نشرت بتاريخ 15 ديسمبر 2023
مئات الملايين من البشر محرومون من المياه الآمنة وخدمات الصرف الصحي. هل ستُحدِث القرارات التي اتُخِذَت في أول مؤتمر تابع للأمم المتحدة بشأن أوضاع المياه في الأعوام الخمسين القادمة فرقًا؟
اختُتم مؤتمر
الأمم المتحدة المعني بالمياه في الرابع والعشرين من مارس الماضي. عُقِد هذا
المؤتمر برعاية مشتركة بين هولندا وطاجيكستان لمدة ثلاثة أيام في المقر الرئيس
للأمم المتحدة في نيويورك سيتي، وهو أول مؤتمر بشأن المياه منذ نحو نصف قرن. وخلال
هذه الفترة، تزايدت أعداد الناس الذين مُكِّنوا من الحصول على المياه النظيفة
وخدمات الصرف الصحي حول العالم (انظر: قصة قضيتين) ما
عدا إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (انظر: إفريقيا المهمَلة)،
حيث ازدادت أعداد الناس الذين يفتقرون إلى خدمات المياه الصالحة للشرب عما كانت
عليه في عام 2000. وهناك نحو 500
مليون شخص حول العالم يلجؤون إلى التغوط في العراء، كما يعتمد ملايين أكثر على
موارد مياه ملوثة. والسؤال الآن: هل مهّد المؤتمر لإحداث تغيير في هذا الصدد؟
لماذا استغرق
الأمر 46 عامًا لكي تنظم الأمم المتحدة مؤتمرًا مخصصًا للمياه؟
الإجابة ببساطة،
وفقًا لراتشيل ماكدونيل، نائبة المدير العام للبحث والتطوير بالمعهد الدولي لإدارة
المياه في روما، هي أن المياه – بوصفها موضوعًا قائمًا بذاته – لم تكن من أولويات
الأجندة السياسية الدولية للتنمية المستدامة، على الأقل قبل الآن.
عُقِدَ أول مؤتمر
للأمم المتحدة معني بالمياه في مار ديل بلاتا، في الأرجنتين، في عام 1977. التقى
ممثلون عن 118 دولة وإقليمًا على مدار 12 يومًا وأصدروا «خطة عمل مار ديل بلاتا»
التي أوصت بحصول دول العالم أجمع في الحصول على مياه نظيفة وخدمات صرف صحي بحلول
عام 1990، لتجنب حدوث أزمة مياه عالمية بنهاية القرن العشرين.
طالبت العديد من
الدول منخفضة الدخل بتلقّي دعم مادي، ولكن طلبها قوبل بالرفض، وبدلًا من ذلك
اقتُرِح عمل دراسة حول كيفية تمويل مشروعات المياه، وذلك وفقًا لما جاء بدورية Nature
في ذلك الوقت (R. Stein Nature 266, 764;
1977).
في عام 2015، وضع
المجتمع الدولي هدفًا لعام 2030 (تحت مظلة أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة)
بتوفير المياه النظيفة والصرف الصحي للجميع. ومع هذا، فبحلول عام 2020، كان لا
يزال نحو ملياري شخص يعانون من عدم وصول المياه الصالحة للشرب إلى منازلهم، ولم
يكن لدى ثلث سكان العالم المرافق الأساسية لغسل الأيدي بمنازلهم، وذلك وفقًا
لبيانات منظمة الصحة العالمية ووكالة الأمم المتحدة للأطفال (اليونيسيف) (انظر: go.nature.com/3lldydb).
وبمعدلات التطوير الحالية، سيظل 1.6 مليار شخص يعانون عدم وصول المياه الصالحة
للشرب إلى منازلهم بحلول الموعد النهائي، المقرر في عام 2030.
يقول هنك أوفينك،
المبعوث الهولندي الخاص بشؤون المياه دوليًا، إن المياه لم تكن ضمن أولويات »مؤتمر الأمم المتحدة حول الأمن الغذائي«، الذي عُقِد في سبتمبر عام 2021، ولا ضمن
أولويات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ »كوب 27«، الذي عُقِدَ في مصر في العام الماضي. ويشدد
أوفينك على أن المياه لابد أن تحتل مكانة راسخة في أعمال المتابعة
لمؤتمرات الأمم المتحدة، التي تشمل المؤتمر الذي نُظِّم تحت شعار: »لحظة تقييم النظم الغذائية للأمم المتحدة«، وعُقد في روما في يوليو الماضي، و»قمة أهداف التنمية المستدامة«،
التي عُقدَت في نيويورك في سبتمبر الماضي، و مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة
الإطارية بشأن تغير المناخ »كوب 28«،
المقرر انعقاده في دبي بالإمارات في نهاية نوفمبر وبداية ديسمبر 2023. تقول
ماكدونيل: "لا يمكننا الانتظار 46 عامًا أخرى، لأن ما يحدث حاليًا فظيع جدًا،
وسيزداد الأمر سوءًا".
ما المناطق التي تشتد
فيها الأزمة؟
أزمة المياه تشتدُّ
وطأتها في الدول منخفضة الدخل، فعلى سبيل المثال، يفتقر نحو 70% من سكان إفريقيا
جنوب الصحراء إلى خدمات المياه الصالحة للشرب.
يشير تقرير نشرته
«اليونيسيف» ومنظمة الصحة العالمية في مارس الماضي (انظر: go.nature.com/42y02xc)
إلى أن أعدادًا كبيرة، تصل إلى نحو 43 ألف شخص، ربما لقوا حتفهم بسبب الجفاف في الصومال (انظر: أرض محروقة).
تحسين فرص الوصول
إلى المياه للحفاظ على الصحة والنظافة هو من الأولويات الملحّة. أعداد كبيرة جدًا
من الناس ليس لديهم اختيار سوى استخدام موارد مائية ملوثة (انظر: مياه
ملوثة بالفضلات). في عام 2021، عانى مرفق واحد من كل عشرة مرافق
لتقديم الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم من عدم وجود خدمات الصرف الصحي، كما
عانى نحو 857 مليون شخص من عدم توافر خدمات المياه في مرافق تقديم الرعاية الصحية
التي تخدمهم، وذلك وفقًا لتقرير مشترك أعدته في السابق كل من منظمة الصحة العالمية
و«اليونيسيف»، تلخص 20 عامًا من البيانات المتعلقة بالماء والصرف الصحي (انظر: go.nature.com/3ltw967).
ماذا حدث في
المؤتمر؟
كانت العراق أول
دولة في الشرق الأوسط تصدّق على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن المياه لعام 1992،
التي تعزز التعاون في استخدام الممرات المائية المشتركة وحمايتها. ناقش المفوَّضون
بالاجتماع خطة لتعيين مبعوث رفيع المستوى للأمم المتحدة معني بالمياه، وفكرة تأسيس
لجنة من علماء المياه على نهج الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ. كما
دارت نقاشات حول إمكانية أن تتواصل الدول التي تتشارك نفس الموارد المائية على نحو
أكثر فعالية، وشملت إطلاق تحالف التعاون في مجال المياه العابرة للحدود في نهاية
العام الماضي. سيكون هذا التحالف مهمًا خاصة لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
تقول كارول شرفان، مديرة المركز العربي لسياسات تغير المناخ، وهو مركز أبحاث مرتبط
بالأمم المتحدة مقرُّه بيروت، إن نحو ثلثي "الموارد المائية في الدول العربية
تأتي إليها من خارج حدودها الوطنية". وتضيف أن "التعامل على مستوى أحواض الأنهار
العابرة للحدود مهم للغاية، لخلق أرضية للحوار والتعاون والتنسيق وليس للصراعات".
كيف يؤثر التغير
المناخي على الموارد المائية؟
نحو نصف سكان
العالم معرَّضون للنقص الشديد في المياه لجزء من العام على الأقل، وفقًا للتقرير
التقييمي السادس الذي أصدرته الهيئة الدولية الحكومية المعنية
بتغير المناخ، ونُشِر في مارس الماضي (انظر: go.nature.com/3szixnv).
وهذا الرقم عرضة للزيادة، بسبب الآثار الناجمة عن التغير المناخي مثل الأمطار
الغزيرة والفيضانات وموجات الجفاف وحرائق الغابات. إذا بلغت الزيادة في درجات
الحرارة العالمية درجة ونصف الدرجة المئوية فوق مستويات ما قبل عصر التصنيع، يتوقع
أن تتضاعف احتمالات حدوث جفاف زراعي شديد في عدة أنحاء من العالم.
هل من المحتمل أن
يتمخض المؤتمر عن معاهدة مياه دولية ملزمة
قانونًا؟
صدر عن المؤتمر
جدول أعمال بشأن المياه يحتوي على أكثر من 700 التزام تطوعي. إلا أن ماكدونيل ترى
أنه ليس ثمة شيء مُلزِم على نحو يشبه اتفاقية باريس للمناخ. وعلاوة على ذلك، لا
توجد هيئة تابعة للأمم المتحدة مسؤولة عن فرض إحراز تقدم بشأن أهداف التنمية
المستدامة المرتبطة بالمياه ومتابعته. طالبت بعض الدول بالمزيد
من التمويل، لاسيّما في صورة منح لإقامة مشروعات مثل تحلية مياه البحر ومعالجة
مياه الصرف الصحي. يقول عمر سلامة، المتحدث الرسمي باسم وزارة المياه والري
بالأردن، إن أغلب الدعم الدولي يُقَدَّم في صورة قروض، ويضيف قائلًا إن هذه
"القروض تزيد من الضغوط المالية على دول تعاني اقتصاديًا بالفعل".
كما دارت نقاشات
حول خطة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو جوتيرش، التي أُعلِن عنها في مؤتمر الأطراف
في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ »كوب
27«، بإنشاء أنظمة إنذار مبكر للمناخ في جميع الدول
التابعة للأمم المتحدة، لتكون الدول أكثر استعدادًا للظواهر المناخية العنيفة.
يقول بيتري تالاس، الأمين العام للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، ومقرها جينيف في
سويسرا، الذي يعمل مع جويترش لتنفيذ الخطة: "لا يملك سوى نصف عدد الدول
الأعضاء لدينا، البالغ عددهم193 عضوًا، خدمات إنذار مبكر مفعلة". وأضاف أننا
نحتاج "نحو 3 مليارات دولار أمريكي خلال الأعوام الخمسة المقبلة"، لم
يُجمَع منه سوى 10% حتى الآن من مصادر مختلفة.
تواصل معنا: