شلل الأطفال.. حلقة جديدة من الأزمات الصحية المتصاعدة في غزة
نشرت بتاريخ 12 سبتمبر 2024
توقف حملات التطعيم وتفاقم نقص الغذاء وتلوث المياه يعرض الفئات السكانية الأكثر ضعفاً في غزة للخطر
سمر أشرف
اكتُشف فيروس شلل الأطفال في عينات
بيئية من خان يونس ودير البلح في يوليو 2024، وفي السادس عشر من أغسطس
الماضي، أعلنت وزارة الصحة في غزة تسجيل أول إصابة مؤكدة بشلل الأطفال في القطاع
للرضيع عبد الرحمن أبو الجديان والذي أصيب بشلل جزئي في الساق اليسرى، وذلك بعد
مرور 25 عام على آخر حالة شلل
أطفال سجلت في غزة.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، أدت
الحرب على غزة إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، وتدمير نظام الرعاية الصحية
في غزة، في ظل هذا انهيار البنية التحتية للرعاية الصحية.
ومن أصل 36 مستشفى في قطاع غزة، هناك
16 مستشفى فقط لا تزال
تعمل بشكل جزئي، وفق تقديرات المكتب الإقليمي لشرق المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية.
ووفق منظمة الصحة العالمية، كان لدى قطاع
غزة مستوى عالٍ من معدلات التحصين ضد شلل الأطفال قبل أحداث أكتوبر الماضي، إلا أن
نسبة تلقي التطعيمات الروتينية انخفضت تحت وطأة النزاع، من 99% عام 2022 إلى أقل من 90% في
الربع الأول من عام 2024، مما زاد من خطر إصابة الأطفال بالأمراض التي يمكن
الوقاية منها باللقاحات، بما في ذلك شلل الأطفال.
يقول صهيب صافي -نائب المنسق الطبي
في منظمة "أطباء بلا حدود -بلجيكا"، والمقيم في غزة- في تصريحات لـ"نيتشر
ميدل إيست": الأزمة الصحية في غزة حادة جدا، واكتشاف شلل الأطفال الدائر
المشتق من اللقاح من النمط 2 (cVDPV2)، مؤخرًا يزيد الوضع حرجًا.
شلل الأطفال
شلل الأطفال مرض شديد العدوى يصيب
إلى حد كبير الأطفال دون سن الخامسة، وقد يسبب شللاً دائماً أو يؤدي إلى الوفاة
بنسبة قد تبلغ 10% من المصابين بالشلل، وينتقل الفيروس بشكل رئيسي عبر الطريق
البرازي الفموي، أي عندما يقوم شخص ما بتناول شيء ما ملوَّث ببراز شخصٍ آخر أو
حيوان مصاب بهذه العدوى، كما ينتشر الفيروس عبر المياه والأغذية الملوثة، ويتكاثر
في الأمعاء، ويمكنه غزو الجهاز العصبي.
وينشأ فيروس شلل الأطفال المشتق من
اللقاح نتيجة تحور السلالة الموجودة في لقاح شلل الأطفال الفموي. ويحتوي هذا
اللقاح على فيروس حي وضعيف يتكاثر في الأمعاء لفترة محدودة، مما يولد المناعة. وفي
حالات نادرة، يمكن أن تتحور هذه السلالات جينيًّا وتنتشر في المجتمعات التي
لم يكتمل تطعيم أفرادها ضد شلل الأطفال، ولا سيما في الأماكن التي تعاني من تردّي
ظروف النظافة الصحية وخدمات الصرف الصحي والاكتظاظ.
يقول سامر أبو زر -الباحث في مجال الصحة
العامة بقطاع غزة- لـ"نيتشر ميدل إيست": يبلغ عدد سكان غزة أكثر من 2.3
مليون نسمة، 50% منهم من الأطفال دون سن 15 عامًا، و25% منهم تقل أعمارهم عن خمس
سنوات، وهم الفئة الأكثر عرضة للإصابة بشلل الأطفال. وتشير عودة ظهور شلل الأطفال،
وهو مرض تم القضاء عليه عالميًا باستثناء مناطق الصراع، إلى انهيار حاد في نظام
الصحة العامة، وانخفاض تغطية التطعيم ضد شلل الأطفال في غزة إلى أقل من 60٪،
وهو أقل بكثير من عتبة الـ95% اللازمة لاكتساب مناعة القطيع.
بيئة مثالية للفيروسات
في بداية سبتمبر الجاري، انطلقت حملة التطعيم الطارئة ضد
شلل الأطفال في مناطق وسط قطاع غزة، واستهدفت تطعيم أكثر من 600 ألف طفل في
محافظات قطاع غزة. فيما لا يزال خطر انتشار فيروس شلل الأطفال داخل قطاع غزة
مرتفعاً بسبب الثغرات في مناعة الأطفال من جراء تعطّل التطعيم الروتيني، وتدمير
النظام الصحي، والنزوح المستمر للسكان.
ويعيش 1.9 مليون نازح من سكان غزة مكدسين في مخيمات غير صحية مع قلة
الوصول إلى المياه النظيفة وتردي خدمات الصرف الصحي، وتدفق مياه الصرف الصحي غير
المعالجة بحرية بين الخيام؛ ما يخلق بيئة مثالية لازدهار الأمراض التي تنتقل عن
طريق ملامسة براز المصاب أو استهلاك الماء أو الطعام الملوث بالبراز.
وتشير تقديرات منظمة "أوكسفام"
-وهي اتحاد دولي لـلمنظمات الخيرية يستهدف تخفيف حدة الفقر في العالم- إلى أن "هناك
مرحاضًا واحدًا فقط لكل 4130 شخصًا في منطقة المواصي"،
وهي "منطقة آمنة" مفترضة غرب خان يونس.
ويرى "أبو زر" أن عودة شلل
الأطفال إلى الظهور في غزة، إلى جانب نظام الرعاية الصحية المثقل بالأعباء، يمثل
حالة طوارئ صحية عامة كبيرة، مع إمكانية انتقال المرض على نطاق واسع داخل وخارج
حدود غزة.
يرى "أبو زر" أن التحديات
في احتواء تفشي الأمراض في غزة هائلة ومتعددة الأوجه، وتشمل أضرار البنية التحتية،
والحصار ونقص الإمدادات، والاكتظاظ وسوء الصرف الصحي، وقوى العمل الصحية المحدودة.
ويضيف: تخلق هذه التحديات عاصفة
مثالية للانتشار السريع للأمراض المعدية، مع قدرة محدودة على احتواء تفشيها بشكل
فعال، والتدخل الدولي الفوري مطلوب لمنع المزيد من التصعيد للأزمة الصحية في غزة.
من جهتها، تقول "كارلا درايسديل"
-المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية- في تصريحات لـ "نيتشر ميدل إيست":
تكافح المنظمات الإنسانية الدولية لتقديم المساعدات بسبب الحصار المستمر وتدمير البنية
التحتية. لقد تم منع الجهود المبذولة لجمع ونقل العينات من المرضى في غزة لتحديد
أسباب أمراضهم بسبب انعدام الأمن وقيود الوصول وإغلاق الحدود.
أمراض أخرى
يقول "أبو زر" : تواجه غزة
تهديدات بأمراض معدية أخرى مثل انتشار الأمراض المنقولة بالنواقل؛ إذ أدى الصراع
إلى تعطيل برامج مكافحة النواقل، وزيادة الأمراض مثل داء الليشمانيات وحمى الضنك، وانتشار
التهابات الجهاز التنفسي، بسبب الاكتظاظ في الملاجئ.
وتشمل مخاطر الأمراض المعدية الأكثر
إثارة للقلق في الوقت الحالي الجرب وأمراض الجلد المختلفة والالتهابات ومتلازمة
اليرقان الحاد الناجم عن التهاب الكبد أ، والإسهال المائي والدموي الحاد، وفق
"صافي".
وتقول "درايسديل": إن تفشي
مرض شلل الأطفال الحالي في غزة هو تذكير صارخ بمدى سرعة ظهور الأمراض المعدية في
المناطق التي تتعرض فيها الأنظمة الصحية للخطر؛ حيث تنتشر العديد من الأمراض
الأخرى بينما تتعثر قدراتنا الجماعية على منعها واكتشافها والاستجابة لها.
وهناك مخاطر للعدوى بأمراض أخرى مثل
الإصابة بالإسهال وسوء التغذية واللذان يشكلان مزيجًا قاتلًا، مما يجعل من الصعب
على الناس الاحتفاظ بالعناصر الغذائية والتعافي.
وأفادت منظمة الصحة العالمية بزيادة
كبيرة في حالات الإسهال، وخاصة بين الأطفال دون سن الخامسة؛ إذ أصبح المعدل الآن
أعلى بمقدار 23 مرة مما كان عليه في
عام 2022.
وفي ظل هذا كله، تعلق "درايسديل"
قائلة: يجب حماية فرق التطعيم والسماح لها بإجراء الحملات بأمان. وفي نهاية
المطاف، فإن الحل الوحيد لحماية صحة أطفال غزة هو وقف إطلاق النار!
تواصل معنا: