إعلان سابع حالة شفاء تام من الإيدز والسبب يثير حماسة العلماء
نشرت بتاريخ 28 أغسطس 2024
علماء يعلنون الشفاء التام لمصاب بفيروس
نقص المناعة البشرية المكتسبة من ألمانيا، بعد خضوعه لجراحة زراعة خلايا جذعية غير
مقاومة للفيروس.
سمريتي مالاباتي
صار رجل في الستين من العمر من
ألمانيا سابع شخص - على أقل تقدير - يُعلن شفاؤه وخلوه التام من فيروس نقص المناعة
البشرية المكتسبة (HIV) بعد خضوعه لجراحة زراعة خلايا جذعية1.
وأما من جهة تلقي خلايا جذعية غير مقاومة للفيروس، فهو يُعد الثاني بعد مريض واحد
فقط في تلقى هذا النوع من الخلايا. وحتى وقتنا الحالي، وبعد قرابة ست سنوات، لا
يزال الرجل خاليًا تمامًا من الفيروس.
حول هذا الإنجاز، يقول رافيندرا
جوبتا، اختصاصي علم الميكروبيولوجيا من جامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة، الذي قاد
فريقًا عالج مريضًا آخر من الأشخاص السبعة الذين برأوا من من المرض3،2:
"كم أنه نجاح مفاجئ! إنه لحدث جلل!".
وكان أول من تبين أنه برأ تمامًا من مرض
العوز المناعي المكتسب (الإيدز) الذي يسببه الفيروس، هو تيموثي راي براون، المعروف
أيضًا باسم «مريض برلين»، والذي شفي تمامًا من المرض بعد خضوعه لجراحة زراعة نخاع
عظام بغرض علاجه من سرطان الدم4. وقد تلقى مع عدد قليل من المرضى خلايا
جذعية3،2 من متبرع معين. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن الخلايا حملت
طفرة في الجين المشفر لمستقبل يُسمى CCR5، وهو مستقبل تعتمد عليه معظم سلالات فيروس
نقص المناعة البشرية في الولوج إلى الخلايا المناعية. وأوعزت هذه الحالات لكثير من
العلماء بأن CCR5 هو المُستهدَف الأفضل لعلاج الإيدز.
وأما الحالة الأخيرة - التي استُعرضت
في المؤتمر الدولي الخامس والعشرين لمكافحة الإيدز والذي انعقد في ميونيخ بألمانيا
في الأسبوع الأخير من شهر يوليو الماضي – فقد استُخدمت فيها مقاربة جديدة ومختلفة كل الاختلاف. فالمريض الذي أُشير
إليه بـ«مريض برلين الثاني»، تلقى خلايا جذعية من متبرعة كانت لديها نسخة طافرة
واحدة من الجين، ما يعني أن خلاياها تعبر بالفعل عن المستقبل CCR5،
ولكن بنسب أقل من المعتاد.
وتبعث هذه الحالة برسالة واضحة
مفادها أن إيجاد علاج لمرض العوز المناعي المكتسب "لا يتمحور فقط حول استهداف
المستقبل CCR5"، على حد قول طبيبة الأمراض المعدية، شارون
ليفين، التي ترأس معهد بيتر دوهيرتي للعدوى والمناعة في مدينة ملبورن بأستراليا.
خلاصة القول هي أن هذه النتائج تسفر عن
توسيع دائرة المتبرعين المحتملين لجراحات زراعة الخلايا الجذعية، وهي جراحات
محفوفة بالمخاطر تصلح للمصابين بسرطان ابيضاض الدم، لكن من المستبعد أن تصلح
لغالبية مرضى الإيدز. ويُذكر أن قرابة 1% من الأشخاص المنحدرين من أصل أوروبي
يحملون طفرات في كلتا نسختي جين CCR5الذي يعبر عن المستقبل CCR5،
على أن نحو 10% من هؤلاء يملكون نسخة واحدة متطفرة5.
وفي تعليق أدلت به سارا ويبل،
الطبيبة والباحثة المتخصصة في دراسة فيروس نقص المناعة البشرية من جامعة
كاليفورنيا، بمدينة سان دييجو الأمريكية، ذكرت أن الحالة "تفتح آفاقًا جديدة" لعلاج مرضى الإيدز. ويُذكر
هنا أن عدد المتعايشين مع هذا المرض حول العالم يبلغ نحو 40 مليون شخص.
ست سنوات من دون الإيدز
شُخص «مريض برلين الثاني» بالإيدز في
عام 2009. ثم أُصيب بنوع من سرطان الدم
ونخاع العظام يُعرف بسرطان ابيضاض الدم النخاعي الحاد في عام 2015. ولم يتسن
للأطباء المعالجين له العثور على متبرع ذي خلايا جذعية ملائمة، يملك طفرات في كلتا
نسختي الجين CCR5. على أنهم عثروا على متبرعة لديها نسخة طافرة
واحدة من الجين مشابهة لنسخة لدى المريض، وتلقى المريض الخلايا الجذعية في عام
2015.
"سار علاج سرطان الدم على ما
يرام"، بحسب ما جاء عن كريستيان جيبلر، الطبيب الباحث المتخصص في دراسات المناعة
من الشاريتيه، كلية الطب بجامعة برلين، والذي قاد الجهود البحثية في علاج هذا
المريض الأخير. وفي غضون شهر، حلت الخلايا الجذعية النخاعية للمتبرعة محل خلايا
المريض. وفي عام 2018، توقف المريض عن تعاطي العقاقير المضادة للفيروسات القهقرية
التي تكبح تقدم المرض. واليوم، وبعد مرور قرابة الست سنوات، لا يجد العلماء آية
آثار على تكاثر فيروس نقص المناعة البشرية المكتسبة في جسم المريض.
تقليص مستودعات الفيروس
شهدت المحاولات السابقة لزراعة خلايا
جذعية جُمعت من متبرعين لديهم صور عادية من الجين CCR5،
معاودة ظهور الفيروس بعد مرور فترة تتراوح ما بين عدة أسابيع إلى عدة شهور من توقف
المرضى عن تعاطي العلاج المضاد للفيروسات القهقرية في جميع المرضى باستثناء مريضًا
واحدًا6. وفي عام 2023، أقدم إزيه سيس-سيريو، الباحث المتخصص في دراسة مرض
الإيدز بمعهد باستور في باريس، على تقديم بيانات تخص مريضًا يشار إليه باسم «مريض
جينيف»، مر على توقفه عن تعاطي العلاج المضاد للفيروسات القهقرية 18 شهرًا7.
ويفيد سيس-سيريو بأن هذا المريض ظل خاليًّا من الفيروس لقرابة الـ32 شهرًا بعدها.
والآن، يسعى الباحثون إلى الوقوف على
سر نجاح هاتين العمليتين دونًا عن باقي العمليات.
وهم يرجحون أكثر من آلية؛ أولها أن
العلاج المضاد للفيروسات القهقرية يسبب تقلص نسبة الفيروس الموجودة في الجسم بصورة
كبيرة. علاوة على أن العلاج الكيماوي الذي سبق عملية زراعة الخلايا الجذعية يقضي
على الكثير من الخلايا المناعية للمضيف، حيث تربض بقايا فيروس نقص المناعة
البشرية. بعدئذ، قد توسِّم خلايا المتبرع المزروعة خلايا المضيف المتبقية على أنها
خلايا أجنبية وتدمرها هي وأي فيروس كامن بداخلها. إضافة إلى أن الإحلال السريع
والتام للخلايا الجذعية النخاعية المتبرع بها محل تلك الخاصة بالمضيف، قد يسهم في
القضاء السريع على الفيروس، ما توضحه ليفين بقولها: "إذا أمكن تقليص مستودعات
الفيروس بالقدر الكافي، سيمكن علاج المرضى".
ومن المحتمل أن امتلاك «مريض برلين
الثاني» والمتبرعة له لنسخة واحدة متطفرة من جين CCR5،
قد خلق عقبة إضافية أمام الفيروس تحول دون ولوجه إلى الخلايا، بحسب قول جيبلر.
ولحالة المريض الأخير دلالات على
علاجات هي الآن في الطور المبكر من التجارب الإكلينيكية. وفي هذه العلاجات يُقتطع المستقبل
CCR5
من التسلسل الجيني لخلايا المريض باستخدام تقنية «كريسبر-كاس9» وغيرها من تقنيات
التحرير الجيني، كما صرحت ليفين. وتتابع ليفين قائلة إنه حتى إذا لم تصل هذه
العلاجات إلى كل خلية مفردة، فقد تبقى مؤثرة.
نُشر هذا المقال في دورية Nature بتاريخ السادس والعشرين من يوليو الماضي.
doi:10.1038/nmiddleeast.2024.270
References
1. Gaebler,
C. et al.25th Int. AIDS Conf. Abstract 12163
(International AIDS Society, 2024).
2. Gupta,
R. et al.Nature568, 244–248 (2019).
3. Gupta, R.
K. et al.Lancet HIV7, E340–E347 (2020).
4. Hütter,
G. et al.N. Engl. J. Med.360, 692–698
(2009).
5. McLaren, P. J.
& Fellay, J. Nature Rev. Genet.22, 645–657 (2021).
6. Salgado,
M. et al.Lancet HIV11, E389–E405 (2024).
7.
Sáez-Cirión, A. et al. 12th
IAS Conf. on HIV Science Abstract 5819 (International AIDS Society,
2023).
تواصل معنا: