نضال قسوم.. نحو ثقافة علمية تتجاوز المختبرات ومقاعد الدراسة
نشرت بتاريخ 10 أكتوبر 2024
يناقش عالم الفيزياء الفلكية نضال قسوم التحديات التي تواجه علوم الفضاء في العالم العربي.. ويصف جهوده في نشر الثقافة العلمية في مجتمعه ومنطقة الشرق الأوسط.
شهاب جمال
نشأ عالم الفيزياء الفلكية نضال قسوم في الجزائر
في جو عائلي يشجع على المعرفة والتعلم، ورغم أن تخصص والديه الأكاديمي لم يكن في
العلوم، إلا أنهما غرسا فيه شغفًا عميقًا بالعلم، وشجعاه على الالتحاق بجامعة
الجزائر العاصمة لدراسة الفيزياء.
يقول "قسوم": أهَّلني تفوقي في التعليم
الجامعي للحصول على منحة حكومية إلى جامعة كاليفورنيا سان دييغو بالولايات
المتحدة، حيث أكملت درجتي الماجستير والدكتوراة في دراسة أشعة جاما الكونية، كان
لهذه المنحة أثرٌ خاص في تشكيل وعيي العلمي، ولا سيما جلسات النقاشات المفتوحة
التي يعقدها العلماء بعد الندوات، إذ كنت أستمع إليهم وهم يشربون الشاي
ويتبادلون الأفكار ويحللون النظريات ويناقشون البحوث بطريقة مبسطة وأخوية.
المشهد العلمي العربي
أسرت هذه الأجواء "قسوم"، ولم تغادر
ذهنه إلى الأبد، وتمنى وجود مثل هذه الجلسات في جامعاتنا العربية، متخيلًا كيف أن "خلق
مثل هذه الأجواء من شأنه أن يثري المشهد العلمي عربيًّا".
يضيف "قسوم" في تصريحات لـ"نيتشر
ميدل إيست": لم أتوقف يومًا عن الإيمان بقدرة هذه المنطقة على العودة للتأثير
في علم الفلك، لقد أسهمت المراصد الفلكية وبيوت الحكمة والمكتبات في العالم العربي
في تقدم علم الفلك والرياضيات في العالم لما يقرب من 800 عام مضى، ولكننا اليوم عندما
ننظر إلى العالم العربي على خريطة علوم الفضاء، نجد أن المساهمات ضعيفة بسبب قلة المعاهد الفلكية وصغر التلسكوبات.
فعلى الرغم من تشييد عدد قليل من المراصد الصغيرة
في المغرب والإمارات مؤخرًا، فضلًا عن إنشاء مراكز بحوث الفضاء في دول مثل
الإمارات والسعودية، إلا أن هذا التحسن لا يزال غير كافٍ، إذ ما زلنا بحاجة إلى
بناء مراصد فلكية كبيرة ومتقدمة، بالإضافة إلى توفير تخصصات متقدمة في علوم الفضاء
للدراسات العليا، من أجل إنتاج جيل من العلماء مؤهل لإجراء بحوث متقدمة، وفق
"قسوم".
التخصصات المتقدمة
يؤمن "قسوم" بأن ندرة التخصصات المتقدمة على مستوى الماجستير والدكتوراة هي أبرز المشكلات التي تواجه الباحثين العرب، ولا
سيما في مجال الفيزياء الفلكية، ما يدفع الباحثين العرب نحو السفر إلى الخارج حيث
تتوافر هذه التخصصات.
ويقول: تضم الجامعات العربية علماء وباحثين من
تخصصات مختلفة في مجال الفلك والفضاء، ولكنها متباعدة، ومن الصعب العثور على متخصصين في مجالات متقاربة
لتشكيل فريق بحثي، ويجد الباحثون في مجالات مثل الفيزياء الفلكية أنفسهم وحيدين في
جامعاتهم، وهم في حاجة ماسة إلى مواصلة عملهم البحثي ضمن فريق، لذلك، من المهم
للباحث العربي في بداية مسيرته إدراك أن فريق البحث يمكن أن يضم أعضاء من جامعات
في بلدان مختلفة، كما يجب على الباحثين بعد حصولهم على درجة الدكتوراة أن يحرروا أنفسهم
من العمل تحت إشراف أساتذتهم السابقين.
وللباحث العربي يقول "قسوم": عليك أن
تشق طريقك وتنمو، ولا تظل معتمدًا على مشرفك السابق، فأنت مثل
الطائر الذي يغادر عشه أول مرة معتمدًا فقط على أجنحته، صمم خططك وأجرِ بحوثك
بنفسك، وتواصل مع باحثين وانضم إلى مجموعات بحثية أخرى، وأنشئ علاقات وشراكات
عابرة للقارات والثقافات.
خارج قاعات التدريس
في عام 2000، بدأ "قسوم" العمل أستاذًا
في الجامعة الأمريكية في الشارقة بالإمارات العربية المتحدة؛ حيث يقوم بتدريس علوم
الفلك لطلاب البكالوريوس من مختلِف التخصصات، ويقود مجموعات بحثية من طلاب أكمل
بعضهم بحوثًا وشارك في مؤتمرات دولية وعالمية.
وفي محاولة لخلق جو مماثل لما عاشه خلال دراسته
في جامعة كاليفورنيا، يفتح "قسوم" مكتبه للطلاب والزملاء بعد انتهاء
الفصول الدراسية للتحدث ومناقشة موضوعات علمية مختلفة، منها أفكار حول النجوم
والسفر إلى الفضاء.
يقول "قسوم": قد نخطط لعقد محاضرة خارج
الفصل في موضوع علمي محدد أو نشكل مجموعة عمل لإجراء بحثٍ ما، لقد ساعدت هذه
اللقاءات في كسر الجليد بيننا وتوفير جو محفز للتفكير وطرح أسئلة متقدمة.
تبسيط العلوم
في عام 2012 قرر "قسوم" الانخراط أيضًا
في تقديم محتوى علمي مبسط للجمهور العربي؛ إذ أنشأ أول قناة خاصة به على يوتيوب
باسم "الكون"، وكان يسجل مقطع فيديو مدته عشر دقائق أسبوعيًّا،وانتهى البرنامج بعد حوالي 52 حلقة غطت معظم الموضوعات في علوم الفلك.
وبعد سنوات قليلة، أنشأ قناة أخرى باسم
"تأمل معي"، لا تزال تعمل حتى اليوم، يقدم فيها أهم النظريات والمفاهيم
العلمية للجمهور العربي بشكل مبسط، ويناقش أهم الإنجازات والاكتشافات العلمية في
مجالات تشمل علوم الفضاء وصولًا إلى علوم المناخ والبيئة والصحة العامة والذكاء
الاصطناعي.
يقول "قسوم": تطلب الأمر مني سنوات حتى أتمكن من تقديم محتوى علمي غني عبر بث فيديوهات تزيد مدتها على ثلث الساعة، وخُصص كثيرٌ منها
لمواجهة ظاهرة إنكار العلم ونظريات المؤامرة والعلوم الزائفة.
ويتابع: بسبب افتقاري إلى الخبرة في مجال
الإعلام، كان من الصعب منافسة العدد الهائل من القنوات التي تقدم العلم عبر مقاطع
فيديو سريعة تحتوي على معلومات بسيطة وأحيانًا غير صحيحة، لم يكن من السهل عليَّ
إنشاء محتوى من شأنه أن يسلي ويجذب انتباه عامة الناس، الذين يتجنبون بطبيعة الحال
المحتوى الدسم والمصطلحات العلمية الصعبة، ويشعرون بالملل عند مشاهدة مقاطع
الفيديو الطويلة بمعلومات تتطلب التركيز، ويميلون إلى تفضيل المقاطع القصيرة ذات
العناوين الباهرة والمثيرة للجدل.
محتوى جاذب
يضيف "قسوم": تطلَّب الأمر مني تطوير
مهارات التقديم لإنشاء محتوى يجذب عامة الناس، ومع مرور الوقت، بدأت
أتقن مهارات السرد وطرق تبسيط المعلومات، وكانت النتيجة حصولي على مشاهدات عالية ونسبة تفاعل إيجابية مع
الحلَقات وصلت إلى 98%، وبدأت أتلقى رسائل إيجابية من الجُمهور، وحصدت القناة
ملايين المشاهدات ونصف مليون مشترك حتى الآن.
ويتابع: من ضمن المشتركين في قناتي باحثون من
مختلف التخصصات العلمية، دائمًا ما أقول لطلابي إن القراءة المستمرة للمقالات
والدراسات العلمية ومشاهدة الفيديوهات والمحتوى العلمي المنتشر على الإنترنت هي
السبيل لبناء خلفية معرفية متينة، فالباحث الذي يريد بناء مسيرة بحثية متميزة لا بد
أن يكون لديه شغف حقيقي بالعلم وفضول عميق للمعرفة، مندفعًا للاطلاع الدائم على الموضوعات
العلمية والبحثية في مختلف المجالات، ثم يأتي دور التميز الأكاديمي، هو بلا شك
مفتاح الفرص.
تواصل معنا: