توصيات بتعزيز المراقبة الجينومية والتعاون الدولي لمراقبة الكوليرا والسيطرة عليها
محمد السيد علي
على مر
التاريخ، شهد لبنان عدة موجات من تفشي مرض الكوليرا، كان آخرها في عام 2022، عندما
بدأت الحالات الأولى بالظهور في أكتوبر، وسرعان ما انتشر الوباء ليصل تقريبًا إلى
جميع محافظات لبنان.
ويُعد
هذا التفشي الأولَ في لبنان منذ حوالي 30 عامًا، وأسفر عن 8007 حالات مشتبه بها،
و671 حالة إصابة مؤكدة، و23 حالة وفاة.
والكوليرا
مرضٌ مُعدٍ حاد، يؤثر على الجهاز الهضمي ويسبب إسهالًا مائيًّا شديدًا يمكن أن
يؤدي إلى الجفاف الحاد والموت إذا لم يُعالج بسرعة.
وتنجم
العدوى عن بكتيريا تُعرف بـ"ضَمّة الكوليرا"، التي
تفرز سُمًّا في الأمعاء الدقيقة، مما يؤدي إلى إفراز كميات هائلة من الماء، ويؤدي
بالتالي إلى الإسهال وفقدان سريع للسوائل والأملاح.
وأظهرت
دراسة جديدة -أُجريت في لبنان، ونشرتها
دورية "نيتشر كميونيكيشنز" (Nature Communications)- نتائج مفاجئة بشأن التفشي "اللافت" الأخير للكوليرا
في لبنان؛ إذ أكدت أنه لم يكن ناتجًا عن سلالة واحدة، بل عن سلالتين مختلفتين من
"ضَمّة" الكوليرا.
يقول
غسان مطر، الأستاذ بقسم علم الأمراض التجريبي وعلم المناعة وعلم الأحياء الدقيقة
بالجامعة الأمريكية في بيروت، والباحث المشارك بالدراسة: "إن تفشي الكوليرا
الناتج عن سلالتين مختلفتين يُعد نادرًا نسبيًّا، فعادةً ما يكون التفشي مدفوعًا
بسلالة واحدة (نمط وراثي) من "ضَمّة" الكوليرا، خاصةً ضمن المجموعات
المصلية الأكثر ضراوة (O1) أو (O139)".
يضيف
"مطر" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": تحدث مثل هذه الحالات
في ظل ظروف بيئية أو وبائية معينة تتيح للسلالات المتعددة التعايش والتفاعل، مما
يعقد ديناميكيات التفشي ويؤثر على إدارته، وينبغي أخذ ذلك في الاعتبار خلال
التحقيقات الوبائية وإستراتيجيات الاستجابة.
وأكد
أن هذه النتيجة تؤكد ضرورة استخدام المراقبة الجينومية في تتبُّع الكوليرا ومراقبتها،
وأهمية الأدوات الجينومية في التحقيقات الوبائية بمختلِف البلدان.
دراسة
وبائية
أجرى
الفريق دراسة وبائية جينية شاملة لـ34 عينة سريرية وبيئية معزولة من تفشي المرض في
لبنان.
وكشفت
الدراسة أن سبب تفشي الكوليرا في لبنان في الفترة 2022-2023 كان ناتجًا عن سلالتين
منفصلتين من ضمة الكوليرا، وكلاهما ينتمي إلى النمط المصلي (Ogawa) من سلالة الجائحة
السابعة المعروفة باسم (7PET)، لكنهما مختلفتان في تركيبتهما الجينية ومقاومتهما للمضادات
الحيوية.
واكتشف
الباحثون أن السلالة السائدة في لبنان مرتبطة بسلالة فرعية من جنوب آسيا وأفريقيا
تسمى (AFR15)،
أما السلالة الثانية، الأقل شيوعًا، فهي شديدة المقاومة للأدوية ومرتبطة بعزلات
سلالة فرعية من اليمن تسمى (AFR13).
وأظهرت
السلالتان أنماط مقاومة مختلفة لمضادات الميكروبات؛ إذ كانت السلالة الرئيسية ذات
طيف مقاومة ضيق، في حين أظهرت السلالة الثانية مقاومة واسعة لعدة مضادات حيوية، من
ضمنها "السيفالوسبورينات" من الجيل الثالث و"الماكروليدات".
تأثيرات
مُعقّدة
يشير
"مطر" إلى أن وجود سلالتين مختلفتين من الكوليرا في لبنان أدى إلى تأثيرات
معقدة على الصحة العامة، نتيجة زيادة انتشار المرض وصعوبة تتبُّعه وإدارته، فكل
سلالة لها خصائص مميزة من حيث الضراوة ومقاومة المضادات الحيوية، ما زاد من تحديات
السيطرة على التفشي وتقديم العلاج الفعال.
كما أن
التعدد في السلالات أوجد تحديات تشخيصية تطلبت أدوات متقدمة للكشف عنها، ما صعَّب مراقبة
التفشي بدقة، وأدى ذلك إلى ضرورة تعديل بروتوكولات العلاج وفقًا لكل سلالة، ما
أضاف تعقيدًا إضافيًّا للاستجابة الصحية.
ويعلق
طاهر الدمرداش -أستاذ طب المناطق الحارة بجامعة طنطا في مصر، وغير المشارك في
الدراسة- بأن "سلالات الكوليرا المقاومة للمضادات الحيوية تمثل تهديدًا
كبيرًا للصحة العامة بسبب صعوبة العلاج وزيادة خطر المضاعفات والوفيات".
ويوصي "الدمرداش"
بتنفيذ إجراءات وقائية تشمل مراقبة السلالات، وتوعية المجتمعات بسبل الوقاية
وأهمية العلاج المناسب.
وعن
الدروس المستفادة من النتائج، أكد "مطر" أهمية أنظمة المراقبة الفعالة
للتمييز بين السلالات المختلفة وضمان التشخيص السريع والدقيق، وتعزيز القدرات
المخبرية وتطوير أدوات تشخيصية متقدمة، وتحسين البنية التحتية للمياه والصرف الصحي.
يأتي
ذلك بالإضافة إلى توسيع نطاق تغطية اللقاحات بالمناطق المعرضة للخطر، وتطوير خطط
استجابة مخصصة للتفشيات متعددة السلالات، وتعزيز التعاون الدولي والإقليمي لمشاركة
البيانات وتنسيق الجهود.
تواصل معنا: