نشرت بتاريخ 18 مارس 2012
في عام 1990، كان الأفق الصحراوي لمدينة دبي منبسطًا، ومعدلات الأمية مرتفعة، في حين كان معدل انتشار مرض السكري متواضعًا بنسبة 6 في المائة. ولم تكن قد ظهرت حينها الآثار الجيدة والسيئة للثروة النفطية. أما اليوم، فقد ارتفعت ناطحات السحاب الأنيقة في أفق سماء المدينة، ومن أبرزها برج خليفة الأطول في العالم، بارتفاع يصل إلى 830 مترًا. وقد ارتفعت مع هذه الطفرة المعمارية معدلات التعليم بأكثر من 90%، بفضل السياسات المستنيرة للأسر الحاكمة في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ولسوء الطالع، ونظرًا إلى أن مواطني هذه الدولة الاتحادية ارتضوا بأنماط حياةٍ يسودها الاسترخاء وقلة النشاط بصورة كبيرة؛ فقد انتشرت أيضًا ـ تبعًا لذلك ـ معدلات الإصابة بمرض السكري إلى ما يزيد على 20٪.
كان هذا هو أحد الأسباب التي جعلت وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، الذي كان قد أدلى بتصريحات لمجلة نيتشر (Nature) في وقت سابق من هذا الشهر، يرى أن هناك ميزة في انضمام بلاده إلى شبكة البنوك الحيوية الأوروبية، مشروع البنية التحتية لأبحاث موارد البنوك الحيوية والجزيئية (BBMRI).
يقوم مشروع البنية التحتية لأبحاث موارد البنوك الحيوية والجزيئية بجمع وتبادل المعلومات الوراثية الموحدة بشأن السكان المحليين. وهذا المشروع هو مشروع ضخم طويل المدى، يركز على الأمراض المعقدة، التي من بينها السكري، والتي تنجم عن العديد من العوامل الوراثية والبيئية، ويمكن فهمها فقط من خلال دراسة عدد كبير من الناس.
ومن شأن انضمام دولة الإمارات العربية المتحدة إلى هذا المشروع دعم تركيزها على حل مشكلتها الطبية الأساسية، في الوقت الذي تسعى فيه لبناء القدرات العلمية، وفقًا للمعايير الدولية، وهو ما يمثل أحد الأهداف المعلنة للحكومة. ومن جانبه، يحرص مشروع البنية التحتية لأبحاث موارد البنوك الحيوية والجزيئية على إضافة دولة الإمارات وسكانها ـ الذين يمثلون قيمة من الناحية العلمية ـ إلى الشبكة.
وجدير بالذكر أن توفير التمويل اللازم لهذه المبادرة لن يكون سهلاً. تضم دولة الإمارات العربية المتحدة سبع إمارات، كل منها تحكمها عائلة ملكية، وأكبرها هي إمارة أبوظبي من حيث المساحة، وتعتبر أكثرها ثراءً، لكونها تضم معظم حقول النفط في البلاد، في حين أن دبي هي أكبر إمارة من حيث عدد السكان. وتتقاسم العائلتان الحاكمتان لهاتين الإمارتين فيما بينهما الجزء الأكبر من السلطة في الحكومة الاتحادية، التي لديها ميزانية محدودة، تسهم في معظمها أبوظبي.
لقد عرقلت هذه الكوكبة السياسية المعقدة طموح الإمارات لتتحول إلى قوة علمية.. فعلى سبيل المثال، في عام 2008 أنشأت الحكومة الاتحادية مؤسسة الأبحاث الوطنية لدعم وتشجيع البحوث التنافسية. تم تخصيص ميزانية سنوية بقيمة 100 مليون درهم إماراتي (27 مليون دولار أمريكي) لهذه المؤسسة، التي أطلقت دعوات لمراكز تميُّز والباحثين الفرديين. وأقيمت مراسم تهنئة للفائزين ، الذين أختيروا من طريق آلية مراجعة النظراء الدولية، وسط ضجة كبيرة، لكن معظم الأموال التي وُعِدَ بتقديمها إلى مؤسسة الأبحاث الوطنية لم تصل إليها مطلقًا. وتعتبر ثقافة العلوم أمرًا جديدًا وغريبًا على حكام الإمارات، الذين اعتادوا على شراء كل ما يحتاجونه.
ومما لا شك فيه أن هذه العملية وفّرت ـ على الأقل ـ لمؤسسة الأبحاث الوطنية مراجعة فاعلة لقاعدة الأبحاث الصغيرة في الإمارات؛ وقد ساعدها هذا الأمر في إطلاق حملة ناجحة من أجل الحصول على أموال من الصناعة والمؤسسات والدول، على أساس كل حالة بالنسبة لبعض الفائزين الذين تتلاءم مشاريعهم بصورة أكثر وضوحًا مع المصالح الوطنية، مثل الأبحاث التي تتعلق بالموارد المائية. والحقيقة أنه لا ينبغي أن تعمل هيئة بحثية بهذه الطريقة، لكن ردود الفعل الإيجابية من المشاريع الممولة قد تشجع ـ في نهاية المطاف ـ على تقديم التمويل المناسب لمؤسسة الأبحاث الوطنية.
وأشارت ممارسات مؤسسة الأبحاث الوطنية إلى أن علم الوراثة والأمراض هما مصدر قوة رئيسي للأبحاث في الإمارات. وعلى الأرجح، ستسهم حملة مماثلة لكسب الدعم في إنشاء مركز للتميز في هذا المجال. وهذا ينبغي أن يعطي الأمل لعلماء الإمارات المهتمين بالمشاركة في مشروع البنية التحتية لأبحاث موارد البنوك الحيوية والجزيئية (BBMRI).
وقد التقى هؤلاء العلماء مع زملائهم الأوروبيين ـ في وقت سابق من هذا الشهر ـ لإجراء أول مناقشات بينهما في إمارة دبي، التي ستستضيف أيضًا ندوة علمية مشتركة في شهر أكتوبر المقبل. وسينبثق عن الندوة مقترح رسمي للحصول على تمويل، وسيكون من الحكمة أن تعلن حكومة الإمارات دعمها له. يقول الباحثون الإماراتيون إن الدولة بها ثلاثة موارد طبيعية، هي: النفط والغاز، والتمور، وحليب النوق. وخلال العقود القادمة، سينفد كل من النفط والغاز. وإن العضوية في مشروع البنية التحتية لأبحاث موارد البنوك الحيوية والجزيئية (BBMRI) يمكنها أن تختصر من العملية الطويلة لبناء اقتصاد قائم على المعرفة.
وتشارك دول الخليج الأخرى الإمارات في قابلية سكانها للتعرض للإصابة بمرض السكري، فضلاً عن اعتمادها على النفط والغاز أيضًا. ويمكن لهذه الدول أيضًا الاستفادة من الانضمام إلى المشروع، وتوسيع قاعدة السكان في منطقة الشرق الأوسط مِنْ شأنه أن يعزز من الأنشطة البحثية.
والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: هل سيحدث ذلك؟. الواقع أنَّ دول الخليج تميل إلى أنْ تكون تنافسية للغاية في شتى المجالات. ولرغبتها في منافسة برج خليفة، تعتزم المملكة العربية السعودية بناء برج المملكة على ارتفاع 1000 متر، في حين أنه من المقترح أن يصل ارتفاع برج مبارك الكبير في الكويت إلى 1001 متر. ويطرح مشروع البنية التحتية لأبحاث موارد البنوك الحيوية والجزيئية نموذجًا بديلاً، عبارة عن مظلة يمكن من خلالها للمشاركين التعاون وتبادل المعلومات. وهذا سيمثل نهجًا مختلفًا، لكنه ضروري لحل المشاكل الصحية المشتركة التي تعاني منها دول المنطقة.
تواصل معنا: