لماذا حصد التنبؤ ببنية البروتينات جائزة نوبل في الكيمياء لعام 2024؟
نشرت بتاريخ 12 أكتوبر 2024
التنبؤ بالشكل ثلاثي الأبعاد الدقيق للبروتينات ساعد في تحديد أكثر من 350 ألف بنية هيكلية، و98.5% من المحتوى البروتيني البشري
بقلم: محمد شعبان
شجع التنامي
المتزايد والتعقيد المتأصل في البيانات البيولوجية على استخدام التعلم العميق –أحد
أمثلة تعلُّم الآلة– لبناء نماذج يمكنها التنبؤ ببنية البروتينات الهيكلية، حتى حصد
مجال البيولوجيا البنيوية جائزة نوبل في الكيمياء، والتي ذهبت لتطبيقٍ من تطبيقات الذكاء
الاصطناعي، وهو التنبؤ ببنية البروتينات؛ إذ كرمت اللجنة السويدية للعلوم كلًّا من
ديفيد بيكر وديميس هاسابيس وجون جامبر بجائزة نوبل في الكيمياء لعام 2024.
ولمعرفة ما قدمه الذكاء
الاصطناعي لهذا المجال، نستعرض أولًا مجال البيولوجيا البنيوية وأهميته.
البيولوجيا
البنيوية
كلما تعمقنا في استكشاف
الخلية أصبح كل شيء أكثر تعقيدًا؛ إذ تقبع خبايا عمل الخلية في مكوناتها الأصغر؛ فإبحارًا
من العضيات الخلوية –كالنواة والميتوكوندريا على سبيل المثال– وصولًا إلى المكونات
الأصغر مثل الأحماض الأمينية المكونة للبروتينات والقواعد النيتروجينية ووحدات
السكر المكونة للـــ"دي إن إيه"، نجد أن هذه الأجزاء الصغيرة هي المحرك
الأساسي للعمليات البيولوجية المعقدة؛ إذ تتضافر هذه الوحدات معًا مكونةً الآلات
البيولوجية التي تضطلع بمهمات مختلفة في الخلية، ما يحافظ على توازن الخلية، أو في
حالات أخرى قد يتسبب في انهيارها ونشوء الأمراض.
وعلى سبيل المثال، تؤدي
إحدى هذه المكونات -وهي البروتينات- مهمات دقيقة في الخلية، مثل تنظيم حركة
الخلية، ونقل الجزيئات، وتنظيم الأيض، وفي حال حدوث طفرات في الأحماض الأمينية
المكونة للبروتينات أو حدوث تغير في طيّها الهيكلي المكون لشكلها ثلاثي الأبعاد،
يمكن أن تتحول من آليات دفاع إلى مسببات للخلل الخلوي أو الأمراض، إذًا، فهل نمنح
هذه المكونات الصغيرة ما تستحقه من اهتمام؟ نعم، إذ يهتم علم "البيولوجيا
البنيوية" بدراسة الشكل التركيبي (الهيكلي) للخلية ومكوناتها الخلوية عند
المستوى الجزيئي لها.
الرؤية مفتاح الفهم
وكما يُقال "نحن
نصدق ما نرى"، فإن القدرة على رؤية المكونات الخلوية الدقيقة هي أقرب الطرق
لمعرفة الوظائف الخلوية؛ فمنذ أن بدأ روبرت هوك وأنتوني فان ليوينهوك استخدام
المجاهر الضوئية في القرن السابع عشر، بدأ العلماء في استكشاف ما لم يكن مرئيًّا من
قبل، وقد أسهم إرنست آبي في تطوير حد الاستبانة (قدرة التفريق بين نقطتين) لهذه
المجاهر الضوئية إلى ما يقرب من الحد الممكن نظريًّا، وذلك بنهاية القرن التاسع
عشر، غير أن هذه الاستبانة المُحقَّقة لا تُعد كافيةً لرؤية الوحدات الخلوية
الأساسية -كالأحماض الأمينية- على المستوى الجزيئي، ولتحقيق ذلك، فإننا بحاجة إلى
استخدام مصدر إشعاع ذي طول موجي مشابه لأبعاد الذرات المكونة للأحماض الأمينية
والتي نرغب في رصد سلوكها، وذلك عوضًا عن الضوء الأبيض المستخدم في المجاهر
الضوئية، فعلى سبيل المثال، فإن أبعاد الذرات التي نرغب في اقتفائها يقدر بــ0.2
نانومتر، وهو ما يَحُول دون مراقبتها باستخدام الضوء ذي الطول الموجي الأكبر بعدة
أضعاف (500 نانومتر).
هنا انطلقت حقبة
جديدة في تاريخ علم الأحياء، تمثلت في القدرة على رصد الوحدات المكونة للآليات
الخلوية على المستوى الذري، وهو المجال الذي نعرفه اليوم بـ"البيولوجيا
البنيوية"، هذا التحول الكبير جاء بفضل الفيزياء، التي فتحت الباب لاكتشاف
مصادر إشعاع ذات أطوال موجية أقصر؛ ففي عام 1895، اكتشف فيلهلم رونتغن -الذي نال
جائزة نوبل عام 1901- الأشعة السينية، وتبعه جوزيف جون طومسون باكتشاف الإلكترونات
عام 1897، والذي حاز على أثره جائزة نوبل عام 1906، كما جاء اكتشاف النيوترون عام
1932 على يد جيمس تشادويك –الحاصل على نوبل عام 1935– واكتشاف الرنين المغناطيسي
النووي عام 1946 والحوسبة، لتضيف كلٌّ منها لبنةً مهمةً في بناء هذا العلم الحديث.
جاء على أثر هذه
الاكتشافات أن اقترح ماكس فون لاوي –الحاصل على جائزة نوبل عام 1914– إمكانية
استخدام الأشعة السينية لرؤية البنية البلورية في عام 1912، وبسرعة، أثبتت هذه
الفكرة نجاحها في عام 1913، عندما تمكّن لورانس براغ من رصد التركيب البنيوي
لكلوريد الصوديوم، وحصل على جائزة نوبل بعد ذلك بعامين.
ثم جاءت المفاجأة
الكبرى في علم الأحياء عام 1934، حين نجحت دوروثي هودجكن بالتعاون مع جون برنال في
الحصول على نمط حيود مميز لبلورة من إنزيم الببسين، باستخدام الأشعة السينية، هذا
الإنجاز جاء بعد أن تمكّن جون نورثروب -الحاصل على نوبل عام 1946– من بَلْوَرَة
الإنزيم في عام 1929، وكان سر المفاجأة يكمن في أن البروتينات -التي كان يُعتقد سابقًا
أنها ذات بنى عشوائية- أظهرت بنيةً مميزةً ومنظمة.
من الطبيعي أن تبدأ
النظرة السائدة حول البروتينات بالتغيُّر في ذلك الوقت، فقد دفع هذا التحول الباحث
الشاب في مرحلة الدكتوراة، ماكس بيروتز، إلى استخدام حيود الأشعة السينية لمحاولة
فك شفرة البنية الهيكلية للهيموغلوبين عام 1936، لكن هذا المسعى الطموح استغرق
أكثر من 30 عامًا لتحقيقه، نظرًا لحداثة المجال وصعوبة تفسير أنماط الحيود، إلى
جانب عدم توافر الحوسبة المتقدمة في تلك الفترة، في النهاية، أثمرت جهوده بحصوله
على جائزة نوبل عام 1962، تقديرًا لأبحاثه الرائدة في دراسة البنى الهيكلية
للبروتينات الكروية.
منذ ذلك الحين، أسهمت
التطورات التكنولوجية بشكل كبير في تقدم دراسة بنية البلورات، وكان من أبرز هذه
التطورات بناء المسرعات الدورانية التزامنية (السينكروترون) التي تستخدم الأشعة
السينية، الذي أتاح للعلماء اكتشاف بنى هيكلية جديدة، ففي عام 1973، كانت هناك 10
بنى هيكلية معروفة فقط لبروتينات، لكنها نمت إلى 27 بنيةً في عام 1983، وصولًا إلى
922 بنية بحلول عام 1993، وهذا وإن كان إنجازًا كبيرًا، فإنه يحمل بين طياته ما
يخبرنا بأن الكشف عن بنية واحدة فقط لهذه البروتينات كان يستغرق الكثير من الجهد، والعديد
من السنين.
كان من التحديات
الكبيرة التي واجهها العلماء في دراسة البروتينات باستخدام الأشعة السينية صعوبة
تكوين بلورات لبعض هذه البروتينات، إضافةً إلى ذلك، قد يتسبب تكوين البلورات في إضفاء
ضغوط ميكانيكية عليها، ما يؤدي إلى تغيير هيئتها البنيوية الطبيعية التي تكون
عليها داخل الخلية، هذه العقبات، إلى جانب الشغف العلمي المستمر لتطوير أدوات
البحث، دفعت العلماء إلى البحث عن وسائل بديلة بالتوازي مع تطوير تقنيات الأشعة
السينية.
هنا بدأت مسيرة جديدة
في ثلاثينيات القرن الماضي، عندما قام إرنست روسكا –الحائز جائزة نوبل عام 1986–
بتطوير المجهر الإلكتروني، بدلًا من الضوء، يستخدم هذا المجهر الإلكترونات ذات
الأطوال الموجية القصيرة جدًّا، ما يتيح رؤية التفاصيل الذرية، وبذلك كان المجهر
الإلكتروني هو أول تقنية تتيح رصد التفاصيل الذرية للمكونات البيولوجية في
أربعينيات القرن الماضي.
رغم هذا التقدم، لم
تكن استبانة المجهر الإلكتروني في بدايته كافية؛ إذ تمكن ريتشارد هندرسن ونايجل
أونوين عام 1975 من تحديد البنية ثلاثية الأبعاد لبروتين البكتريورودوبسين عند
استبانة 7 أنجستروم فقط، وهي استبانة غير جيدة للكشف عن التفاصيل الجزيئية، وقد
كانت جودة تحضير العينات والحالة التقنية للمجهر الإلكتروني في ذلك الوقت ضمن
تحديات كبيرة تعوق الحصول على صور أكثر دقةً للمكونات الخلوية، ولهذا ركز العلماء
جهودهم منذ ذلك الحين على تطوير تقنيات تحضير العينات، وتحسين المجهر الإلكتروني
ليصبح أكثر توافقًا مع العينات البيولوجية، دون التسبب في إتلافها بإشعاع
الإلكترونات، ما أسفر عنه تطوير المجهر الإلكتروني فائق البرودة (Cryo-EM)،
الذي يعمل في درجات حرارة منخفضة جدًّا، ويتمتع بمصدر إشعاع إلكتروني (نسبة إلى
الإلكترون) أفضل وذي جهد أعلى.
وقد اكتملت هذه
التحسينات في عام 2012 مع استخدام راصدات الإلكترون المباشرة وتطوير برامج الحوسبة
لتحليل البيانات على نحوٍ أكثر دقة، تُوجت هذه التطورات بمنح جائزة نوبل في
الكيمياء عام 2017 لريتشارد هندرسن، وجاك دوبوشيه، ويوآخيم فرانك؛ لجهودهم في تطوير
تقنية المجهر الإلكتروني فائق البرودة.
الذكاء الاصطناعي يدخل
مضمار السباق
وبفضل التقنيات آنفة الذكر، تمكن العلماء حتى عام ٢٠٢١ من الكشف -بالتجارب العملية-
عن الشكل البنيوي لـ١٨٠ ألف بنية هيكلية، إذ تودع هذه النتائج المعملية في قاعدة
بيانات تُعرف باسم «بنك بيانات البروتينات» (Protein Data
Bank)، ومع ذلك، فإن جميع هذه
البنى ليست لبروتينات فريدة تمامًا؛ إذ قد نجد البنية نفسها لبروتين واحد في
حالتين مختلفتين، إحداهما نشطة والأخرى غير نشطة، وأحيانًا تكون هناك عدة بنى للبروتين
نفسه، لكنها تختلف تبعًا لارتباطها بجزيئات أو وحدات بروتينية أخرى، بالإضافة إلى
ذلك، فإن هذه البروتينات ليست جميعها بشرية، بل إن غالبية البيانات تعود إلى كائنات
أخرى تُجرى عليها التجارب المعملية.
وبما أن معظم
الأمراض تنشأ عن اختلال في الوظيفة الخلوية -وهو ما أشرنا سابقًا إلى ارتباطه بخلل
في الوحدات الأساسية– فإن امتلاك المعرفة بالشكل البنيوي للمكونات الخلوية وكيفية
تفاعلها يُعد مفتاحًا رئيسًا في تطوير الأدوية، ومن ثم فإن هناك أهمية كبرى للكشف عن
الشكل البنيوي لكل البروتينات الخلوية.
ومن المعروف أن
الجينوم البشري يحتوي على جينات مسؤولة عن تخليق أكثر من 20 ألف بروتين، لكن الشكل
التركيبي ثلاثي الأبعاد لهذه البروتينات -والذي تم الكشف عنه باستخدام التجارب المعملية-
لا يتجاوز الثلث، هذا النقص الكبير في المعرفة دفع العلماء إلى استخدام خوارزميات
الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بالبنية الهيكلية للبروتينات، ما أسفر عنه تتويج ديفيد
بيكر وديميس هاسابيس وجون جامبر بجائزة نوبل في الكيمياء لهذا العام.
ولمعرفة الفكرة
الرائدة التي مكنت الذكاء الاصطناعي من التنبؤ ببنية البروتينات، علينا أولًا فهم
طبيعة البروتينات.
البروتينات هي
جزيئات كبيرة معقدة تتكون من سلاسل من الأحماض الأمينية، وهي اللبنات الأساسية
التي تشكل هذه الجزيئات، يتكون كل بروتين من تسلسل محدد من الأحماض الأمينية، يشير
إليه العلماء باسم التسلسل الأولي (Primary Structure)، هذا التسلسل يشبه التعليمات البرمجية التي
تحدد كيفية تشكُّل البروتين ووظيفته، بمجرد أن يتم تصنيع البروتين بناءً على هذا
التسلسل، يمر بعملية تُعرف باسم الطي البروتيني (Protein
Folding)، إذ تترتب
سلسلة الأحماض الأمينية الأولية في بنية محددة ثلاثية الأبعاد، هذه البنية الثلاثية
هي التي تحدد وظيفة البروتين، سواء كان مسؤولًا عن نقل الأكسجين في الدم، أو العمل
كإنزيم لتحفيز التفاعلات الكيميائية، أو بناء الهيكل الخلوي، ولا يُعد الطي
البروتيني عمليةً عشوائية، بل إنه يعتمد على تفاعلات فيزيائية وكيميائية بين
الأحماض الأمينية، على سبيل المثال، تفضل الأحماض الأمينية المحبة للماء التجمع
على سطح البروتين، أما الأحماض الأمينية الكارهة للماء فتنجذب نحو القلب الداخلي للبروتين.
غير أن المشكلة
التي واجهت العلماء لعقود هي كيفية التنبؤ بالشكل النهائي ثلاثي الأبعاد للبروتين استنادًا
فقط إلى تسلسل الأحماض الأمينية (التسلسل الأولي)، فالبروتينات تكون معقدةً
للغاية، وتفاعُل كل حمض أميني مع الآخر يعتمد على عدد كبير من العوامل البيوكيميائية،
وحيث إن هناك ٢٠ حمضًا أمينيًّا مكونًا للبروتينات، فإن كلًّا منها قد يأخذ موضعًا
ثلاثي الأبعاد مختلفًا، باحتمالية تصل إلى ٣٠٠١٠ (١٠ مرفوعة لأس ٣٠٠).
غير أن كريستيان آنفينسن -الحائز جائزة نوبل في الكيمياء عام ١٩٧٢- قد أشار في
محاضرته لجائزة نوبل قائلًا: "إن الشكل ثلاثي الأبعاد للبروتينات يمكنه أن يُحَدَّد
كاملًا من تسلسل الأحماض الأمينية (يعني التسلسل الأولي)".
وعلى مدار سنوات،
كانت الطريقة الوحيدة لمعرفة شكل البروتين هي من خلال طرق تجريبية مكلفة ومعقدة
مثل حيود الأشعة السينية أو الرنين المغناطيسي النووي أو المجهر الإلكتروني فائق
البرودة، كما ذكرنا، غير أن هذه الطرق لا يمكن استخدامها لجميع البروتينات، كما أنها
تستغرق الكثير من الوقت والجهد والمال.
هنا تدخلت خوارزميات
الذكاء الاصطناعي -وتحديدًا التعلم العميق (Deep Learning)- لحل هذا اللغز؛ إذ طور مؤسس شركة ديب مايند (DeepMind)، ديميس هاسابيس ورفيقه جون جامبر، عام ٢٠٢٠،
خوارزمية ذكاء اصطناعي أطلق عليها اسم ألفا فولد٢ (AlphaFold2) تعتمد على فكرة بسيطة، ولكنها عبقرية، يمكن
للذكاء الاصطناعي أن "يتعلم" كيفية طي البروتينات بناءً على المعلومات
المتاحة عن الهياكل السابقة، والتي قدر عددها آنذاك بــــ١٨٠ ألف بنية هيكلية.
ببساطة، تعمل هذه
الخوارزمية على تحليل التسلسل الأولي للبروتينات التي تم تحديد بنيتها مسبقًا،
وتتعلم كيف تُشكِّل هذه التسلسلات الأولية بنيةً ثلاثية الأبعاد، بعد ذلك، تستخدم
ما اكتسبته من هذه العملية للتنبؤ بالشكل ثلاثي الأبعاد للبروتينات التي لم يُعرف هيكلها
بعد، وذلك عن طريق تطبيق ما تعلمته على التسلسلات الأولية لهذه البروتينات، وقد
تمكنت هذه الخوارزمية من تحقيق نسبة دقة في التنبؤ وصلت إلى ٩٠٪.
وبفضل هذه المعرفة،
تمكَّن الذكاء الاصطناعي في تحقيق قفزة نوعية
في مواجهة أحد أكبر التحديات في علم الأحياء، وهو التنبؤ بالشكل ثلاثي الأبعاد
الدقيق للبروتينات؛ إذ مكنت هذه الطريقة العلماء، عام ٢٠٢١، من تحديد أكثر من 350
ألف بنية هيكلية، تشمل البروتينات البشرية وأخرى لـ20 من الكائنات المستخدمة في
التجارب، وبهذا الإنجاز، تم التنبؤ بنسبة 98.5% من المحتوى البروتيني البشري، وهذا
يعني أننا حصلنا تقريبًا بين عشية وضحاها على كمٍّ هائل من المعلومات الهيكلية، الجدير
بالذكر أن هذه البيانات متاحة مجانًا اليوم للعلماء من خلال قاعدة بيانات شاملة تحتوي على الأشكال ثلاثية الأبعاد لهذه البروتينات، وفي وقت لاحق،
طور علماء شركة ديب مايند آليةً أخرى يمكنها التنبؤ ببنية المعقدات البروتينية،
أطلق عليها اسم (AlphaFold-Multimer)، كما طوروا
حديثًا، في ٨ مايو/أيار
٢٠٢٤ خوارزمية ألفا فولد٣ يمكنها التنبؤ بشكل أكثر دقةً بالبنية ثلاثية الأبعاد
للبروتينات وما يمكن أن يتفاعل معها، مثل الــ"دي إن إيه".
وبشكل منفصل عن
ديميس هاسابيس وجون جامبر، طور ديفيد بيكر عام
٢٠٠٣ طريقةً مكنت من استخدام الأحماض الأمينية في تصميم بروتينات جديدة لا تشبه أي
بروتينات أخرى معروفة، بهدف استخدامها كأدوية، ولقاحات، وأجهزة استشعار دقيقة، كما
تمكن عام ١٩٩٩ من إيجاد طريقة تُعرف باسم «روزيتا» (RoseTTA) للتنبؤ بالبنية ثلاثية الأبعاد للبروتينات،
وقد تم تحسين
هذه الأداة بعد التطور الذي قدمته ألفافولد، وتسمى اليوم «روزيتا فولد» (RoseTTA fold).
واليوم، وبفضل هذا التطور
الهائل في معرفتنا عن البنية ثلاثية الأبعاد للبروتينات، ستكون هناك قفزة هائلة في
صناعة الدواء، وقد نرى مؤشرات أولية لذلك من خلال شركات الدواء التي أسسها حديثًا العلماء
أنفسهم الحاصلون على جائزة نوبل لهذا العام، والتي تهدف إلى استخدام الذكاء
الاصطناعي في صناعة الدواء، مثل شركة "أيزومورفيك لاب" (Isomorphic Labs)
التي أسسها ديميس هاسابيس، وشركة "تشارم ثيرابيوتكس" (CHARM Therapeutics)
التي أسسها ديفيد بيكر.
في الختام، لم يكن لهذا التقدم الباهر أن يتحقق لولا الجهود الجبارة لعلماء
الأحياء البنيوية، الذين اكتشفوا آلاف البنى الهيكلية تجريبيًّا، والتي شكلت قاعدة
البيانات التي اعتمدت عليها نماذج الذكاء الاصطناعي، وقد حظيت بعض هذه البنى
البروتينية المذهلة بتقدير عالمي عبر حصولها على جوائز نوبل على مر السنين، إن هذه
الثروة من البيانات -التي نتجت عن عقود من الأبحاث في تحديد هياكل البروتينات-
كانت الركيزة الأساسية وراء الإنجازات الحاسمة في تصميم البروتين والتنبؤ بهيكله،
وهي الإنجازات التي تُوجت بجائزة نوبل في الكيمياء لهذا العام.
* محمد شعبان باحث الدكتوراة في مجال البيولوجيا البنيوية في كلية
الطب بجامعة إمبريال كوليدج لندن وفي معهد فرانسيس كريك بالمملكة المتحدة.
تواصل معنا: