«تنين عناب العربية» يكشف أسرار طيران التيروصورات في صحراء الأردن
نشرت بتاريخ 14 سبتمبر 2024
التيروصورات العملاقة كانت تطير بتحريك أجنحتها بشكل نشط.. بينما اعتمدت أنواع أخرى على التحليق
شروق الأشقر
في الأجواء الدافئة للعصر الوسيط، الذي امتد بين 252 و66 مليون سنة مضت، كانت الزواحف تسيطر على الأرض، مهيمنةً على جميع مواطن الحياة.
بعض هذه الزواحف كان يسير على اليابسة، والبعض الآخر سبح في المحيطات، لكن فئةً أخرى غزت السماء وكانت أولى الفقاريات التي تحلق في أجواء الأرض، وهي التيروصورات.
ولطالما دار الجدل في الأوساط العلمية حول قدرة التيروصورات العملاقة على الطيران الفعلي، لكن دراسة حديثة نشرتها دورية "جورنال أوف فيرتبريت باليونتولوجي" (Journal
of Vertebrate Paleontology) وضعت إجابةً قاطعةً لهذا التساؤل.
رحلة البحث والاكتشاف
في 11 مايو 2005، انطلقت بعثة استكشافية إلى صحراء الأردن للبحث عن حفريات جديدة، لكن الفريق -الذي أمضى يومه الأول في التنقيب بين الصخور الحمراء- لم يجد سوى المناظر الطبيعية الخلابة دون أي أثر للعظام، وفق إياد زلموط، المستشار الفني في علم الحفريات بمركز المسح والاستكشاف بالمملكة العربية السعودية، وأحد مؤلفي الدراسة.
يقول "زلموط" في تصريحات لـ"نيتشر ميدل إيست": كانت لحظةَ إحباط عميقة، أدركنا أننا كنا نبحث في المكان الخطأ وبين الصخور غير المناسبة، لكن في اليوم التالي، انطلقنا بخطة جديدة نحو شمال تل عناب؛ حيث كانت الصخور البيضاء المكشوفة -التي يعود عمرها إلى 67 مليون سنة- توحي بفرصة أفضل للعثور على الحفريات، كما أنها كانت ميسّرة الوصول.
ويضيف: في البداية، بدا الأمر وكأن فريق البحث أمام بقايا عظام متهالكة بفعل عوامل التعرية، لكن المفاجأة الكبرى جاءت عندما بدأوا بالكشف عن هذه العظام، وهي حفريات ثلاثية الأبعاد محفوظة بشكل رائع ونادر، تم اكتشاف جمجمة شبه كاملة، وفكّين خاليين من الأسنان، وفقرات عنقية، بالإضافة إلى عظام الأذرع والأجنحة، وجميعها تعود إلى التيروصورات.
اكتشاف مذهل
أطلق العلماء على النوع الجديد الذي اكتشفوه اسم "تنين عناب العربية" (Inabtanin alarabia)، نسبةً إلى منطقة تل عناب في الأردن حيث عثروا على الحفريات، وكلمة "تنين" من الثقافة العربية واسم النوع "العربية" نسبةً إلى شبه الجزيرة العربية.
لكن لا تدع الاسم يخدعك! فهذه الزواحف الطائرة ليست ديناصورات، ولا تطلق النيران من أفواهها، كما أوضح "زلموط".
بدلًا من ذلك، يشير بلال سالم -عضو الفريق البحثي المصري سلام لاب، والمدرس المساعد بجامعة بنها، وباحث الدكتوراة بجامعة أوهايو- إلى أن "التيروصورات كانت تختلف إلى حدٍّ كبير عن الطيور الحديثة؛ إذ إن أجنحتها لم تعتمد على الريش، بل كانت مكونةً من أغشية جلدية مدعومة بعظام خفيفة وطويلة، مما أتاح لها أسلوبًا فريدًا في الطيران".
يقول "سالم": ينتمي تنين عناب إلى عائلة الأزداركيدا، الزواحف الطائرة التي سيطرت على السماء في أواخر العصر الطباشيري قبيل انقراض الديناصورات.
تكنولوجيا تكشف الأسرار
بفضل الأشعة المقطعية عالية الدقة، تمكن العلماء من بناء نموذج رقمي لعظام هذه التيروصورات، مما أتاح فهمًا أعمق لميكانيكا طيرانها.
وأوضحت كيرستين روزنباش -المؤلفة الرئيسية للدراسة- في بيان صحفي: فوجئنا تمامًا بحالة حفظ العظام الثلاثية الأبعاد، وهو أمرٌ نادرٌ للغاية؛ إذ إن العظام المجوفة لهذه الكائنات عادةً ما تكون هشةً للغاية يصعب حفظها.
تعود إحدى العظام المكتشفة إلى نوع عملاق معروف "أرامبورجيانيا فلاديلفيا" (Arambourgiania philadelphiae)، يبلغ طول جناحيه 10 أمتار.
وأظهرت الفحوصات أن هيكل عظمة العضد المجوفة يحتوي على حواف تساعد في التحليق، على غرار النسور الحديثة، أما النوع الجديد المكتشف (تنين عناب)، فقد بلغ طول جناحيه 5 أمتار، وكشفت الفحوصات عن أعمدة متقاطعة تدعم الطيران النشط، ما يشير إلى أن هذا النوع كان يعتمد على الرفرفة في الطيران.
وعلى الرغم من أهمية هذه النتائج، يوضح الباحثون أن هناك حاجةً إلى مزيد من الدراسات من أجل فهم أعمق لقدرات الطيران لدى التيروصورات.
ويشير "سالم" إلى أن "ندرة العظام المحفوظة بشكل ثلاثي الأبعاد تمثل تحديًا للباحثين، وأن توسيع نطاق البحث ليشمل أجزاءً أخرى من الهيكل العظمي وجمع عينات من مناطق جغرافية مختلفة يمكن أن يعزز من دقة النتائج وموثوقيتها".
تواصل معنا: