مع استمرار عدم الاستقرار السياسي في مصر، هاجم اللصوص أحد المتاحف في جنوب البلاد، سارقين أو حارقين شواهد تاريخية عمرها آلاف السنوات.
رَينا ستمبوليسكا
في حين ركزت مصر على تفشي العنف في بقية البلاد، هاجم غزاة قاعات المتحف الوطني في ملوي، ونهبوا مجموعاته الأثرية على مدى ليلتين متتاليتين، وسرقوا أو دمّروا جميع مقتنياته الأثرية تقريبا.
هذا المتحف الذي يقع على بعد 300 كم إلى الجنوب من القاهرة في مدينة المنيا من صعيد مصر، هو مركز ثقافي تعرفه قلّة من الناس، ولكنه يضم مجموعة غنية ومتنوعة من الآثار التاريخية المصرية التي تمتد من العصر اليوناني الروماني إلى عصر الأسرة الفرعونية الثامنة عشرة. ويعود تاريخ العديد من القطع الأثرية الموجودة في المتحف إلى عهد الفرعون إخناتون ونفرتيتي، وبعضها مومياوات حيوانية وتماثيل مخصصة لعبادة الإله المصري تحوت (توت)، الذي تتمثل ألوهيته برأسه الذي يأخذ شكل رأس أبو منجل.
وهناك اعتقاد واسع بأن اللصوص من الجماعات المؤيدة للرئيس المعزول محمد مرسي. لكن مونيكا حنا - عالمة الآثار المصرية، التي كانت سابقا في جامعة هومبولت في برلين، والتي تتابع الأحداث عن كثب- عزت السرقة إلى "جشع الناس ووَضْعِه تحت غطاء سياسي وديني".
وقد بدأ علماء الآثار وعمال المتحف بالتعرف على قائمة القطع المسروقة والتي يُتوقع أن يصل عددها إلى نحو 1.040 قطعة. وحسب التقديرات الأولية، فقد تم حتى الآن تسجيل فقدان 1040 من أصل 1089 قطعة أثرية يضمها المتحف. الصفحة التي تحمل عنوان "الحملة المجتمعية للرقابة على التراث والآثار" على فيسبوك، والتي أسستها حنا في يونيو ردّا على تزايد عدد السرقات من مواقع التراث المصري، تضم مجموعة محدّثة من صور المسروقات.
لقد أُحرقت اثنتان من المومياوات، ولكن لحسن الحظ أمكن إنقاذ اثنتين أخريين، فضلا عن عدد كبير من الأجزاء
"لقد سُرِقتْ القطع الصغيرة كافة من متحف ملوي، وكلها من عصر العمارنة"، حسب قول حنا. ويتميز فنّ فترة العمارنة عن أنماط الفن المصري التقليدية، حيث كان فنانو هذا العصر يميلون إلى اختيار صور أكثر واقعية واسترخاء، مقارنة بالأشكال والقوالب التقليدية الجامدة للسلالات السابقة.
ووفقا للتقارير، فقد أُضْرِمت النار في الغارة الثانية، وتعرّضت القطع التي لم تُسرق في الليلة الأولى لحروق بالغة. أما القطع الثقيلة جدا على الحمل خارج المتحف، كالتوابيت الحجرية والخشبية، فقد تضرّرت بشدّة. "لقد أُحْرِقتْ اثنتان من المومياوات، ولكن لحسن الحظ أمكن إنقاذ اثنتين أخريين، فضلا عن عدد كبير من الأجزاء"، تقول حنا.
الأحد الماضي، أكد القيّمون على المتحف الوطني في ملوي أن خمسة توابيت خشبية مرسومة، واثنتين من المومياوات والبرديات المخطوطة يدويا بالحروف الديموطيقية، بالإضافة إلى مجموعة من التماثيل القديمة المكسورة، قد أُرْسِلتْ للترميم.
عندما يستكمل علماء الآثار التحقيقات وينتهون من وضع اللمسات الأخيرة على قائمة المسروقات، ستوزّع على جميع الموانئ المصرية؛ لإحباط أي محاولة لتهريبها، وستوضع كل القطع الأثرية المفقودة على قائمة اليونسكو الحمراء؛ لتجنّب تهريبها وبيعها في سوق الآثار الدولي. "لقد اتّصلت الحملة المجتمعية للرقابة على التراث والآثار فورا بالإنتربول، بشكل مستقل عن وزارة الآثار، ونبّهت المجلس الدولي للمتاحف واللجنة الدولية للمصريات"، تضيف حنا.
كما أعلنت وزارة الآثار إطلاق حملة لاسترداد القطع المسروقة، وتقديم مكافآت لمن سيعيدون القطع الأثرية. ويتلقّى مخزن الأشمونين القريب من المتحف القطع المُعادة، ولكن حتى الآن، أعيدت قطعتان فحسب، وفقًا لحنا.
وكثيرا ما يتم الإبلاغ عن تخريب المتاحف في أوقات الاضطرابات السياسية الكبرى. بالإضافة إلى ذلك، ازداد نهب المواقع الأثرية المصرية مع توسّع السوق السوداء للآثار.
تواصل معنا: