الإصغاء إلى التاريخ: كيف يمكن أن تساعد الفترةُ الأولى من حياة سمكةٍ في تحديدِ مستقبلها
نشرت بتاريخ 5 نوفمبر 2012
تحليل عِظام الأُذُن؛ لتتبُّع رحلة السَّمَك من سن الحداثة إلى البلوغ يتيح فرصًا جديدة لوسائل فعَّالة لحماية الحياة البحرية.
أندرو بوسون
تشير دراسة حديثة إلى أن فَهْم تحركات السَّمَك أثناء نُمُوِّه، حتى مرحلة البلوغ؛ يمكن أن يساعد العلماءَ في تحديد وإدارة المَوَائِل الهَشَّة التي يعتمد عليها السَّمَك في أوائل مراحله العُمْريّة.
وقد فحص الباحثون هياكل الأُذُن الداخلية ـ أو الحُصَيَّات السَّمْعِيَّة ـ لسمك النَّهّاش في البحر الأحمر؛ لتحديد نظامه الغذائي خلال المراحل الأولى من عمره. ووجد العلماء أن الحُصَيَّات السَّمْعِيَّة تحتوي على كميات صغيرة من البروتينات، وأحماض أمينية، تمَّ تحليلها بواسطة الباحثين باستخدام تقنية تسمى (الاسْتِشْراب الغازِيّ)، التي يمكنها أن تكشف نسبة الأحماض الأمينية المختلفة عن النظام الغذائي للسَّمَك أثناء نموه.
يقول كيلتون ماكماهون، وهو عالم في الأحياء البحرية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST)، والمشرف الرئيسي على الدراسة إن "البيئات البحرية الاستوائية، وأشجار المنجروف، والحشائش البحرية، والشِّعاب المرجانيّة لها جميعًا توقيعات نظائر مختلفة، تشبه العناوين الكيميائية".
وأضاف قائلاً: "وقد تمّ تسجيل تلك التوقيعات الفريدة في الحُصَيّات السَّمعِيَّة للسَّمَك، بينما يعيش السَّمَك ويتغذى في تلك الموائل".
وتتشكَّل الحُصَيّات السَّمعِيَّة للسَّمَك من ترسب كربونات الكالسيوم على شكل طبقات أثناء نمو السَّمَك، على غرار تشكيل حلقات في شجرة. وتوضح آثار النظام الغذائي للسَّمَك، الموجودة في الحُصَيّات السَّمعِيَّة عُمْر العَيِّنَة حينما أقامت في بيئة معيَّنة. إنَّ تحديد وحماية الموائل السمكية، حيث يتناول السَّمَك غذاءه خلال المراحل المبكرة من عمره يزيد من احتمال أنْ يزدهر نَسْله في وقت لاحق.
وأوضح سيمون ثورولد من معهد وودز هول لعلوم المحيطات (WHOI)، وأحد المشاركين في الدراسة التي نُشرت في مجلة PNAS أنَّ "الحفاظ على الحياة البحرية (بالكامل) أمرٌ بالغ الأهمية، بدلاً من مجرد حماية الشِّعاب المرجانية الموجودة في أعماق البيئة البحرية وحدها".
دَرَسَ الفريقُ سمك إيهرينبيرج النهاش (Lutjanus ehrenbergii)، وهو نوع من السَّمَك المشهور وذي الأهمية التجارية في منطقة المحيط الهادئ الهندية الغربية، متضمِّنَةً البحر الأحمر.
ورغم أنه من المعروف أن سمك النهاش خلال الفترة الأولى من حياته يعتمد على أماكن معينة للحصول على الغذاء والمأوى، مثل أشجار المنغروف الساحلية، يقول ماكماهون إن الدراسات تُظْهِر أن أعدادًا كبيرة من سمك إيهرينبيرج النهاش البالغة من الشِّعاب البحرية للمملكة العربية السعودية تأتي من موائل حاضنة قريبة وأخرى بعيدة.
وتابع قائلاً: "إننا لا نعرف حتى الآن كيف يمكن لهذا النوع من السَّمَك القيام برحلات الهجرة هذه، ولمسافات طويلة، ولا السبب في تلك الهجرات، ولكن نستطيع القول إنه ربما كانت تقديراتنا ضعيفة عن قدرات الهجرة لصِغار سَمَك الشِّعاب المرجانية. وهذا الأمر له انعكاسات مهمّة على التواصل بين السكّان في فسيفساء الموائل المعقَّدة للنُّظم الإيكولوجية للشِّعاب المرجانيّة."
وتعني المسافات الطويلة التي يقطعها سَمَك النهاش البالِغ أن الإدارة السليمة تتطلب ليس فقط حماية الشِّعاب المرجانية الأساسية والموائل الحاضنة، ولكنْ أيضًا الممرّات التي يهاجر عبرها السَّمَك. ويقوم مايكل بيرومين ـ وهو باحث في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، والمؤلف الثالث لهذه الدراسة ـ بدراسة وتتبُّع أعداد من السَّمَك، ملحق به أجهزة تردُّد صوتي؛ لمتابعة تحركاته، وتسجيل المسارات التي يقطعها تحت الماء.
وقال ثورولد: "ليس لدينا دليل على أن السَّمَك من موائل معينة للصِّغَار يبقى معًا بمجرد وصوله إلى الشعاب. وليست لدينا بيانات كافية حتى الآن؛ للإجابة على أسئلة تتعلق بالناحية السلوكية".
وتمثِّل مخاطِر انقراض موائل أسماك النهاش تهديدًا لمصدر مهمّ من مصادر الغذاء للإنسان. كما يؤثر الصيد الجائِر، والتلوث، والسياحة، وأنشطة التنقيب والبناء على جميع أفراد العالم المترابط تحت سطح البحر. هذا.. ولا تزال الشِّعاب المرجانيّة في المملكة العربية السعودية بعيدة نسبيًّا عن هذه المخاطر، ولكنْ بدأت تظهر علامات تدلّ على تهديدات للحياة البحرية؛ حيث بدأ ينتشر ـ على نطاق واسع ـ صيدُ السَّمَك المفترس كبير الحجم في هذه الشِّعاب، وبدأت تزداد مزارِع الروبيان.
واختتم ماكماهون حديثه قائلاً إن "البحر الأحمر يدعم نمو مصائد السَّمَك، التي توفِّر قدرًا كبيرًا من الغذاء والدَّخْل للسكان المحليِّين. ومن أجل الحفاظ على هذه الصناعة، وحماية الشِّعاب المرجانيّة الخلّابة في البحر الأحمر، يجب علينا أن نفهم الآليّات الضِّمنيَّة التي تدعم مثل هذه النُّظُم الإنتاجيّة والمتنوِّعَة".
doi:10.1038/nmiddleeast.2012.153
McMahon, K. et al. Linking habitat mosaics and connectivity in a coral reef seascape. PNAS doi:10.1073/pnas.1206378109
تواصل معنا: