بناء علاقات تعاوُن بين بعضهم البعض ومع هؤلاء الفائزين.

وحضور هذا الاجتماع يكاد يكون في المطلق فرصة عمر لا تتكرر لصغار العلماء الذين يختارهم منظمو الاجتماع من بين مجموعة تمثيلية من المتقدمين للمشاركة في الفعالية؛ من طلاب الدراسات العليا والخريجين، وأعضاء الزمالات البحثية في مرحلة ما بعد الدكتوراه. ولا تتكرر فرصة العمر هذه إلا في حالة واحدة: يمكن لمن شاركوا في المؤتمر في مقتبل مسيرتهم المهنية العودة للمشاركة فيه إذا حازوا إحدى جوائز نوبل.

وحتى اليوم، عاد مشاركان فقط إلى المؤتمر كفائزين بنوبل. انعقدت الدورة الأخيرة الثانية والسبعون من هذه الفعالية في يونيو عام 2023، حيث عملت على تغطيتها مراسلة دورية Nature، كاتبة هذا المقال والتي تكفَّل منظمو المؤتمر بدفع تكاليف سفرها. وقد حفرت الفعالية في الأذهان ذاكرة لا تمحى، تعكس طابع مؤتمرات لينداو، كبوتقة للعقول من شتى الأجيال، الأمر الذي يعكسه مشهد مورتن ميلدال الفائز بجائزة نوبل وهو يتصبب عرقًا في أثناء الرقص على ساحة الرقص المزدحمة، فيما يقترب منه صغار العلماء في حرج بخطى راقصة لسؤاله عما إذا كان بإمكانهم أخذ سيلفي لهم معه، وقد ارتسمت على وجوههم ابتسامة عريضة.  وبالابتسامة ذاتها، كان ميلدال يتكرم بالموافقة.

لعل ميلدال أدرى من غيره من الفائزين بنوبل بأهمية مؤتمرات لينداو للباحثين في مقتبل مسيرتهم المهنية (ECR). فقد حضر الاجتماع أول مرة كباحث شاب عام 1986، ليتقاسم فيما بعد، في عام 2022، الفوز بجائزة نوبل في الكيمياء مع كارولين بيرتوزي وكيه. باري شاربلس.

وهو يذكر زيارته الأولى للاجتماع بشغف قائلًا: "سنحت لي فرصة الحديث مع بعض من الأشخاص لامعي الذكاء، ما ترك في نفسي أثرًا طويلًا". لم يخطر ببال ميلدال قط أنه قد يفوز يومًا بجائزة نوبل. وحول ذلك، يقول إنه لم يستهدف قط صيد الجوائز، لأن "اهتمامه ينصب على العلوم بشكل بحت".

لكن حتى لو لم يكن حضور الاجتماع يسنح إلا لمرة واحدة لأغلب الباحثين، فثمة منافع جمة يمكن جنيها من بناء شبكات علاقات في هذه الفعالية التي استقطبت إلى لينداو منذ عام 1951 مئات من نجوم العلم الصاعدين على مستوى العالم. تدور اجتماعات لينداو في فلك مجالات شتى، فتتنقل بين فضاء الفيزياء والكيمياء والفسيولوجيا والطب وعلوم الاقتصاد. كذلك ينعقد اجتماع جامع لهذه التخصصات كل خمسة أعوام. وقد أُزمع أن يركز اجتماع عام 2024، الذي انطلق في الثلاثين من يونيو الماضي على حقل الفيزياء.

وهنا، لتقصي السبل التي يمكن بها لحاضري هذه الفعالية تعظيم الاستفادة من قضاء أسبوع برفقة بعض من أنبغ العقول العلمية على مستوى العالم، أجرت دورية Nature حوارًا صحفيًا مع عدد من شباب العلماء الذين سبق لهم حضور المؤتمر. وفي سياق أي اجتماع يتفاعل فيه الباحثون في مقتبل سيرتهم المهنية مع نظراء أكثر خبرة، قد تكون النصائح الواردة أدناه قيِّمة. اقترح من أجرت Nature معهم الحوار التخطيط مسبقًا للمؤتمر بالمسارعة بالاشتراك في فعالياته الحصرية والاستعداد مسبقًا بالأسئلة التي ستوجَّه إلى المتحدثين البارزين فيه. كذلك حذر المستطلعين في مقابلات Nature الصحفية من الاستمرار في العمل خلال هذه الاجتماعات، ومن افتراض انتهاء النقاشات المهمة عند انقضاء الجلسات الرسمية، ومن التسليم جدلًا بأن الباحثين في مقتبل مسيرتهم المهنية هم دائمًا الطرف المستفيد في مثل هذه اللقاءات.

نزهات السير العلمية في مؤتمر لينداو تتيح لحاضري هذه الفعالية الفرصة لبناء علاقات تعاوُن غير رسمية.
نزهات السير العلمية في مؤتمر لينداو تتيح لحاضري هذه الفعالية الفرصة لبناء علاقات تعاوُن غير رسمية.
Credit:Christian Flemming/Lindau Nobel Laureate Meetings

انغمس في التجربةّ!

يفيد حاضرو هذه الاجتماعات بأنهم انتفعوا من التريث والاستغراق تمامًا في تجربة حضور اجتماعات لينداو. ومن هؤلاء، تريشلا سينها، وهي طالبة في مرحلة الدكتوراة بمجال الطب من مركز جرونينجِن الطبي الجامعي في هولندا، تتخصص في دراسة ميكروبيوم أمعاء الرضع. وهي تنصح بالإقامة مع إحدى الأسر التي تستضيف العلماء الزائرين للاجتماع. وتعلل لذلك بأن الترحيب الذي يجده المرء بين أفراد أسرة محلية، يهيئه لهذه المناسبة، ويبعث شعورًا بالراحة الشديدة، لا سيما في حال من سافروا من جانب آخر من العالم. وتعرب عن ذلك قائلة: "الأسر المضيفة تساعد حقًا في خلق شعور بالأريحية". والعديد من الأسر المضيفة لزائري اجتماع لينداو تتطوع بحماس عامًا بعد عام لاستضافة المشاركين في الفعالية.

خلال مشاركتها في الاجتماع، لاحظت سينها أن عديدًا من الحاضرين أخذوا يحاولون المضي في كتابة أبحاثهم. وهو ما تنصح بالامتناع عنه، معللة بأن المؤتمر فرصة تسنح لأسبوع واحد فقط للالتقاء ببعض من ألمع العقول الفذة وبناء علاقات تعاون معها؛ فتقول: "عليك بالانغماس تمامًا في التجربة وتخصيص هذا الوقت للانخراط في محادثات مع عديد من الأشخاص".

وتشير إلى أنها كشخص اجتماعي يبرع في التفاعل مع الآخرين لم تجد صعوبة في بناء علاقات مع غيرها من الحاضرين في اجتماعات لينداو وهو ما تنصح الجميع بالتماسه خلال المؤتمر، قائلة: "عليكم بالخروج من قوقعتكم!".

 

يوصي حاضرو مؤتمر لينداو بتسجيل الاشتراك مبكرًا في المؤتمر للفوز بمقعد في أحد اجتماعاته الحصرية.
يوصي حاضرو مؤتمر لينداو بتسجيل الاشتراك مبكرًا في المؤتمر للفوز بمقعد في أحد اجتماعاته الحصرية.
Credit:Christian Flemming/Lindau Nobel Laureate Meetings

 

استعد مسبقًا!

شاركت ديفيتا جوبتا اختصاصية علم الكيمياء الفلكية في اجتماع لينداو لعام 2017. آنذاك، كانت في العام الرابع من دراساتها للحصول على درجة البكالوريوس والماجيستير في المعهد الهندي للعلوم والتربية والبحوث بمدينة موهالي الهندية، وتذكر أنها أخذت "تقفز" فرحًا وجذلًا عندما علمت بأنها فازت بمقعد سفر على رحلة مدفوعة النفقات إلى مؤتمر لينداو.

واليوم، بعد أن صارت باحثة في مرحلة ما بعد الدكتوراة في جامعة كولونيا في ألمانيا، تشاركنا تجربتها في المؤتمر، وتقول إنها تحلت بعقلية منفتحة على كل الآراء في خطوة الاستعداد مسبقًا للفعالية، وهي خطوة أجمع كثيرون ممن حاورتهم دورية Nature على ضرورتها. على سبيل المثال، براتيك توادي، المرشح للحصول على درجة الدكتوراة في الإليكترونيات الدقيقة من جامعة دلفت للتكنولوجيا في هولندا والذي سبق له حضور المؤتمر عام 2023، ينصح بالاشتراك مسبقًا في اجتماعات وورش عمل المؤتمر التي تهم الباحث. لكن تجدر الإشارة إلى أن المقاعد لحضور الاجتماعات الحصرية في المؤتمر مثل نزهات السير برفقة الفائزين بنوبل ووجبات الغداء معهم، تمتلئ سريعًا. وتكون هذه الفرص استراتيجية، لأنه في فترات الاستراحة بين هذه الاجتماعات تتجمهر حشود مليئة بالحماس من المشاركين حول الفائزين بنوبل وقد تضيع أصوات في الزحام.

وبصرف النظر عن الاجتماعات الرسمية، حسبما يفيد توادي، "يمضي الكثيرون وقتًا معًا بعد انقضاء الاجتماعات، والانضمام إلى مثل هذه التجمعات مفيد". وهو ما يعلل له بقوله: "خلال احتساء كوب من القهوة أو الجعة، كثيرًا ما تُناقش أفضل الأفكار والأبحاث".

كذلك يوصي توادي بالاستعداد بأسئلة لكبار العلماء للخروج برؤى متعمقة وتوصيات حول كيفية خوض غمار الوسط الأكاديمي أو الحياة المهنية. سار على هذه القاعدة اختصاصي الكيمياء الحيوية كاميني جوفيندر، وهو باحث في مرحلة ما بعد الدكتوراة من جامعة الولاية الحرة في مدينة بلومفونتين بجنوب إفريقيا؛ فيقول: "استعد مسبقًا بأسئلة للفائزين بنوبل ممن ترغب في التفاعل معهم، كي لا تضيع منك الكلمات، أو يستغلق عليك العثور على الكلمات المناسبة عند لقاء الفائزين وجهًا لوجه". كذلك يقدم لنا جوفندر نصيحة عملية للتأقلم مع شوارع لينداو الوعرة المرصوفة بالحصى، ألا وهي: جلب حذاء سير مريح!

أما زيبيب يينوس نورو، اختصاصية علم المواد من جامعة أديجرات في إثيوبيا، فتقول إن حضور اجتماع عام 2012 قد ساعدها في الانتفاع بشبكات علاقات علمية وبِنى تحتية علمية ثمينة. وتوضح ذلك قائلة: "تفتقر المؤسسات الإفريقية لمرافق علمية متطورة لإجراء الأبحاث التجريبية". وقد تغلَّبت على هذه العقبة ببناء علاقات تعاوُن بحثي مع مؤسسات في المملكة المتحدة، وكندا، والولايات المتحدة، وجنوب إفريقيا، وهو ما تعقب عليه قائلة: "[أتاح هذا لي] الوصول إلى مرافق هذه المؤسسات، والانتفاع بخبراتها وتوسعة نطاق أبحاثي". ورغم أن مؤتمر لينداو قد أثمر فرصًا جيدة لبناء علاقات تعاون بحثي مع باحثين آخرين في مقتبل مسيرتهم المهنية (تبادلت نورو الأفكار معهم لفترة وجيزة بعد الاجتماع) إلا أن "هذا التواصل انقطع في نقطة ما للأسف"، كما تفيد. رغم ذلك، أخذت نورو في إحياء التواصل بين المشاركين في المؤتمر عبر منصة أسستها على الإنترنت عام 2020 باسم Lindau Mentoring Hub، (منصة لينداو للتوجيه الأكاديمي). على سبيل المثال، حضرت يينوس نورو اجتماعًا على المنصة حول الإرشاد والتوجيه الأكاديمي للباحثين في منتصف مسيرتهم المهنية، شاركت فيه أيضًا إلينا ليفاين اختصاصية التدريب المهني لمجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM).

كذلك من بين المؤسسين المشاركين للمنصة رئيسة شريف، وهي عضوة زمالة بحثية في مرحلة ما بعد الدكتوراة، ومتخصصة في دراسة الاقتصاد بمعهد ماكس بلانك لقانون الضرائب والمالية العامة في ميونيخ بألمانيا. وتقول إن فريق مؤسسي المنصة أراد أن يحاكي على الإنترنت المحادثات غير الرسمية المهمة التي تنعقد في أروقة المعاهد البحثية أو الجامعات. ويمكن لمن سبقت لهم المشاركة في اجتماعات لينداو الوصول إلى المنصة ومناقشة إشكاليات شتى وإيجاد حلول لها، بدءًا من صوغ الأوراق البحثية إلى بناء فرق التعاوُن البحثي.

تحل بالشجاعة!

تعين على يينوس نورو أن تستجمع شجاعتها لمخالطة الفائزين بنوبل. وتقول عن ذلك: "كان الفوز بمقعد في المؤتمر تجربة مثيرة ومهيبة في الوقت نفسه. فبما أني نشأت في بلدة صغيرة في إثيوبيا، في ظروف مليئة بالتحديات، كان السماح لي بحضور اجتماع يشارك فيه فائزون بنوبل وخبراء من شتى أنحاء العالم بمنزلة حلم يتحقق".

وخلال المؤتمر، تفاعلت يينوس نورو مع باحثين، مثل جيمس كرونين، الذي تقاسم الفوز بجائزة نوبل في الفيزياء مع آخرين عن أبحاثه حول التفاعلات دون الذرية، وماريو خوسيه مولينا، الذي تقاسم الفوز بالجائزة في مضمار الكيمياء عام 1995، عن اكتشافه لمواد كيميائية تُعرف بالكلوروفلوروكربونات، وهي مواد ضارة بطبقة الأوزون. وقد دارت بين يينوس نورو وكرونين محادثات عدة، تصفها يينوس نورو قائلة: "أظهر اهتمامًا صادقًا بمعرفة خلفيتي واهتماماتي ومشروعاتي البحثية الحالية".

ومن هذه المحادثات، خرجت نورو بدرس قوي عن الفشل، وهو أن الأبحاث الثورية لا تكون دائمًا وليدة عناية في التصميم والتنفيذ، بل تأتي أيضًا نتاجًا لاستعداد للوقوع في الأخطاء والتعلم منها".  وتقول عن ذلك: "تعلمت من ذلك ألا أستسلم أبدًا، وإنما أن أثابر في عملي نحو الخروج بحلول مبتكرة رغم أنف الانتكاسات".

ويُذكر أن أوجه التفاعل مع الفائزين بنوبل، لم تكن جميعها جادة. على سبيل المثال، كانت سينها من بين كثيرين ممن سعدوا بالرقص إلى جانب ميلدال في حفل الاستقبال الليلي بالمؤتمر، ما برهنت عليه بالتقاط مقطع فيديو بهاتفها لها معه. كذلك شعرت سينها بأنها محظوظة بقضاء أربع ساعات في التحدث مع ميلدال وزوجته على العشاء.

وهي تصف ميلدال قائلة: "كم كان ودودًا ودمثًا! اتسع صدره للحديث حول كل شيء، كالأسرة، وهواياته. كان حقًا جم اللطف!". وتقر بأنها توقعت جفاء من الفائزين بنوبل. وفي رأيها، تمثَّل أهم التفاعلات الاجتماعية التي انخرطت فيها خلال المؤتمر في الفرصة التي سنحت لها بالحديث مع زوجة ميلدال، العالمة المتخصصة في الطب الدوائي، فايدريا ماري سانت هيلير، وهي تعمل في مجال التقنيات الحيوية، ومناصرة للنساء الملونات في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.  ولا تزال كلتاهما على تواصل. مسقط رأس سانت هيلير هو جزر الكاريبي، وقد تناقشت مع يينوس نورو بشأن القضايا التي تواجهها النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وبشأن الإشكاليات التي صادفتها كامرأة غير بيضاء تسعى إلى شق طريقها المهني في بلد أوروبي في أحد مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. 

ينصح من سبق لهم حضور مؤتمر لينداو بصوغ أسئلة والاستعداد بها مبكرًا لطرحها على الفائزين بنوبل، مثل فرانسيس أرنولد (يمين الصورة في اجتماع لينداو لعام 2023 (.
ينصح من سبق لهم حضور مؤتمر لينداو بصوغ أسئلة والاستعداد بها مبكرًا لطرحها على الفائزين بنوبل، مثل فرانسيس أرنولد (يمين الصورة في اجتماع لينداو لعام 2023 (.
Credit: Christian Flemming/Lindau Nobel Laureate Meetings

كذلك يخبرنا سايمون جيبريميسكل، اختصاصي علم المناعة، الذي سبقت له المشاركة في موتمر لينداو لعام 2018، أثناء دراساته لنيل درجة الدكتوراة من جامعة دالهاوسي في هاليفاكس بكندا، أنه تعلم الكثير من محادثاته الرسمية وغير الرسمية مع الفائز بجائزة نوبل فريد مراد، الذي برهن على تمدد الأوعية الدموية بالنيتروجليسرين وراندي شيكمان الذي اكتشف الآلية الجزيئية التي تقف وراء نقل البروتينات في الخلايا، فضلًا عن آليات أخرى. فيقول جيبريميسكل: "ما أذكره بالأخص عمن تحدثت معهم من الفائزين بنوبل هو أن جميعهم واجهوا سنوات عديدة من النبذ والكثير من العقبات في حمل المجتمع العلمي على قبول أبحاثهم.  إذ ذكر كثيرون منهم أن أبحاثهم قوبلت مرارًا بالرفض، وأنهم وجدوا صعوبة في الحصول على التمويل لأبحاثهم، وكيف أن مثابرتهم كُللت في النهاية بالنجاح. ويضيف جيبريميسكل، الذي صار اليوم أحد كبار العلماء في شركة العلاج المناعي «سينثيكاين» Synthekine بمدينة هيوستن في ولاية تكساس الأمريكية: "كان أهم ما نصح به أحدهم هو الحرص على أن تجد المتعة في أبحاثك، وألا تتجاهل أحباءك في مسيرتك العلمية".

غير أن الفائزين بنوبل لم يكونوا دائمًا منبع الفائدة في المؤتمر، بل سرى بعض من الاستفادة بين الطرفين بالتبادل. على سبيل المثال، عام 2023، عندما صدر من كيرت فوتريخ أحد الفائزين بنوبل لعام 2002 تعليق غير مدروس عن كونه يشعر بالتمييز ضده كرجل، دعى ذلك باحثة شجاعة شابة إلى تعديد مزاياه كرجل في ضوء التمييز الممنهج ضد النساء في العلوم، وهي شجاعة لاقت استحسانًا من الحضور في المؤتمر. وعلى أثر هذا الموقف، تخللت حماسة مشحونة بالعواطف نبرة بعض شباب الباحثين في نقاشات أروقة المؤتمر حتى ختامه.

ويرى ميلدال أن شباب الباحثين في تلك اللحظة لقنوا الفائزين بنوبل درسًا مهمًا؛ فيقول: "اليوم اختلفت تمامًا النظرة إلى قضايا التنوع الطيفي والمساواة بين الجنسين عما كانت عليه عندما كنا نحن الفائزين بنوبل أصغر سنًا". ونوه إلى أن قليلًا من الباحثين في المؤتمر قد "أوقعوا أنفسهم في هذه القضايا الشائكة"، لافتًا إلى تعليقاتهم القاسية في هذا الشأن ومضيفًا أنه في التفاعلات بين الأجيال "ينبغي توخي الحذر عند خوض كلٍ لعالم الآخر".

ويُذكر في هذا السياق أن اجتماعات لينداو انتُقدت سابقًا لتمجيدها سيره الفائزين بنوبل، وهم كفئة، يتألفون في غالبيتهم من رجال كبار السن بيض البشرة (S. C. Ndlovu et al. S. Afr. J. Sci. 114, a0263; 2018). على أن ميلدال يشير إلى أن الأجيال القادمة الأكثر تنوعًا على صعيد التعدد الجنسي والعرقي قد تجد الإلهام في مجال العلوم من الفائزين بنوبل، حتى إن خالفتهم فكرًا واتجاهًا.

والفجوة في التنوع الطيفي بين الماثلين على منصة مؤتمر لينداو لعام 2023 وجمهورهم كثيرًا ما كانت صارخة. فوفقًا لبيانات اجتماعات لينداو منذ عام 2014، وبيانات فعالية هذا العام (باستبعاد فعاليتي عام 2020 و2021 اللتين أُلغيتا على خلفية جائحة «كوفيد-19»)، تبلغ نسبة النساء بين شباب الحاضرين 44% وتمثلن في المتوسط 85 جنسية. على الجانب الآخر، لا تمثل الفائزات بنوبل إلا نسبة قوامها 4% من الفائزين بالجائزة في مجالات العلوم، و86% منهن ينتمين إلى دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة، أو المملكة المتحدة.

ختامًا، تأتي النصيحة الأخيرة من جانب الفائزين بنوبل؛ من ميلدال. وهي لأمثال جيبريميسكل الذي تهيَّب في البداية مفاتحة ومحادثة بعض من أبرز أساطين العلوم في المؤتمر، ومفادها: تحلوا بالشجاعة. فالفائزين بالجائزة هناك لمحادثتهم! وهو ما يشدد عليه ميلدال قائلًا: "اغتنموا الفرصة. فكل فائز بنوبل ليس إلا شخصًا آخر".

Nature 630, 1021-1023 (2024)

نُشر هذا المقال في دورية Nature بتاريخ 26 يونيو عام 2024

doi:10.1038/nmiddleeast.2024.242