باحثون يُوَثِّقُون فترات جفاف في الشرق الأوسط من أحفورية الطَّلْع والفحم الحجري من منطقة دلتا النيل في مصر.
رحاب عبد المحسن
من خلال تقشير طبقات رواسب مدفونة تحت منطقة دلتا النيل في مصر، تَتَبَّع باحثون تاريخ حالات الجفاف في المنطقة، ومن بينها حالة جفاف كبير حدث قبل 4200 عام، ربما كان السبب في زوال المملكة القديمة في مصر القديمة.
جَمع جان دانيال ستانلي ـ عالِم محيطات من مؤسسة سميثسونيان في واشنطن العاصمة ـ أكثر من 70 عَيِّنَة جوفية من الرواسب من دلتا النيل خلال الثمانينات والتسعينات، يعود تاريخها إلى 7000 عام.
ويقول ستانلي: "قمنا بعمل عينات فرعية (من العينات الجوفية) للطَّلْع، وبقايا الفحم الحجري بالغ الصغر، والكربون المشع".
وحلل الباحثون بعد ذلك الطَّلْع القديم، وبقايا الفحم المطمورة داخل هذه العينات. وكان من المتوقع أن يعكس الطَّلْع فترات موجات الجفاف، في حين سيكون الفحم مؤشرًا على الحرائق التي تصبح أكثر شيوعًا خلال فترات الجفاف.
وأضاف كريستوفر برنهارد ـ وهو عالم جيولوجي في معهد المسح الجيولوجي الأمريكي، ومقره في فيلادلفيا، والمشرف على البحث ـ أن "الأبحاث التي تستند إلى سجلات ـ مثل الرواسب والنظائر ـ تُظْهِر أنه كانت هناك تغييرات كبيرة في هطول الأمطار، والهيدرولوجيا خلال [عهد] الهولوسين . كنا حريصين على معرفة ما إذا كانت هذه التغييرات في هطول الأمطار على النيل قد أثرت على الغطاء النباتي في منطقة الدلتا".
لقد أضعفت التغيرات المناخية ـ التي تقلل من معدَّل سقوط الأمطار في الهضبة الإثيوبية ـ من قوة النيل باستمرار. وأوضح برنهارد قائلاً: "يتم تسجيل هذه الحالات التي يكون فيها التدفق منخفضًا هنا من خلال التغيرات في تجمعات الطَّلْع بدلتا النيل، ويتم التعبير بصورة رئيسية عن هذا التقلب في سجل الطَّلْع في صورة انخفاض في الطَّلْع، وزيادة في الفحم بالغ الصغر".
قد حدث تزامن لثلاث من أربع فترات شهدت انخفاضًا في الطَّلْع مع حالات جفاف سُجِّلت أَثَرِيًّا وتاريخيًّا. ويرى الباحثون أن أقدم هذه الموجات من الجفاف ـ التي وقعت قبل خمسة آلاف عام ـ ربما أدت إلى توحيد مصر العليا والسفلى، وسقوط مملكة أوروك في العراق في العصر الحديث. وقد يكون الجفاف المفاجئ الكبير الذي وقع قبل 4200 عام أدى إلى انهيار المملكة القديمة في مصر. وتابع برنهارد بقوله: "استمرت استجابة النباتات لفترة أطول بكثير، مقارنةً بغيرها مما هو موضح في السجلات الجيولوجية الأخرى لهذا الجفاف، مما يدل على أنه ربما كان هناك تأثير مستمر على نباتات الدلتا وحوض النيل".
أثرت موجة الجفاف الثالثة ـ التي وقعت قبل ثلاثة آلاف عام ـ على شرق البحر الأبيض المتوسط، وكانت لها صلة بالمجاعات التي ضربت المملكتان السورية والبابلية. ويقول وحيد مفضل ـ الباحث بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد في الإسكندرية بمصر ـ إن "المؤرِّخين سجَّلوا وقوع جفاف كبير في هذه الحقبة، لكن هذه الدراسة العلمية أضافت المزيد من المصداقية على الروايات التاريخية".
أضاف: "على الرغم من أن الباحثين لم يستخدموا تقنية جديدة، فمن المثير للاهتمام أن هذه الدراسة تؤكد صحة وقائع تاريخية، وتحدد تواريخ أكثر دقة لحالات الجفاف".
في عام 2002، أجرى الباحثون في جامعة أمستردام أبحاثًا مماثلة في جنوب المكسيك؛ وتوصلوا إلى أنه كان هناك انخفاض مفاجئ في الطَّلْع، يشير إلى حدوث جفاف سريع للمناخ، يتزامن مع سقوط حضارة المايا.
ويختتم ستانلي حديثه قائلاً: "لا بد أن ندرس الماضي؛ من أجل التخطيط للمستقبل. ومن خلال إجراء مثل هذه الدراسات يمكن للعلماء التنبؤ بمدى تأثير جفافٍ مماثِلٍ قد يحدث مستقبلاً".
doi:10.1038/nmiddleeast.2012.147
Bernhardt, C. et al. Nile delta response to Holocene climate variability. Geology 40:7, 615-618 (2012) doi:10.1130/G33012.1
Berrio, J. et al. Late-glacial and Holocene history of the dry forest area in the south Colombian Cauca Valley. Journal of Quaternary Science 17(7) 667-682 (2002) doi:10.1002/jqs.701
تواصل معنا: