أخبار

الجامعات تحت المجهر: مؤشر جديد يرصد انتهاكات نزاهة البحث العلمي

نشرت بتاريخ 2 يوليو 2025

أداة تقييم جديدة قائمة على مؤشرات مرتبطة بجودة البحث العلمي قد تسهم في الحد من سوء استخدام المؤسسات لمعايير التصنيف التقليدية.

ميريام ندّاف

من الصعوبة بمكان رصد انتهاكات نزاهة البحث العلمي على المستوى المؤسسي باستخدام المؤشرات التقليدية.

من الصعوبة بمكان رصد انتهاكات نزاهة البحث العلمي على المستوى المؤسسي باستخدام المؤشرات التقليدية.
Credit: SusanneB/Getty

يشير الباحثون إلى نهج لتقييم الجامعات يسلط الضوء على "مخالفات" النزاهة البحثية، ومن شأنه أن يرصد المؤسسات التي تسعى وراء استيفاء المؤشرات التقليدية لحركة النشر العلمي على حساب إجراء الأبحاث المحكمة.

هذا النهج، الذي يُسمى «مؤشر الإنذار بارتكاب مخالفات النزاهة البحثية» Research Integrity Risk Index - والذي ورد في مسوّدة بحثية نُشرت في شهر مايو الماضي1 على خادم «آركايف» arXiv - يصنف المؤسسات الأكاديمية تبعًا لعدد أوراقها البحثية المسحوبة، وعدد أبحاثها المنشورة في دوريات مشطوبة من قواعد البيانات الأكاديمية، مثل «سكوبس» Scopus و«ويب أوف ساينس» Web of Science. يقول الباحثون إن هذا المؤشر الجديد من شأنه أن يحسّن نظم تصنيف الجامعات التي تقدم الكَمّ على الكيف في الوقت الراهن.

من جانبه يقول لوكمان ميهو، اختصاصي علم المعلومات بالجامعة الأمريكية ببيروت: "تبغي الجامعات أن تتبدى كنجوم متألقة في سماء البحث العلمي"؛ ولكنه يستدرك: "ليس من السهل دائمًا التمييز بين من يتألق بناء على أرض صلبة وأسس راسخة، ومن يلمع بسبب إحصاءات واهية". ويضيف موضحًا أنه ابتكر المؤشر بهدف المساعدة على فرز "الجهات التي قد يُضحّى فيها بالنزاهة العلمية تحت وطأة السعي المحموم وراء تعظيم المؤشرات" مثل معدلات النشر. ويشدد على أن أداته لا ترمي إلى الكشف عن الممارسات البحثية المشبوهة، "وإنما إلى تسليط الضوء على مواطن الضعف التي تستوجب مزيدًا من التمحيص والمراجعة".

ويصف أتشل أجروال - المتخصص في علم البيانات بمدينة ريبور الهندية، ومؤسس مجموعة على الإنترنت تضم باحثين وطلابًا مهتمين بتسليط الضوء على قضايا النزاهة، تحت اسم «إنديا ريسرتش ووتش» - المؤشر بأنه "خطوة أولى رائعة"، "وعلى الوكالات المعنية بالتصنيف اعتماده". ومن جانبها، تقول كيران شارما، المتخصصة بعلم البيانات بجامعة بي إم إل منجال في مدينة جوروجرام الهندية: "تمثل هذه الأداة تقويمًا جوهريًّا، في وقته، لمسار نظام لطالما كان يكيل التميز البحثي بالكم البحت". وتضيف قائلةً: "إنها تحيل التركيز من الكم إلى السلامة والنزاهة البحثية؛ ما يساهم في إعادة توجيه الحوافز الأكاديمية لتتماشى مع القيمة البحثية الحقيقية".

إعادة النظر في معايير التصنيفات

عادةً ما تعتمد التصنيفات العالمية للجامعات على تتبع عدد الأوراق البحثية التي تنشرها المؤسسة وعدد مرات الاستشهاد بها. يرى ميهو أن هذه النوعية من "البيانات التي تبدو إيجابية" يمكن أن تكون مضللة، وأن بعض المؤسسات تسيء استخدامها لتتسلق سلم التصنيفات. ويقول: "آثرتُ أن أسلك الطريق المؤدية إلى النزاهة البحثية".

يرتب مؤشر ميهو الجامعات على حسب نسبة الأوراق البحثية المنشورة في دوريات مشطوبة من قواعد البيانات الأكاديمية، وعدد مرات سحب أوراقها خلال العامَين المنصرمَين. ويلفتُ إلى أنه اختار هذين المعيارين لأنهما يحتكمان إلى "الموضوعية"، ويستندان إلى بيانات متاحة للكافة، ومع ذلك لم يتوانَ ميهو عن استكشاف طرق أخرى لقياس حجم المشكلات المتعلقة بالنزاهة، مثل وجود مؤلفِين غزيرِي الإنتاج، أو تراجع في نسبة الأوراق البحثية التي يُدرج فيها باحثو المؤسسة على أنهم مؤلفون أوائل أو مراسلون، ما قد يعني ضمنًا مشاركةً فعليةً ضحلةً في البحوث. يصنف «مؤشر الإنذار بارتكاب مخالفات النزاهة البحثية» المؤسسات إلى خمس فئات، تبدأ من "خطر منخفض" وتصل إلى فئة "خطر جسيم"، التي تشير إلى ارتفاع ملحوظ في مؤشرَي سحب الأوراق العلمية، والنشر في الدوريات المشطوبة، ما يستدعي إخضاع المؤسسة لمراجعة عاجلة.

أثناء تطويره للمؤشر، أجرى ميهو تحليلًا شمل 18 مؤسسة في المملكة العربية السعودية، والهند، ولبنان، والإمارات العربية المتحدة، كانت قد شهدت "نموًا هائلًا في حركة النشر"، وارتقت سريعًا سلم التصنيفات الدولية خلال السنوات القليلة الماضية.

من ذلك مثلًا، شهدت الجامعة اللبنانية الأمريكية (LAU) في بيروت زيادة بنسبة 908% في عدد المنشورات الصادرة عن باحثيها في الفترة بين عامَي 2018 و2019، وبين 2023 و2024، وهي زيادة تفوق بكثير متوسط الزيادة البالغ 17% عبر سائر المؤسسات الأكاديمية اللبنانية. غير أن عددًا معتبرًا من هذه المنشورات إما سُحب أو نُشر في دوريات مشطوبة، ما منح الجامعة تقييمًا ضمن فئة "الخطر الجسيم" على «مؤشر الإنذار بارتكاب مخالفات النزاهة البحثية»، بحسب ما خلص إليه التحليل. وخلال الفترة الزمنية نفسها، تراجع معدل تولي باحثي الجامعة دور المؤلف الأول تراجعًا حادًا، من 57% إلى 18%. وتلفِتُ المسوّدة البحثية إلى أن أرقامًا من هذا القبيل حري بها أن تنبّه الجامعة - وسواها من المؤسسات المشمولة بالتحليل - إلى التدقيق في الأوراق البحثية التي ينشرها باحثوها.

نمو سريع

في معرض حديثه مع دورية Nature، أوضح متحدث رسمي باسم الجامعة أن من بين أسباب الزيادة الهائلة في عدد المنشورات البحثية، برنامجًا تجريبيًّا أطلقته الجامعة عام 2022 لدعم 130 باحثًا. وأما ارتفاع معدلات سحب الأوراق البحثية والنشر في دوريات مشطوبة، "فقد تزامن مع فترة من النمو السريع في الإنتاج البحثي"، في حين تُعزى "التغييرات في أدوار المؤلفين الأوائل والمراسلين إلى التوسع في التعاونات البحثية".

وتتفق الجامعة على أن وضع تقييم للنزاهة البحثية فكرة جيدة من حيث المبدأ؛ لكنها ترى أن «مؤشر الإنذار بارتكاب مخالفات النزاهة البحثية» الوراد في المسوّدة البحثية يفتقر إلى السياق المؤسسي ويعوّل على افتراضات مُعمّمة، لا تأخذ في الحسبان ظروف كل مؤسسة.

ثم هناك مؤسسة أخرى مشمولة في التحليل هي جامعة الملك سعود (KSU) بالرياض، التي نشرت وحدها 986 ورقة بحثية في دوريات مشطوبة، في الفترة بين عامَي 2023-2024؛ ما وضعها في المرتبة الثانية عالميًّا من حيث معدل النشر في هذه الدوريات. وذلك إلى جانب كونها من بين المؤسسات التي شهدت أعلى معدلات سحب للأوراق العلمية على مستوى العالم خلال العقد المنصرم، وفقًا لتحليل نشرته دورية Nature هذا العام. ولم تستجب جامعة الملك سعود لطلب فريق أخبار دورية Nature بالتعليق على الأمر.

وجدير بالذكر أن كلًّا من الجامعة اللبنانية الأمريكية وجامعة الملك سعود قد صُنفتَا ضمن أفضل 300 جامعة في التصنيف العالمي للجامعات لعام 2025، الصادر عن مجلة تايمز للتعليم العالي (THE)، التي تتخذ من لندن مقرًا لها، والتي لا تأخذ حاليًّا في حسبانها معدلات سحب الأوراق البحثية. ويقول متحدث باسم المجلة إنها تعتمد مجموعة من المؤشرات لتصنيف الجامعات، من بينها ما يُعنى بتقييم جودة الأوراق البحثية، ولا يسمح "لأي ممارسات اقتباس مشبوهة بالتأثير على النتائج النهائية للتقييم". فيضيف قائلًا: "تخضع مؤشراتنا للمراجعة والفحص المستمرَّين. كما نزيل الأبحاث المنشورة في الدوريات المشطوبة من تحليلاتنا".

هذه ترجمة المقال الإنجليزي المنشور بمجلة Natureبتاريخ 06 يونيو 2025.

 

doi:10.1038/nmiddleeast.2025.98


1.Meho, L. I. Preprint at arXiv https://doi.org/10.48550/arXiv.2505.06448 (2025).