معبد فينيقيّ مدفون في المحفوظات

إذا كان علم الآثار معنيا بعملية الكشف عما ضاع في التاريخ، فإن اكتشاف معبد قديم من مخلفات الحضارة الفينيقيّة التي ازدهرت منذ أكثر من 3,000 سنة في صور، لبنان، يعد مثالا جيدا عليه.

قبل أربعين عاما، وجد الأمير موريس شهاب، المدير العام للآثار في لبنان، المعبد الفينيقيّ أثناء الحفر في مستوطنة رومانية. ولكن بعد عامين انطلقت شرارة الحرب الأهلية، فدفن آثارَ المعبد؛ لحمايتها من التلف واللصوص.

وكان شهاب ناجحا جدا في إخفاء المعبد، بحيث كان كل ما تبقى بعد وفاته في عام 1994 هو شائعات عن وجوده. عندما بدأ التنقيب في عام 2012 باقتلاع جذوع القصب النامية في الموقع، قالت ليلى بدر -رئيسة المتحف الأثريّ للجامعة الأمريكية في بيروت (AUB)، وقائدة فريق التنقيب-: إنها تعتقد أنها سوف تعثر على تلّ أثري غير مكتشف، وليس على معبد.

"لم يكن لديَّ أي فكرة عن أنني سأعثر على موقع كان قد عُثِر عليه بالفعل"، تقول بدر. السجلّ الوحيد الذي كان لديها عن وجود معبد في صور هو ملحوظة من ثلاثة سطور في محفوظات دائرة الآثار في وزارة الثقافة، يزعم فيها شهاب "أنه وجد مبنى كبيرًا ذا جدار طويل، لكنه لم يقل إنه كان معبدًا".

في العصور القديمة، لم تكن صور تحظى بنفس أهمية صيدا المجاورة لها، ولكنها تمتعت بالاستقرار منذ آلاف السنين. كان راعي صور، ملقرَط، هو الإله المعبود في سوريا، وقرطاج، وفي أماكن بعيدة مثل إسبانيا.

كتب شهاب تاريخ صور، ولكن لم يمكن العثور على مدوّناته عن المعبد –إن وجدت. وربما تكون مخبّأة بعيدا في مكان ما بين المحفوظات، أو ربما تكون قد دُّمرت -مثل كثير من الوثائق- أثناء الحرب.

هذا المعبد واحد من قليل من المعابد الفينيقيّة الموجودة. وتقول "بدر" إنه على الرغم من احتياج مكتشفيه لإصلاح أجزائه المتضرّرة كالمذبح المهدّم، فإن هذا الموقع هو المعبد الفينيقي الوحيد المُحافَظ عليه بطريقة جيدة تكفي للكشف عن مخططاته الكاملة. تقول "بدر": "معبد أشمون [في صيدا المجاورة] معبد رائع ضخم، ولكن تم العثور على أحد أجزاء منصته فقط".

لا يزال العمل على الموقع صعبا، وتحتاج بدر إلى مزيد من الوقت لتحديد الطبقات الناشئة من المعبد، وأيها تعود إلى الحِقَب الأخرى. ونظرًا لعدم العثور على أي قطع أثرية في الموقع، فإن بدر تفترض أن أي قطع أثرية مفقودة قد أزيلت عندما اكتُشف الموقع أولَ مرة، ولكن ليس في السجلّات ما يثبت ذلك.

وتعتقد بدر أن المعبد كان قد بُنِيَ في القرن السادس أو الخامس قبل الميلاد- أي في الحِقبة المعروفة باسم العصر الفارسي- عندما كان الفرس يحتلون الأرض. ودون مزيد من الأدلة، سيكون من الصعب تحديد التاريخ بدقة.

يشبه طراز هذا المعبد المعابد الفينيقية الأخرى مثل معبد أشمون، فأحد جدرانه على الأقل له إفريز مزدان بالزخارف المصرية. وهناك سمة خاصة بالمعبد ليس لها مثيل في مكان آخر: فهو يحتوي على موقد بجانب المذبح، يُعْتَقَد أنه كان يُستخدم لحرق القرابين الحيوانية. فالمواقد أكثر شيوعا في الفناء.

"إنها المرة الأولى التي نرى فيها مثل هذه المُنشأة داخل معبد"، استنادا إلى هيلين صادر، رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الأمريكية في بيروت، وهو ليس جزءا من الحفريات المكتشفة. وتتابع القول: "لكن علينا أن نعرف المزيد عن المنشآت الموجودة على المذبح لنعرف نوع القرابين التي كانت تقدّم هناك".

ولكي يكون الأمر بمجمله أكثر منطقية، تأمل "بدر" وعلماء الآثار الآخرون العثور على ملاحظات شهاب، أو حتى على بعض الأشياء التي كانت في المعبد. "ربما كانت بعض المخططات التي رسمها الأمير موريس [شهاب] مخبّأة في مكان ما من المحفوظات"، قالت "صادر". "علينا أن نأمل ذلك".

اشترك للحصول على النشرة الإلكترونية المحدّثة كل أسبوعين لكي تبقى على اطلاع بكافة المستجدات على الموقع.