هل نجحت الولايات المتحدة حقًا في تدمير برنامج إيران النووي؟
29 June 2025
نشرت بتاريخ 18 يونيو 2025
من واقع استطلاع رأي أجرته دورية Nature وشمل 1100 قائد فريق بحثي من 77 دولة، تقدم لك الدورية دليلًا بالمقاربات التي يسلكها أرباب العمل في توظيف العلماء، وبالكيفية التي تحسم من يظفر بالوظيفة.
استطلاع رأي دورية Nature لعام 2024 حول التوظيف في المجال العلمي
هذا المقال هو الأول ضمن سلسلة قصيرة من المقالات التي تناقش نتائج استطلاع رأي عالمي أجرته دورية Nature للوقوف على آراء المديرين المسؤولين عن التوظيف في المجال العلمي في عام 2024. وهذا الاستطلاع، الذي أُعِد بالشراكة مع شركة «ثينكس إنسايت آند استراتيجي» Thinks Insights & Strategy، وهي شركة استشارات بحثية تتخذ من لندن مقرًّا لها، أُعلن عنه ودُشن على موقع nature.com، ضمن منتجات شركة «سبرينجر نيتشر» Springer Nature الرقمية، وخلال حملاتها الترويجية على البريد الإلكتروني. وتطوع للإجابة عن أسئلته 1134 مشاركًا من 77 بلدًا، ينتمون إلى القطاع الأكاديمي والقطاع الصناعي وقطاعات أخرى، بمن في ذلك أشخاص في المجال العلمي وردت إجاباتهم في إطار الشراكة القائمة مع فريق «والر» Walr، وهو فريق متخصص في بحوث السوق. وتتوفر مجموعات بيانات الاستطلاع بالكامل على الرابط التالي: go.nature.com/3bgpazn
في يونيو ويوليو من العام الماضي، استطلعت دورية Nature للمرة الأولى آراء قادة مختبرات من شتى مجالات القطاع الأكاديمي، وقطاعات أخرى فيما يخص منعطفات وتقلبات العملية التوظيفية في مجال العلوم. وأجاب المديرون المسؤولون عن التوظيف في الاستطلاع عن أسئلة حول استراتيجياتهم في التوظيف وحالات اختيارهم للمرشحين، وعما يبحثون عنه في الخطاب التعريفي بالمتقدم للوظيفة. كما أفادوا ببعض الأسئلة التي يميلون إلى طرحها على المرشحين، وأوضحوا الأسباب التي تدفعهم إلى ترجيح كفة مرشح بعينه عند الاختيار بين مرشحين تتشابه مؤهلاتهم ومهاراتهم وخبراتهم.
في هذا الإطار، تقول كارين كيلسكي، مؤسسِّة ورئيس شركة استشارات التوظيف الأكاديمي «ذا بروفيسور إز إن» The Professor Is In، وهي شركة كائنة في مدينة يوجين بولاية أوريجون الأمريكية: "في البحث عن الوظائف الأكاديمية قد يبدو كما لو أن طلبات التوظيف تودع صندوقًا أسود، حيث تصبح في طي النسيان دون سبب منطقي". وتضيف حول نتائج الاستطلاع: "هذه البيانات تساعد الباحثين عن الوظائف على الوصول إلى فهم أفضل لآراء وطرق تفكير أعضاء لجان التوظيف، وعلى توجيه طاقاتهم في البحث عن وظيفة بشكل أكثر فاعلية". بعبارة أخرى، تتيح نتائج الاستطلاع للعلماء الباحثين عن وظائف نظرة على ما بداخل هذا الصندوق، ليمكنهم مواءمة تصميم طلب التقدم للوظيفة واستعداداتهم لمقابلة العمل بما يعزز فرصهم في الحصول على عرض عمل.
وفي هذا المقال الأول، الذي يأتي ضمن سلسلة مقالات للتطرق إلى نتائج الاستطلاع، تقدم دورية Nature ستة من أبرز ما أسفرت عنه هذه النتائج. وهي مفاجئة في جزء منها، وتؤكد في أجزاء أخرى منها شكوك كثيرين. كذلك تبرز النتائج اختلافات لافتة بين ممارسات العلماء المسؤولين عن التوظيف في القطاع الأكاديمي ونظرائهم في القطاع الصناعي الذي انتمى إليه ثلث إجمالي المستطلعين.
كفاءة المرشحين
أفاد القائمون على التوظيف في القطاع الصناعي بدرجة أكبر بأن كفاءة المرشحين للوظائف الصناعية تحسنت مقارنة بالأعوام السابقة، على عكس مسؤولو التوظيف في القطاع الأكاديمي الذين يفيدون بأن هذه الكفاءة شهدت تراجعًا. ومدى الاختلاف بين المجالين صادم. فيفيد 44% من مسؤولو التوظيف في المجال الصناعي بأن كفاءة المرشحين صارت أفضل منها قبل بضعة أعوام، في حين بلغت نسبة من أفادوا بذلك في المجال الأكاديمي 20% فقط (انظر الشكل: "اختلافات بين القطاعين الأكاديمي والصناعي في النظرة إلى كفاءة المرشحين للوظائف"). يأتي هذا في الوقت الذي أشار فيه 43% من مسؤولي التوظيف في المجال الأكاديمي بتراجع كفاءة المرشحين للوظائف في هذا المجال، بينما بلغت نسبة من أشاروا إلى حدوث المثل في القطاع الصناعي 20% فقط. وقد رأى كل من المسؤولين عن التوظيف في القطاعين الأكاديمي والصناعي أن "نقص المرشحين الأكفاء" شكل التحدي الأبرز بين ما اصطدموا به من تحديات في عملية التوظيف. غير أن احتمالية تبني هذا الرأي بين أرباب العمل في الحقل الأكاديمي (58%) كانت تربو عليها في المجال الصناعي (38%).
وثمة العديد من التفسيرات المحتملة لهذا الاتجاه. منذ حوالي خمس سنوات، عكف قسم «حديث المهن» في دورية Nature على توثيق إحباط شباب العلماء المتزايد في الوظائف الأكاديمية والدعوات إلى إدخال إصلاحات على تدريب الطلاب في مرحلة الدكتوراه، لتعليمهم طيفًا أوسع من المهارات التي تناسب بيئات عمل متنوعة.
وهذه النتائج التي أوردها استطلاع دورية Nature تؤيد إفادات شفهية من باحثين رئيسيين في الحقل الأكاديمي، أعربوا فيها عن صعوبة العثور على مرشحين أكفاء للوظائف، بحسب ما توضح نيدا بيبيروجلو، الاستشارية في شؤون العلوم ومنسقة الشؤون العلمية في «مرصد المهن البحثية والعلمية» Observatory of Research and Scientific Careers في بروكسل. فتضيف: "قبل ستة أعوام، إذا سألت غرفة مليئة بطلاب الدكتوراه عن خططهم المهنية، كنت لتجد أن جميعهم يطمحون لأن يعملوا أساتذة جامعيين. أما اليوم، فلا ترغب إلا قلة قليلة من طلاب الدكتوراه في ذلك". وتشير إلى أن هذا يبرهن على أن شباب العلماء باتوا أكثر وعيًا بخياراتهم المهنية. لكن بتعبير بيبيروجلو، فإن هذا "يطرح سؤالًا مهمًا، ألا وهو كيف نبقي على أصحاب الكفاءات في الوسط الأكاديمي؟".
في ذلك الصدد، تقول كيلسكي إن جائحة «كوفيد-19»، وتردي ظروف العمل في الحقل الأكاديمي - ومن ذلك عدم مواكبة الأجور لارتفاع تكاليف المعيشة، وانخفاض التمويلات المخصصة لدعم الأبحاث، وتزايد العداء للعلم والعلماء في المجتمعات - قد وجها ضربة في مقتل لاستعداد شباب العلماء النفسي للاستثمار في مسيرة مهنية بحثية. ما تؤكده كيلسكي قائلة: "في أوساط من يتقدمون لشغل وظائف في الحقل الأكاديمي، ألاحظ اتجاهًا بشكل غير مسبوق إلى عدم الانبهار بالوظائف البحثية والجامعية والنفور منها".
أما خافيير جارسيا - مارتينيز، مدير مختبر تقنيات النانو الجزيئية من جامعة أليكانتي في إسبانيا، والمؤسس المشارك لشركة تقنيات المواد الحفازة «رايف تكنولوجي» Rive Technology في مدينة برينستون بولاية نيو جيرسي الأمريكية، فيقول إنه من المنطقي أن يختار العديد من أكفأ المرشحين مهنًا في مجال الصناعة للحصول على أجور أفضل والمزيد من المزايا الجذابة. ويوضح أنه من المحتمل أن الوظائف في مجال الصناعة تسلك توجهًا أقرب لما يتدرب عليه العلماء الحاصلون على درجة الدكتوراة، أي أنها أضحت "قائمة بدرجة أكبر على الأبحاث". إلا أنه يضيف أنه من دون المزيد من البيانات حول سبب هذا التوجه، يبقى هذا "محض تخمين".
أسوأ أخطاء المرشحين
وفقًا لنتائج الاستطلاع، فإن عدم الدراية بأبحاث مكان العمل المستهدف، والتقدم بطلبات توظيف عامة غير مخصصة للوظيفة هما الخطآن الأكبر اللذان يقع فيهما الباحثون عن الوظائف (انظر الشكل أسوأ خمسة أخطاء يرتكبها المرشحون للوظائف لدى التقدم لها). ومن الأخطاء الأخرى التي شاع ارتكابها بين المرشحين للوظائف التحلي بثقة مفرطة، وعدم الدراية بطبيعة المنصب الذي يتقدمون لشغره، وضعف الاستعداد لمقابلة العمل.
وبعض هذه الأخطاء، أفيد بارتكابها في الحقل الأكاديمي بوتيرة أكبر مما أُفيد بذلك في المجال الصناعي. على سبيل المثال، رأى 45% من مسؤولي التوظيف في الحقل الأكاديمي أن التقدُم بطلبات توظيف عامة غير مخصصة للوظيفة "خطأ جسيم"، في حين بلغت نسبة من رأوا المثل بين مسؤولي التوظيف في المجال الصناعي 26% فقط. كذلك أفاد بعض مسؤولي التوظيف في الحقل الأكاديمي بأن دراية المتقدمين للوظائف بالأبحاث التي يجرونها عادة ما تكون ضعيفة، ومالت نسبة من أفادوا بذلك في الحقل الأكاديمي إلى أن تكون ضعف نظيرتها بين المنتسبين إلى المجال الصناعي. وكان "التحري عن الوظيفة" أو المنصب المستهدف هو الجواب الذي أدلى به غالبية المستطلعين من الحقل الأكاديمي عند سؤالهم عما ينبغي للمتقدمين للوظائف القيام به للتميز عن غيرهم من المرشحين للوظيفة، وشكلت هذه الفكرة جواب 25% من المستطلعين في الحقل الأكاديمي، مقارنة بنسبة بلغت 15% في المجال الصناعي.
وبحسب ما جاء عن مسؤولي التوظيف في الاستطلاع، ينبغي للمتقدمين للوظائف الحرص على قراءة بعض الأوراق البحثية الصادرة عن علماء المختبر الذي يتقدمون للعمل به، ودراسة رؤية مكان العمل المحتمل وهيكله التنظيمي قبل التقدم للوظيفة. والبراعة في الوقوف على مصادر استقاء المعلومات في هذا الإطار تؤتي ثمارها، بحسب كايسي جرين، وهو اختصاصي نظم معلومات حيوية، يدير مختبرًا في جامعة كولورادو بمدينة دنفر الأمريكية. فيقول: "مواقع المختبرات قد تفضح قدمها. لذا، قد يُجدي التحري عن خلفية الباحث الرئيس للمختبر على موقع «بب ميد» PubMed، أو مستودع المسودات البحثية «آركايف» arXiv، أو أي موقع مناسب في مجالك، للعثور على بعض الأوراق البحثية الصادرة مؤخرًا للمختبر".
كما أن التواصُل مباشرة مع أرباب العمل، من قبل حتى التقدُم بطلب الوظيفة، قد يُساعد المرشح على استشفاف المتطلبات اليومية للوظيفة. وهنا يقول إيمانويل آدوكوو، نائب رئيس كلية العلوم التطبيقية في جامعة غرب إنجلترا في مدينة بريستول بالمملكة المتحدة: "يُستحسن قبل مقابلة العمل ترتيب مكالمة مسبقة أو اجتماع عبر الإنترنت مع المدير المسؤول عن التوظيف أو مع شخص من فريق التوظيف لتعزيز معرفتك بفريق العمل وبسير العمل وأولويات هذا الفريق". وعلاوة على هذه الفوائد، تتيح هذه الخطوة، بحسب آدوكوو، للمرشح تقييم ثقافة بيئة العمل ومبادئها. فمن واقع خبرته، يلفت إلى أن عدد الراغبين في التعرُف على طبيعة التنوع الطيفي لفريق العمل المحتمل لا ينفك عن التزايد، لا سيما بين صفوف المتقدمين للوظائف من الأقليات.
التقدُم بطلب توظيف قبل الإعلان عن الوظيفة
مسؤولو التوظيف ممن شاركوا في الاستطلاع، ذكروا جميعهم تقريبًا (94% منهم) أنهم يتلقون أحيانًا طلبات توظيف قبل فتح باب التوظيف، عادة عبر البريد الإلكتروني مرة سنويًا على الأقل (انظر الشكل "طلبات التوظيف قبل فتح باب التوظيف قد تتسم بالفاعلية إلى حد مدهش). ومن بين هؤلاء المستطلعين، أفادت نسبة قوامها 57% منهم بأنهم "عادة" أو "دائمًا" ما يرسلون ردًا على هذه الطلبات، وأشار 43% منهم أنهم يجدونها فعالة. ولم تجد إلا نسبة قوامها 17% من المستطلعين أن طلبات التوظيف المقدمة بغير سابق دعوة مزعجة، غير أن هذه النسبة ترتفع إلى 24% بين من يتلقون أسبوعيًا في المتوسط واحدًا أو أكثر من طلبات التوظيف تلك. ونزع مسؤولو التوظيف في المجال الصناعي بدرجة أكبر من الأكاديميين (بنسبة 51% مقابل 37%) إلى النظر إلى طلبات التوظيف تلك على أنها فعالة، وأفادوا بدرجة أكبر من الأكاديميين (بنسبة 61% مقابل 54% ) بأنهم عادة أو دائمًا ما يرسلون ردًا عليها.
وذكر عدد من الباحثين الذين أجرت دوريةNature مقابلات صحفية معهم أنهم وُفقوا من قبل في توظيف أشخاص من طلبات توظيف جاءت قبل فتح باب التوظيف. بل إن طلبات التوظيف تلك في حد ذاتها "قد تحرك الإعلان عن منصب"، بتعبير جرين. ويوضح أن هذا قد يحدث حال ظهور مرشح قوي في وقت يوشك فيه فريق العمل البحثي على نيل منحة، أو حال عدم وجود وقت كاف للإعلان عن منصب شاغر رغم توفُر تمويل من إحدى المنح لهذا المنصب.
لكن حسبما يضيف جارسيا-مارتينيز، الذي يتلقى طلبات توظيف من هذا القبيل أسبوعيًا، تحتاج طلبات التوظيف السابقة على فتح باب التوظيف للمسة شخصية تضمن الحصول على رد إيجابي. فيضيف: "لا آبه كثيرًا لطلبات التوظيف التي لا تتناول مشروعي البحثي، إذ لا أشعر بأن الرسالة موجهة لي شخصيًا". ومن المزمع أن يسلط مقال آخر ضمن هذه السلسلة حول نتائج استطلاع دورية Nature المزيد من الضوء على كيفية صياغة الرسالة البريدية الإلكترونية المثلى لإبهار أرباب العمل المحتملين عند التقدم للوظائف قبل فتح باب التوظيف.
اغتنام شبكات العلاقات للوصول إلى الوظيفة
وعند سؤال مسؤولي التوظيف عن القنوات التي يحبذون اللجوء إليها في توظيف الباحثين، جاء رد الغالبية العظمى منهم بأنهم يميلون إلى التعويل على شبكات علاقاتهم الشخصية. فذكر أكثر من نصف المستطلعين (51% منهم) أنهم يلجؤون إلى شبكات علاقاتهم الشخصية لذلك الغرض، وارتفعت هذه النسبة في أوساط الأكاديميين إلى 65% (انظر الشكل: "شبكات العلاقات الشخصية: الخيار الأول لدى القائمين على التوظيف في عملية التوظيف).
وجاء موقع «لينكد إن» LinkedIn، وهو منصة لبناء شبكات العلاقات المهنية، في مقدمة قنوات التوظيف الأكثر شعبية في أوساط القائمين على التوظيف في القطاع الصناعي، حيث اختاره 50% منهم كقناة التوظيف "الأفضل". كذلك تمتع الموقع بشعبية في أوساط المُستطلعين من الهند (اختاره 55% من 85 مستطلعًا هناك)، ومن المملكة المتحدة (حيث اختاره 53% من 114 مستطلعًا). أما موقع التوظيف العالمي «إنديد» Indeed، فحظى نسبيًا بشعبية في أوساط مسؤولي التوظيف من القطاع الصناعي (رأى 32% منهم أنه قناة التوظيف الأفضل، إلا أنه لم يتمتع بشعبية في أوساط الأكاديميين، إذ اختاره 6% فقط منهم).
وفي مقابلات أجراها فريق الاستطلاع مع المستطلعين، ذكر عدد من الأكاديميين أنه يفضل اغتنام المحادثات العامة وغيرها من فرص بناء العلاقات للدعاية لفريقه البحثي واستقطاب أفضل الكفاءات. على سبيل المثال، يقول أنتِنتور هينتون جونيور، وهو اختصاصي بيولوجيا جزيئية ومدير مختبر في جامعة فاندربيلت في ناشفيل بولاية تينيسي الأمريكية: "غالبًا ما أستقطب أعضاء فريق عملي بإلقاء محاضرات في عدد من المؤتمرات، فهذا يساعد على تعزيز فهم المتقدمين للعمل لجوهر الأبحاث التي يجريها مختبري".
وبما أن شبكات العلاقات المهنية، وموقع لينكدإن، والتفاعلات المباشرة والدعوات الشخصية مثلت قنوات التوظيف التي أفاد المستطلعون بتفضيلها في أربعة من أكثر خمس إجابات شيوعًا في الاستطلاع، نوصي المرشحين للوظائف بشحذ مهاراتهم في بناء العلاقات.
دور الذكاء الاصطناعي
في الوقت الحالي، ولا سيما بين مسؤولي التوظيف في الأوساط الأكاديمية، يندر استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لفرز طلبات التوظيف أو الرد على المرشحين للوظائف (انظر الشكل: "هل يُستخدم الذكاء الاصطناعي في عملية التوظيف حاليًا؟"). فيفيد أغلب الأكاديميين (89% منهم) بأنهم لا يستخدمون أدوات الذكاء الاصطناعي في عملية فرز المتقدمين للوظائف، وأكثر من نصفهم أشار إلى أنه لا يفكر في استخدام هذه الأدوات لهذا الغرض مستقبلًا. أما القطاع الصناعي، فهو أكثر انفتاحًا على فكرة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لهذه الغاية: فحوالي نصف مسؤولي التوظيف المستطلعين أشاروا إلى استخدامهم لهذه الأدوات، إما لتصميم أسئلة مقابلات العمل أو لفرز طلبات التوظيف وإدارة معالجتها.
وأعرب ربع مسؤولي التوظيف المستطلعين (25%) عن تخوفهم من استخدام المتقدمين للوظائف لهذه الأدوات في كتابة السير الذاتية أو الخطاب التعريفي. وعدد منهم أفاد بإحباطه إزاء تلقيه سيل من طلبات التوظيف العامة المستحدثة بالذكاء الاصطناعي، وهي طلبات ينتهي بها المطاف، على حد تعبيرهم، إلى سلة المهملات! على سبيل المثال، تقول فيرناندا آدام، وهي عالمة بيئة متخصصة في دراسة الأراضي الرطبة من جامعة جريفيث في مدينة بريزبن الأسترالية: "أفضل بدرجة أكبر كثيرًا تلقي رسالة بريدية إلكترونية موجزة تحتوي على أخطاء نحوية وعلى لمسة شخصية، على تلقي رسالة بريدية إليكترونية لا شك في أن كاتبها هو «تشات جي بي تي». فنصوص طلبات التوظيف التي تنتجها هذه الأدوات تتسم، على حد تعبيرها بأنها "فضفاضة وباهتة".
غير أنه لا يمكن دائمًا تمييز طلبات التوظيف التي نقحتها أو كتبتها أدوات الذكاء الاصطناعي. لا سيما في حال استخدام روبوت دردشة مثل «تشات جي بي تي» لصقل نص مكتوب يحمل لمسة شخصية. إلا أن طلبات التوظيف التي تكتبها أدوات الذكاء الاصطناعي التحريرية تهددها الإشكاليات التي ترتبط باستخدام هذه الأدوات، ومنها ميل هذه الأدوات إلى المغالاة في التعويض عن المعلومات المنقوصة بمحتوى مفبرك. لذا، نلفت اهتمام مسؤولي التوظيف إلى تلك الممارسات، وإلى هذا الخطر الذي قد يرغب المتقدمون للوظائف في تجنبه.
فجدير بالذكر، حسبما يوضح دوجلاس أندرسون، الكيميائي في شركة علوم الحياة الكائنة في مدينة يوجين بولاية أوريجون الأمريكية، «ثيرمو فيشر ساينتفِك» Thermo Fisher Scientific، أن المرشحين الذين لا تضاهي مهاراتهم الحقيقية تلك الواردة في طلبات توظيفهم المكتوبة بالذكاء الاصطناعي، قد يبلون بلاءً جيدًا في مقابلة العمل، بالدرجة الكافية التي تؤهلهم للحصول على الوظيفة. إلا أنهم قد يفتقرون للمهارات اللازمة لمزاولة مهامهم الوظيفية. وهذا، بتعبير أندرسون، "يعني أن عليك ألا تتخلى عن شكوكك حتى إن بدا طلب توظيف المرشح على الورق رائعًا وأبلى بلاءً جيدًا في مقابلة العمل". لهذا، ينصح أندرسون بالتعمق أكثر في التحري عن المرشح، بمقابلة عمل محكمة تُركز على مهاراته".
كيف تحسم الوظيفة لصالحك؟
أظهر الاستطلاع أيضًا ميلًا كبيرًا بين مسؤولي التوظيف للبحث عن أصحاب "المهارات الشخصية"؛ وهم على الأرجح من يبرعون في طرح العروض التقديمية أو من يجيدون العمل الجماعي. فالمهارات الشخصية، إلى جانب عوامل أخرى مثل قوة الشخصية والملاءمة لفريق العمل، جاءت في صدارة قائمة السمات التي ينشدها القائمون على التوظيف عندما طُلب منهم وصف العوامل التي تحسم الوظيفة لصالح أحد مرشحين يتمتعان بالقدر نفسه من الخبرة والبراعة التقنية. إذ جاءت مهارات التواصل والتفاعل الشخصي على رأس السمات المطلوبة، تليها قوة الشخصية، والملاءمة لفريق العمل، والقدرة على العمل الجماعي أو التعاوُن (انظر الشكل: "في المنافسة المحتدمة: عوامل تحسم الوظيفة لصالح المرشح "). وفي مرحلة مقابلة العمل، عندما طُلب من القائمين على التوظيف تحديد المهارات التي ينشدونها بالدرجة الأولى في المتقدم للوظيفة، حلت مهارات التواصل من جديد على رأس المهارات المطلوبة. إذ اختارها 66% من القائمين على التوظيف، لتربو نسبتهم بذلك على نسبة من اختاروا المهارة البحثية (60%)، ومن اختاروا الخبرة بالمجال (61%).
في هذا الإطار، يقول أور إنج هونج واي أون، وهو اختصاصي هندسة كيميائية من كوالالامبور، يعمل لدى شركة التقنيات الحيوية «نوفونيسيس» Novonesis لابتكار حلول صديقة للبيئة في مجال صناعة زيت النخيل: "إن كان لي أن أسدي نصيحة للمرشحين للوظائف ليتفوق طلبهم للتقدم للوظيفة على منافسيهم، فهي صقل مهاراتهم الشخصية وتسليط الضوء عليها". فإبراز قوة ملكات التواصل، ومهارات العمل الجماعي، والقدرة على التكيُف مع فريق العمل، والبراعة في حل المشكلات والمهارات القيادية والذكاء العاطفي، والقدرة على إدارة الوقت يُمكن أن يُرجح كفة المرشح في المنافسة مع غيره ممن يمتلكون مهارات تقنية مماثلة.
وتُعد قوة الشخصية والملاءمة العامة لفريق العمل عوامل مهمة أخرى تساعد القائمين على التوظيف على الاختيار ما بين المرشحين. وحسب الاستطلاع، كان القائمون على التوظيف في المملكة المتحدة وألمانيا أكثر ميلاً بكثير إلى الإفادة بأن هذه العوامل تؤثر في قرارات التوظيف، مقارنةً بنظرائهم في بقية أنحاء العالم". حول ذلك، يقول إد إيموت، اختصاصي الكيمياء الحيوية من جامعة ليفربول في المملكة المتحدة: "لا تهمني الكفاءة الشديدة للمرشح للوظيفة إذا بدا لي أنه يجلب معه مناخًا سامًا لبيئة العمل أو أنه لن يكون قادرًا على العمل مع آخرين".
أيضًا وجد الاستطلاع أن ضعف الشغف والحافز كانا من السمات الأكثر شيوعًا وظهورًا في طلبات توظيف ومقابلات عمل المرشحين. وسنناقش في المقال القادم من هذه السلسلة كيف يمكنك إظهار شغفك بالوظيفة وتفانيك لها مع تجنُب المغالاة في ذلك وتلافي الظهور بمظهر المفرط في ثقته بنفسه.
فإبراز المرشح لمهاراته الشخصية، بحسب ما يفيد القائمون على التوظيف، بدأ يكتسب أهمية أكبر من ذي قبل. وهذه المهارات حلت في المرتبة الثانية مباشرة بعد المهارات الحوسبية، ضمن قائمة المهارات التي ذكر القائمون على التوظيف في الأغلب أنهم ينشدونها. وبحسب كيلسكي، يتسق هذا التوجه مع تغيُر طبيعة عملية البحث العلمي، لا سيما في الجامعات. فاليوم، تتزايد ضرورة دفع العلماء بالأدلة على أبحاثهم في مواجهة الجماهير المتشككة، وضرورة تشارُك موارد أبحاثهم للتصدي لمشكلات نقص التمويل، كما بدأت خلفيات فرق العمل تشهد تنوعًا متزايدًا. ما تؤكد عليه كيلسكي قائلة: "لجميع هذه الأسباب، باتت القدرة على التواصل والتعاوُن الفعال تحظى بأهمية متزايدة".
هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور في دورية Nature بتاريخ 14 أكتوبر عام 2024.
doi:10.1038/nmiddleeast.2025.88
تواصل معنا: