مع اقتراب موعد أول انتخابات رئاسية في تاريخ جمهورية مصر العربية، بعد أقل من شهرين، يتحدث المرشحون الطامحون إلى الرئاسة عن خططهم لإعطاء التعليم والبحث العلمي دورًا محوريًّا في برامجهم؛ من أجل تطوير البلاد. ولكن هل يستطيع هؤلاء تحقيق هذه الوعود الطموحة؟
داليا العقاد
يتوجه الناخبون المصريون إلى مراكز الاقتراع يوم 23 و24 مايو 2012، لانتخاب رئيس جديد للبلاد، للمرة الأولى منذ أكثر من 30 عامًا. وفي الوقت الذي تحتدم فيه الحملات الانتخابية، يكشف مرشحو الرئاسة عن برامجهم، ويشرحون ـ بالتفصيل ـ كيف سيُسَيِّرون الأمور بشكل مختلف. وفي هذا الصدد، يستمع Nature Middle East إلى ما يقوله المرشحون حول التعليم والبحث العلمي.
تعهَّد عمر موسى ـ المرشح الليبرالي الأوفر حظًّا للفوز في الانتخابات، الذي يتمتع بشعبية كبيرة، وصلت نسبتها إلى 41% في أحدث استطلاعات الرأي ـ بالتركيز على البحث العلمي والتدريب التقني، في حال انتخابه رئيسًا للجمهورية. كما تعهَّد موسى بالحفاظ على مجانية التعليم، وتعهَّد بأنْ يجعل وزارة البحث العلمي تقوم بوضع استراتيجية وطنية للبحث في غضون مئة يوم من توليه المنصب.
كما يعتزم موسى تكليف الجامعات بأنْ تصبح مراكز للبحث العلمي والابتكار، مع تخصيص تمويلات كبيرة للمشروعات البحثية في إطار الخطة القومية. ويأمل موسى في تعزيز الأبحاث التي تتناول مشكلات القطاع الخاص، وتشجع بدورها على ضخ المزيد من الاستثمارات.
تنفق مصر أقل من 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم، وأقل من 0.5٪ من هذا الناتج على الأبحاث العلمية؛ مما أدى إلى وجود بيئة علمية راكدة، ومدارس وجامعات مكتظة بالطلاب وتعاني من سوء الإعداد والتجهيز، فضلاً عن خيبة الأمل المستمرة التي تصيب المعلمين والباحثين، على حد سواء.
ويعتزم موسى زيادة مخصصات البحث العلمي من 0.24٪ من الناتج المحلي الإجمالي حاليًّا إلى 2٪ بحلول عام 2016، على الرغم من أنه لم يوضح مصدر هذه الأموال التي سيرفع بها مخصصات البحث العلمي. ويقول موسى إنه ينبغي على الباحثين التركيز على البحوث التطبيقية، والاستفادة بأقصى قدر ممكن من فرص التمويل المتاحة من المؤسسات العربية والدولية الداعمة للعلوم.
الأمن القومي
أطلق عبد المنعم أبو الفتوح ـ وهو مرشح ذو ميول يسارية، يحظى بشعبية، ويعمل طبيبًا، ويشغل حاليًّا منصب الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب ـ حملته الانتخابية في حدث أقيم بحديقة الأزهر في القاهرة يوم الثاني من أبريل 2012.
يقول أبو الفتوح، الذي زادت شعبيته الشهر الماضي إلى 27%، إن التعليم والبحث العلمي اثنتان من قضايا الأمن القومي، وينبغي أن تلبيان احتياجات الشعب، لا احتياجات النخبة الحاكمة.
وأوضح قائلا: "سألتزم بوعدي بزيادة مخصصات التعليم إلى 25% من الموازنة العامة في غضون أربعة أعوام، بدلاً من نسبة الـ10% الماضية غير الصالحة للاستخدام".
وقالت رباب المهدي، المستشارة السياسية للمرشح عبد المنعم أبو الفتوح، وأستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة: "إن برنامجنا هو مشروع وطني، لا يهتم فقط بالحفاظ على مجانية التعليم للجميع، بل سيحررنا من المركزية الحالية؛ مما يسمح باستقلال الجامعات، بحيث تكون لها ميزانيتها وإدارتها المستقلتين".
وتقول المهدي إن البحث العلمي لن يركز فقط على التعاون مع الغرب، بل سيركز كذلك على المساعدة المستمدة من العلاقات مع الاقتصادات الصاعدة، مثل الصين، والبرازيل. وأضافت: "بالنسبة لنا، يمثل البحث العلمي قضية جوهرية، وليس وسيلة من وسائل الرفاهية".
كما يتعهد أبو الفتوح ـ الذي كان ذات يوم عضوًا بارزًا في جماعة الإخوان المسلمين، قبل طرده منها على خلفية قراره الترشح في الانتخابات رغمًا عن الجماعة ـ بتطبيق سياسات الضرائب التصاعدية، وزيادة الضرائب المفروضة على الدخل؛ لتوفير الأموال اللازمة لزيادة النفقات المخصصة للأبحاث إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي.
وتقول المهدي: "نحتاج إلى التركيز على القضايا ذات الصلة باحتياجاتنا، مثل الطاقة المتجددة، والبحوث الزراعية، والتوصل إلى حلول للأمن الغذائي، تكون مرتكزة على أسس علمية".
وقد وصف النقاد خطط أبو الفتوح بأنها طموحة أكثر من اللازم، حيث تقول جيهان سليمان، المستشارة التعليمية والباحثة في معهد الدراسات والبحوث البيئية بجامعة عين شمس: "إن التعليم هو فرس الرهان في الانتخابات القادمة.. فكيف يخطط (أبو الفتوح) لزيادة نفقات التعليم من أقل من 7% إلى نسبة كبيرة للغاية، وهي 25%؟".
وتابعت قائلةً: "بالإضافة إلى ذلك.. فإذا تم تخصيص ربع الموازنة العامة للتعليم، فماذا سيكون الحال فيما يتعلق بالتحديات الأخرى التي عليه أنْ يواجهها أيضًا، مثل الصحة، والإسكان، والأمن الغذائي، وغيرها؟".
التعليم من أجل الحياة
لا يمكنك أن تحيا في بلد يسعى إلى التحديث والتقدم، ولكنه يعارض تدريس نظريات وأعمال تشارلز داروين بشأن التطور.
يتعهد حمدين صباحي ـ وهو مرشح اشتراكي، يحظى بنسبة تأييد تبلغ 7.4%، وزعيم حزب الكرامة الناصري ـ بإعادة النظر في الموازنة العامة؛ لوضع التعليم والعلوم على رأس الأولويات. وتتمثل رؤية صباحي في جعل مصر دولة رائدة في غضون 18 عامًا.
يقول بهي الدين عرجون، أستاذ ديناميكا المركبات الفضائية والطيران بكلية الهندسة في جامعة القاهرة، ومدير الحملة الانتخابية لصباحي، إن برنامج المرشح يسعى لتعزيز التعليم التقني، ويركز على دعم التقنيات التي تتماشى مع الموارد الوطنية الوفيرة في الصحارى المصرية، مثل الصناعات القائمة على السيليكون، والاستفادة من أعداد المغتربين المصريين الكبيرة في الخارج.
وأوضح عرجون قائلا: "الرمال البيضاء في سيناء مثالية لإنتاج رقائق السيليكون التي تستخدم في صناعة الأجهزة الإلكترونية، والخلايا الشمسية، والألياف البصرية. ورغم ذلك، نُصَدِّر هذه الرمال بأسعار زهيدة للغاية".
وأضاف قائلاً: "يجب أن يتغير ذلك بمجرد أن نكتسب الخبرة اللازمة".
ويقول عرجون إنه بالتركيز على الطاقة المتجددة، ستنتج مصر 20٪ من احتياجاتها من الطاقة من مصادر الطاقة الشمسية في غضون ثمانية أعوام؛ مما يجعلها واحدة من الدول الرائدة في مجال إنتاج الطاقة الشمسية في العالم.
كما يؤكد صباحي على أهمية إصلاح نظام التعليم؛ لدعم التفكير النقدي، بدلاً من طريقة التعلم بأسلوب الحفظ عن ظهر قلب، المُتَّبَعَة حاليًّا في معظم المدارس، ويؤكد كذلك على ضرورة ربط التعليم باحتياجات السوق؛ لإنتاج قوى عاملة قوية.
الحرية الأكاديمية
يدرك خالد علي – البالغ من العمر 40 عامًا – وهو مرشح يساري، وأصغر مرشحي الرئاسة سنًّا، وأقلهم شعبية، أن العديد من التحديات التي تواجه مصر في الوقت الراهن ستحتاج إلى حلول علمية. ومِن هذه التحديات التي تواجه مصر: فقدان الأراضي الصالحة للزراعة، وانعدام الأمن الغذائي والطاقة، والتغير المناخي، وارتفاع منسوب مياه البحر.
ويقول: "إن التعامل مع هذه المشكلات سيتطلب نهجًا وطنيًّا، تتعاون فيه كافة الوزارات الحكومية مع بعضها".
ويتعهد علي ـ في حال توليه رئاسة الجمهورية ـ برفع الميزانية الوطنية للتعليم إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي، مع توفير معامل مجهزة على مستوى عالٍ للباحثين، وزيادة أجورهم. كما يدعو علي إلى استقلال الجامعات، وصياغة قوانين تمكِّن الطلاب من ممارسة حريتهم السياسية، وتحظر على قوات الأمن التدخل في الحرم الجامعي.
ويؤكد عادل وسيلي، مدير حملة علي الانتخابية، على أن برنامج المرشح هو برنامج خاص، نظرا إلى أنه سيسمح بممارسة كامل الحريات الأكاديمية التي كان النظام القديم يعاقب ممارسيها.
وقال وسيلي: "لا يمكنك أن تحيا في بلد يسعى إلى التحديث والتقدم، ولكنه يعارض تدريس نظريات وأعمال تشارلز داروين بشأن التطور". وأضاف قائلاً إنَّ البحوث العلمية لن تخضع لقيود، كما يجب أن يتم إلغاء نظام التعلم بطريقة الحفظ في المدارس. وتابع: "لن نسمح بتدخل الدين في كافة الأمور".
وبالإضافة إلى وعود مماثلة لوعود المرشحين الآخرين، يؤكد وسيلي رغبة علي في إشراك الطلاب في عملية وضع السياسات التي تحدد كيفية إصلاح التعليم.
وفضلاً عن أبحاث الطاقة المتجددة، يريد علي أيضًا تعزيز استخدام الطاقة النووية. كما يتعهد بتجديد برنامج الفضاء المصري؛ لكي تتمكن البلاد من تصنيع أقمارها الاصطناعية بنفسها، بدلاً من استيراد مكوناتها، وتجميعها.
وفي الآونة الأخيرة، تم خفض ميزانية البرامج الفضائية بشكل كبير، لتصل إلى 7.5 مليون دولار أمريكي، وهو ما يكفي بالكاد لدفع رواتب العاملين في هذا القطاع. وجدير بالذكر أن مصر لم تطلق أي أقمار اصطناعية للأبحاث في الفضاء، بعد أن فقدت الاتصال بالقمر الاصطناعي الوحيد الذي أطلقته سابقًا.
ورغم ذلك.. ربما تشكِّل قضيتا الفقر والبطالة عاملاً أكثر حسمًا وقوة في الانتخابات المقبلة، بالنسبة إلى بلد يعيش خُمْس سكانه على أقل من دولارين أمريكيين في اليوم.
يقول محمد عبد المطلب، مدير مركز أبحاث النانو تكنولوجي بجامعة النيل: "يلعب البحث والتطوير دورًا ثانويًّا في حياة المواطن المصري العادي، ناهيك عن السياسة المصرية".
وتقول جيهان سيلمان: "زيادة الإنفاق على التعليم أمر جيد، ولكنه ليس كافيًا. إننا نحتاج إلى تخطيط أفضل لأموالنا؛ للاستفادة بأقصى قدر ممكن من الأموال المتاحة لدينا؛ من أجل توفير تعليم مناسب للطلاب".
تواصل معنا: