في أعقاب مقتل القذافي، يتطلع العلماء الليبيون إلى شركاء دوليين لاستئناف مشروع قيم للبحوث الزراعية.
محمد يحيى
لقد عَلَّقَ الصراع الأخير في ليبيا مشروعًا زراعيًّا، يشارك فيه مركز البحوث الزراعية في طرابلس، والمركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) في حلب بسوريا لمدة تزيد على تسعة أشهر. وقد أثَّرت هذه الفترة المطولة لتوقف المشروع تأثيرًا سلبيًّا كبيرًا على بيانات مهمة تخص المشروع، جرى تجميعها على مدى أكثر من عامين.
ويجري مركز البحوث الزراعية حاليًا محادثات مع (إيكاردا) لإستئناف البرنامج، بالتزامن تمامًا مع موسم الزرع لعام 2011، الذي ينتهي عادة في نوفمبر/ تشرين ثان.
وقال محمود الصلح، مدير (إيكاردا): "التقينا مع شركائنا الليبيين، الذين أكدوا حرصهم الشديد على إعادة تفعيل البرنامج".
وأضاف قائلاً: "إن نهج العمل الأول لدينا سوف يعتمد على تقييم الأضرار التي نجمت أثناء اندلاع الثورة".
ويهدف هذا المشروع، الذي جرى إطلاقه في عام 2008، إلى تطوير قدرات ليبيا في مجال البحوث الزراعية. ومن خلال الميزانية ـ التي تقدر قيمتها بـ31 مليون دولار أمريكي، والتي خصصتها الحكومة الليبية التي أطيح بها من السلطة لتوفير المعدات والخدمات اللوجستية للمشروع ـ أقام الباحثون خمس محطات بحثية في أنحاء البلاد، تلائم مختلف ظروف المناخ.
وقال فوزي الدومي، منسق البرنامج التعاوني بين المركز الليبي للبحوث الزراعية، وبرنامج (إيكاردا): "إن السبب وراء إطلاق هذا المشروع هو تعزيز الدور المركزي الذي يمكن أن يلعبه تطوير البحوث الزراعية والثروة الحيوانية في تنمية ليبيا". وأضاف قائلاً: "وإن أولويتنا الأكبر في ليبيا كانت تطوير قدراتنا البحثية".
وقال الصلح: "لكن أهم شيء بالنسبة لنا الآن هو ألا يفوتنا الموسم الزراعي. وهذا هو السبب في أننا أرسلنا إليهم سلالات جديدة من البذور عبر تونس المجاورة؛ حتى يتسنى لنا الزراعة في الوقت المناسب هذا الموسم".
ومن خلال هذا البرنامج، أرسلت (إيكاردا) إلى مراكز البحوث الليبية سلالات جديدة من القمح اللين، والقمح الصلب، والشعير، والبقوليات الغذائية، والعدس، والحمص، والعلف. ومن ثم يقوم الباحثون الليبيون بزراعة هذه الأصناف، ومراقبة محصولها ومقاومتها للأمراض المحلية، والملوحة، والجفاف؛ من أجل تكييفها لتلبية احتياجات ليبيا؛ وتحسين إنتاجية المحاصيل.
وأوضح الدومي: "وجدنا طفيليات وديدان في الأراضي الزراعية، وقمنا بتحليل جيناتها؛ من أجل فَهْم أفضل لمدى تأثيرها على النباتات والحيوانات لدينا. وعمل علماؤنا المحليون مع (إيكاردا)، التي لديها تاريخ طويل في هذا النوع من العمل الميداني".
وتابع الصلح، قائلاً: "أولويتنا الثانية هي الإدارة المستدامة لموارد المياه في الزراعة البعلية ـ المُعتمِدة على مياه الأمطار ـ والمناطق المَرْوِيَّة، وكذلك التعامل مع المزارع والمراعي. وبالإضافة إلى ذلك.. تم توجيه جزء كبير من برنامجنا نحو بناء القدرات، وقدمنا 18 شهادة ماجستير، و6 شهادات دكتوراه في مجال التكنولوجيا الحيوية، وإدارة المياه، والثروة الحيوانية وإدارة المراعي".
الثورة
معظم العلماء في ليبيا اقتربوا من سن التقاعد، ولذلك.. هناك حاجة كبيرة للاستثمار في المواهب الشابة
بعد فترة وجيزة من بدء الاضطرابات في مدينة بنغازي في شرق ليبيا في فبراير/ شباط 2011، واجه البرنامج مصاعب متعددة.
وقال الدومي: "توقفت كافة أنشطتنا مع انتشار أعمال القتال، وتوقف التمويل الذي تلقيناه من الحكومة؛ مما أدى إلى توقف كل شيء".
لم يكن لدى (إيكاردا) أي علماء في ليبيا وقت اندلاع أعمال العنف. ولذا.. لم تكن هناك حاجة إلى إجلاء موظفيها. ومع ذلك.. كان العلماء الليبيون العاملون في البرنامج يتعرضون لضغط متزايد مع التدهور الأمني.
وقال محمد المريد، المنسق الإقليمي لشمال أفريقيا في (إيكاردا): "لم يُعَلَّقْ العمل في جميع محطات الأبحاث لدينا، فالعلماء في محطة بنغازي ـ على سبيل المثال ـ كانوا في غاية الشجاعة؛ وواصلوا العمل خلال تأجج الثورة، خاصة أن الأمور كانت أكثر هدوءًا في الشرق، لأنه تحرَّرَ أولاً". وأضاف قائلاً: "في غرب البلاد، خاطَرَ العلماءُ بالفعل بحياتهم يوميًّا، حينما واصلوا العمل حتى شهر أغسطس/ آب، حينما أصبح من المستحيل بعد ذلك البقاء في المحطات".
والآن يقوم فريق مركز البحوث الزراعية بتقييم مدى الأضرار التي لحقت بالبحوث. وقال المريد: "من الانطباعات الأولى، تبيَّنَ أن حوالي 90-95٪ من المعدات آمنة وسليمة. أما عن المحطات، فقد كانت هناك محطة واحدة فقط في المنطقة الشرقية بها بعض المشاكل" . واستُخدمت تلك المحطة ـ تحديدًا ـ كقاعدة للثوار خلال قتالهم ضد القوات الموالية للقذافي".
وتابع المريد قائلاً: "بمجرد إنجاز هذا التقييم، سنرى ـ جنبًا إلى جنب مع شركائنا في ليبيا ـ كيف يمكننا استئناف أبحاثنا، بينما نظل واقعيين وعمليين".
ومع ذلك.. فان البذور التي زُرعت بالفعل في العام الماضي ربما لا تكون قد بقيت على حالها، دون تعرضها لأضرار. وتشير التقديرات إلى أن ما يزيد قليلاً على نصف البذور قد تم حصدها وتخزينها بشكل سليم، من أجل البحوث.
وقال المريد: "يعني هذا أنه من المحتمل أنْ نكون قد فقدنا مقدار عام كامل من البيانات التي كان يمكن أنْ تُجْمَع فيه. وهذا سيجعل النتائج أقل دقة ونفعًا".
تغيير الحكومة
في حين أن كلاَ من الباحثين الليبيين وباحثي (إيكاردا) حريصون على استئناف عملياتهم، قال الدومي إن مستقبل البرنامج يتوقف على دعم الحكومة المؤقتة الجديدة في ليبيا.
وأوضح أنه "ليست هناك وعود من أي شخص حتى الآن على أن هذا الاتفاق سيستمر، وكل ما يمكننا القيام به في مركز البحوث الزراعية الآن هو تقديم محفظة جيدة عما حققناه، وما نطمح إلى تحقيقه في المستقبل".
وقال الصلح: "لديَّ شعورٌ بأنه إذا كانت الحكومة الجديدة ممثِّلةً حقًّا للشعب؛ فستقوم حينئذ بدعم الاتفاق".
وأعرب الصلح أيضًا عن تفاؤله بأن (إيكاردا) يمكن أن تساعد في تدريب جيل جديد من العلماء؛ لتعزيز قدرات ليبيا في مجال البحوث الزراعية. وقال إن "معظم العلماء في ليبيا اقتربوا من سن التقاعد، ولذلك.. هناك حاجة كبيرة للاستثمار في المواهب الشابة".
وأضاف المريد قائلاً: "نأمل أنْ تأتي هذه الثورة بجيل جديد من العلماء، وتسد هذه الفجوة مع الأجيال الأكبر سنًّا؛ لبناء مستقبل ليبيا في السنوات الخمس إلى العشر المقبلة".
واختتم المريد حديثه قائلاً: "أعمل مع الليبيين منذ عام 1995. وقد سعدتُ بأنْ التقيتُ بعلماء حصلوا على تعليم جيد بصورة استثنائية، وساعدونا من وراء الكواليس. وإذا كانت (إيكاردا) قد نجحت في ليبيا في الماضي، فإن ذلك كان بسبب دعم هؤلاء العلماء. وهؤلاء الأشخاص هم الذين سنواصل الاعتماد عليهم في المستقبل".
تواصل معنا: