يرى إحسان مسعود أن الأكاديميين الإسلاميين اكتسبوا نفوذًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن بناء العلم بحاجة إلى إسهامات الليبراليين.
إحسان مسعود
بالعودة إلى عام 2006، وجدتُ أنني كتبتُ مقالاً لمجلة "نيتشر Nature " عن الشكل الذي قد تصبح عليه سياسة الإسلاميين بشأن العلم، وكان هذا ضمن عدد خاص عن الإسلام والعلم، تحت عنوان: "هل يجب أن يظل العالم الإسلامي ضعيفاً من ناحية العلم".
وتساءلتُ في هذا العدد.. هل من المتصوَّر أن تتحسن بيئة العلم، إذا انتخَبَتْ دولٌ كثيرةٌ أطباءَ وعلماءَ إسلاميين كأعضاء في البرلمان أو رؤساء؟ يميل الإسلاميون إلى أن يكونوا ليبراليين من الناحية الاقتصادية، لكنهم متشددون في القضايا الاجتماعية، وهم ـ في أغلب الأحيان ـ متعنِّتون في آرائهم عند أي صِدَام بين المعتقَد والعقل. إذن، ما هو موقف الحكومة الإسلامية إزاء حرية التفكير والتعاون الدولي في مجال العلم؟
في الأسابيع الأخيرة، أعاد مستخدمون على موقع "تويتر" الاجتماعي على الإنترنت وآخرون يتابعون أو ينخرطون في موجة الثورات العربية على مدى العامين الماضيين، أعادوا اكتشاف مقالي ووجهوا إليَّ سؤالاً حول تأثير التغيرات السياسية. وتساءلوا ـ على سبيل المثال ـ عمّا يلي.. إلى أي مدى يمكن أن تكون الأحزاب السياسية الإسلامية مستبدة، ورافضة للتسامح مع المعارضة؟.
إن الوقت مناسب الآن لإعادة النظر في هذه القضية، وعرض تحديث موجز بشأنها. لقد تَوَلَّتْ حكومات تابعة لمنظمة الوحدة العربية الإسلامية، ولتنظيم الإخوان المسلمين ـ المنتشر في عموم العالم العربي ـ السلطة في كل من تونس، والمغرب، و تبوَّأوا في يونيو/حزيران الماضي في مصر أعلى منصب على الإطلاق بينها جميعًا، وهو منصب رئيس الجمهورية.
قبل خمس سنوات، أبلغني كمال الهلباوي ـ الذي كان منسقًا لجماعة الإخوان المسلمين في أوروبا (حيث كانت الجماعة محظورة في مصر خلال معظم فترات وجودها منذ نشأتها) ـ بأن سياسة الإسلاميين بشأن العلم ستكون لها ثلاثة أهداف، وهي دعم الدفاع والأمن القومي، وضمان جودة الحياة، "وإثبات" إعجاز الدين الإسلامي. وهذا اختصار لقرون من العلم في ثلاث نقاط خاطفة. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن.. إلى أي مدى سيضطر الإسلاميون إلى تغيير هذا التوجه، بعد أن تخلوا عن الاحتجاجات من أجل السلطة؟ وماذا سيعني ذلك بالنسبة إلى التوقعات الراهنة بشأن العلم في هذه الدول؟
توقَّع العدد الخاص من "نيتشر Nature " في عام 2006 أن الأكثرية من الحكومات الإسلامية ـ على الأرجح ـ ستتولى السلطة بعد انتخابات حرة، وهو أمرٌ كان القليلون من صُنّاع السياسة الغربيين مستعدين للقبول به. وبالرغم من أن السياسيين الغربيين كانوا على دراية بذلك، إلا أنهم لم يصرحوا به علنًا. والخطأ الذي وقع فيه كاتبو المقال كان الاعتقاد بأن الحكومات الإسلامية ستعوق وتمنع التعاون العلمي، ولكن لحسن الحظ، لا يوجد دليلٌ يُذكَر على ذلك حتى الآن، بل إنَّ التعاون الدولي في مجال العلوم قد يتزايد.
تَرُدّ منظمات ـ مثل المجلس الثقافي البريطاني، والمفوضية الأوروبية، التي تموِّل بالفعل التعاون البحثي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ـ على تساؤلات واردة من ليبيا، والمغرب، وتونس، بشأن كيفية تحديث الأبحاث والتعليم العالي.
الأكاديميين الذين صنعواالثورات يحتاجون أن يثابروا في اللعبة السياسية.
قد يعتمد مستقبل العلاقات العلمية للولايات المتحدة مع الدول الإسلامية، الذي تَعَزَّزَ في بادئ الأمر في عام 2009 بتعيين مبعوثيين للعلم، على سياسة الفائز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام، وعلى مدى تطور الحكومات الإسلامية في مرحلة ما بعد الثورات.
يبدو أن مصر ـ على سبيل المثال ـ تسير على خطى مقترحات الهلباوي، بشأن سياسة العلم. ويركِّز الرئيس المصري محمد مرسي، أستاذ الهندسة السابق في جامعة الزقازيق بمصر، والذي تدرَّب في الولايات المتحدة، على هدف "جودة الحياة"، حيث طالب وزارة البحث العلمي بإعادة إحياء الأبحاث، وتطبيقها؛ لمعالجة مشاكل حضرية، مثل سوء الصرف الصحي، وتلوث الغلاف الجوي، والازدحام المروري.
الأمر الآخر الذي أخطأت فيه "نيتشر Nature " في عام 2006 كان افتراض أن الحكومات الإسلامية لن تكون لديها نزعة إيجابية تُذْكَر إزاء الحريات، أو التسامح معها. وافترض المقال بأنه لن تكون هناك مساحة تُذْكَر لحرية التفكير، أو عدم وجود حرية على الإطلاق للتفكير والتحدث وتوجيه تساؤلات عن أصحاب السلطة، وهي عناصر مهمة وجوهرية لنجاح العلم.
لا يبدو هذا هو الوضع الآن، بالنظر إلى ما شاهدته في جولات بمصر والمغرب.
في أبريل/ نيسان شاركتُ في ندوة بالإسكندرية عن مستقبل سياسة العلم في مصر، وكان من بين المتحدثين مساعد وزير الدولة للبحث العلمي من القاهرة، لكن مكانة الوزير (والسلطة التي ينطوي عليها هذا المنصب) لم ترهب جمهور الحاضرين من العلماء والطلاب الذين كان يبلغ عددهم 200 شخص، أعمار معظمهم أقل من 30 عامًا.
امتلأت الغرفة ضجيجًا، وسط حالة من السخط، حيث بدأ متحدثٌ بعد الآخر في الصعود إلى المنصة والإمساك بمكبر الصوت؛ لمهاجمة الوزير، قائلين: "كيف لا تزال تحتفظ بمنصب؟، ما هو مرتبك؟ أريد أن أحصل على شهادة الدكتوراة.. ماذا ستفعل من أجل تحسين مستقبلي الوظيفي؟
قبل سنوات قليلة، كان من الممكن أن يؤدي هذا الحدث إلى اعتقالات وتعذيب، لكن الأمور تغيرت الآن تمامًا. اضطر الوزير ـ حينها ـ إلى التصرف على أنه خادم للشعب، وحاول الرد على الأسئلة. لم يكن الوزير سياسيًّا إسلاميًّا، لكن رؤساءه المنتخبين إسلاميون، ويبدو أنهم (حتى الآن) على استعداد لإتاحة المجال للشباب في مصر لتوجيه الأسئلة لأي شخص في السلطة.
إنًّ هذا الأمر قد لا يستمر، فالحركات الإسلامية تميل بطبيعتها إلى أن تكون مستبدة، وبمجرد أن يرى الإسلاميون أنهم ليسوا بحاجة إلى أبناء الجيل الأول من الثوريين، فإنهم قد يتحولون إلى هذا النمط.
ولمنع حدوث ذلك، أو تأجيله، فإن الأكاديميين وغيرهم من النشطاء السياسيين الذين كانوا المحرك الرئيسي للثورات سيحتاجون إلى أن يظلوا جزءًا من اللعبة السياسية. وهناك مخاوف من رجوع هؤلاء المستاءين من بطء وتيرة التغيير إلى وظائفهم اليومية، وتَرْكِهِم الساحة السياسية خالية للإسلاميين الأفضل تنظيمًا.
وإذا كان الإسلاميون متمسكين بالفعل بتحقيق الاستفادة القصوى من المعرفة المتاحة لبناء بلدانهم، فإنهم قد يتعلمون الكثير من الأخطاء التي حدثت في إيران، وباكستان، والمملكة العربية السعودية، وتركيا، وأماكن أخرى، وربما الأهم من ذلك كله أنه يجب عليهم أن يُوْلُوا أهمية للقيمة التي يمثلها تكوين علاقات مع أولئك المواطنين الذين لا يكونون جزءًا من صفوف الإسلاميين المتدينين.
تواصل معنا: