هناك جهود عظيمة لبحوث الخلايا الجذعية في الشرق الأوسط، ولكن ثمة مشاكل جذرية في الحقل الواعد بالازدهار، استنادا إلى سامية ج. خوري وعلي بازرباشي.
سامية خوري, علي بازرباشي
ثمة عدد قليل من المجالات الطبية التي تتحرك وتتوسع بسرعة في الشرق الأوسط، كالعلاج الخلوي والطب التجديدي. وإذا استمر تقدمها على الوتيرة الحالية نفسها، فقد تصبح منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واحدة من المراكز العالمية لبحوث الطبّ الحيوي.
وفي غياب المعوقات أو الاحتجاجات الدينية –نظرا لحصولها المسبق على موافقة جميع المشرّعين الإسلاميين- تتزايد التجارب السريرية على الخلايا الجذعية، مع وفرة مبادرات التمويل وبناء المرافق البحثية الجديدة الكثيرة. ومع ذلك، وعلى الرغم من المؤشرات الواعدة، إلا أن هناك عدة حواجز تهدّد بإحباط الإمكانات المحتملة لهذا المجال.
وبين غياب السياسات المنسَّقة بين الدول، والتسويق الزائف الذي تدفعه المصالح التجارية، قد يتعرقل اعتماد العلاج بالخلايا، وخطط الاستثمار القائمة على البحوث.
تعد الخلايا الجذعية من اللبِنات الأساسية في الجسم، وفي حين لا يميّز عامة الناس دوما فيما بينها -حيث يميلون إلى تصنيفها جميعا تحت عنوان "الخلايا الجذعية"- إلا أن هناك أنواعا متعددة تخضع للدراسة بحثا عن العلاجات المحتملة، بشكل رئيسي عن طريق تجديد الخلايا التالفة أو المريضة وإصلاحها.
الخلايا الجذعية البالغة، في الأساس، هي خلايا أنسجة محددة، وظيفتها الحلول محلّ الخلايا المفقودة أو التالفة، لكنها ذات إمكانية محدودة للتجدُّد الذاتي. وتسلك الخلايا الجذعية الجنينية وخلايا دم الحبل السُّرّي سلوكا مماثلا.
الخلايا الجذعية الجنينية (ESCs) هي الخلايا الأصلية التي تنشأ انطلاقا منها مختلف أنواع الخلايا التي تشكل جسم الإنسان والبالغ عددها 220 نوعا. وتمتلك الخلايا الجذعية المستحثَّة متعدّدة القدرات (IPS) القدرة على التحوّل إلى أي خلية عن طريق الهندسة الخلوية.
هناك عدد قليل من العلاجات بالخلايا الجذعية الحائزة على قبول واسع النطاق من قبل المجتمع الطبي، كتلك التي تستخدم الخلايا الجذعية لأنسجة محددة، مثل زرع الخلايا الجذعية المكوّنة للدم (HSCT) لعلاج المرضى الذين يعانون من الأورام الخبيثة المرتبطة بالدم، بالإضافة إلى الحالات غير الخبيثة مثل فقر الدم اللاتنسجي، ومرض الثلاسيميا، وفقر الدم المنجلي.
شهدت منطقة الشرق الأوسط على مدى العقد الماضي زيادة كبيرة في العمل السريري والبحوث الخاصة بزرع الخلايا الجذعية المكوّنة للدم، شاملة برامج في كل من: لبنان ومصر والجزائر والمغرب والمملكة العربية السعودية وتونس وسوريا. وقد استُكمل هذا النشاط، في عام 2008، بتأسيس منظمة شرق البحر المتوسط للدم وزراعة نخاع العظم (EMBMT)، وهي منبر تعاوني للأطباء والعلماء والعاملين في مجال الرعاية الصحية.
ويجري تقييم استخدام الخلايا الجذعية لعلاج أمراض أخرى -مثل أمراض المناعة الذاتية، والأمراض التنكسية أو الخلقية- تقييما تجريبيا وفي التجارب السريرية، وهي نفس نوع التجارب السريرية المجراة على الخلايا الجذعية السريرية، والتي انتشرت في المنطقة بوجود 32 تجربة سريرية "مفتوحة" مسجّلة جرت في سبتمبر 2013. ويمكن علاج بعض أمراض أو إصابات العظام والجلد والقرنية من تطعيم الأنسجة التي تعتمد على الخلايا الجذعية من هذه الأعضاء. ويشكّل هذا جزءًا من التوجّه الذي تحاول العديد من البلدان في الشرق الأوسط الكبير جاهدة في الوقت الحالي تأسيس حضورٍ لها فيه، من خلال التمويل وإنشاء مرافق البحوث.
وعلى الرغم من موجة النشاط والاهتمام تلك، إلا أن هناك عوامل تعوق التوسع، وتحول دون ترجمة المعرفة المستقاة من المختبرات في مجال العلاجات.
نقص التمويل
في حين تستثمر بعض الدول العربية ذوات الدخل المرتفع في مجال البحث والتطوير على وجه التحديد، يتعيّن على الغالبية العظمى من الباحثين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التدافع للحصول على الأموال. وفقا لتقديرات معهد اليونسكو للإحصاء، فقد كان الإنفاق على الشؤون العلمية متدنيا باستمرار في غالبية الدول العربية لأكثر من أربعة عقود. ويتراوح الإنفاق على البحث والتطوير بين 0.1 و1.0% من الناتج المحلي الإجمالي- مقارنة مع 2.5% في البلدان الأكثر تقدما.
هناك بعض التغييرات الإيجابية، خصوصا في منطقة الخليج. فقد أسس الشيخ حمدان بن راشد -وزير المالية والصناعة في الإمارات العربية المتحدة- مؤسسة بلغت ميزانيتها 20 مليون درهم ( 5.4 مليون دولار أمريكي)، تركّز على أبحاث الوراثة والخلايا الجذعية. كما ستمتلك مؤسسة قطر مختبرا للخلايا الجذعية في مركز السّدرة الطبي الذي تبلغ ميزانيته 3 مليارات دولار أمريكي، والمقرر افتتاحه في عام 2014، وسيتضمن وحدة لعلم الوراثة والخلايا الجذعية. وقد أسست المملكة العربية السعودية برنامج العلاج بالخلايا الجذعية في مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بالرياض، الذي يتعاون مع مؤسسات مثل كلية طبّ هارفارد. ومع ذلك، فمعظم بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم تؤسَّس فيها وكالات المِنَح التي تتمثل مهمتها في دعم البحوث.
غياب التنسيق
تؤثّر السياسات الوطنية لأبحاث الخلايا الجذعية بشكل كبير على إنتاجية باحثي الخلايا الجذعية1. فهناك تباين شديد في السياسات الناظمة لأبحاث الخلايا الجذعية بين البلدان، مما يؤدي إلى اتباع معايير غير متوافقة قد تحول دون التعاون الدولي. ومن أجل تنسيق البحوث، وضعت الجمعية الدولية لبحوث الخلايا الجذعية (ISSCR) مبادئ توجيهية؛ لضمان المعايير الأخلاقية الصارمة، ولتشجيع ممارسات بحثية عالمية موحّدة.
يجيز معظم المشرّعين المسلمين تقريبا بحوث الخلايا الجذعية الجنينية البشرية، ولكنهم يتفقون على أن خلق أجنّة بغرض البحوث فقط يجب أن يكون ممنوعا2. وبهذا التفاهم المشترك، هناك حاجة إلى قيادة قوية لتوحيد السياسات في جميع أنحاء المنطقة.
تعاني البحوث الطبية الحيوية بشكل عام، وبحوث الخلايا الجذعية بشكل خاص، نقصًا في التعاون بين المؤسسات الدولية والإقليمية. فمعظم أنشطة البحوث يضع أسسَها العلماءُ الذين تدربوا في الولايات المتحدة أو أوروبا؛ استمرارًا للعمل الذي بدؤوه في الخارج. والبحوث التعاونية مقتصرة -بشكل حصري تقريبا- على المؤسسة التي تلقى فيها العالم تدريبه الأصلي. ومع ذلك، تسعى مبادرات التمويل الإقليمية التي حدثت مؤخرا -مثل مبادرة الصندوق القطري لرعاية البحث العلمي (QNRF)- إلى تيسير التعاون الإقليمي من خلال شراكة إلزامية مع مؤسسة قطرية.
الوعي العـــــــــامّ
تستند معظم الأنشطة البحثية إلى المعرفة المنقولة، كما تعمل بعض الجامعات الإقليمية على توليد معرفة جديدة في مجال الطب الحيوي.
وقد خلق هذا نوعا من اللامبالاة في أوساط مجتمع الطب الحيوي في المنطقة، ولم يؤدِّ إلى تعزيز الوعي العام حول القيمة المضافة للبحوث.
غالبا ما ينظر عامّة الناس إلى تمويل البحوث بوصفه مضيعة للمال، وغالبا ما ينظرون إلى المشاركين في الأبحاث بحسبانهم "خنازير غينيا". وفي كثير من الأحيان، يرفض المرضى وأسرهم المشاركة في الدراسة البحثية المتعلقة باستخدام الخلايا الجذعية في الطب التجديدي، والحائزة على موافقة مجلس المراجعة المؤسسية، بينما تجدهم على استعداد لدفع الأموال مقابل تلقي العلاج نفسه في المراكز التجارية التي تقترح استخدامًا للعلاج بالخلايا الجذعية غيرَ حائز على الموافقة .
القدرة البحثية المنخفضة
تعاني العديد من المؤسسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نقصًا في موارد البحوث الوطنية. وهناك بعض الدول التي تضمّ عددا قليلا من المواطنين الذين تلقوا تدريبا في مجال البحث، في حين تعاني بلدان أخرى -مثل لبنان ومصر- هجرة الأدمغة؛ حيث يتوجّه أفضل مؤهليها إلى أمريكا الشمالية أو أوروبا.
وتسعى قيادة المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت (AUBMC) نحو استعادة الأطباء والعلماء إلى الوطن، ووضع برنامج قوي للتعاون في مجالات التعليم والبحوث والدراسة السريرية، مع المؤسسات الصحية وكليات الطب في جميع أنحاء المنطقة. هناك حاجة لاستثمارات كبيرة في بناء البنى التحتية المحليّة، وتوسيعها، وتحديثها، وخلق أجواء التعاون الإقليمي من أجل بناء القدرات البحثية.
عــــلم زائف
على مدى السنوات القليلة الماضية، شهدت منطقة الشرق الأوسط ازديادا كبيرا في عدد المراكز العلمية الزائفة وغير المشروعة، التي تدّعي قدرتها على تقديم العلاجات المستندة إلى الخلايا الجذعية لعلاج أمراض متعددة، تتراوح بين التشوهات الخلقية ومتلازمة داون، وتقديم التحسينات التجميلية. ويشعر العلماء بالقلق من أن بعض العيادات قد تقدّم هذه العلاجات دون تنظيم بواسطة القوانين أو معايير حماية المريض. هذه المراكز تتغذى على جهل المرضى ويأسهم.
وعلى الرغم من العقبات، فالتعاون الإقليمي المتنامي بين بلدان الخليج العربي مرتفعة الدخل والدول العربية الأخرى التي تضمّ الباحثين المدربين تدريبا جيدا هو تطوّر إيجابي. للسياسات العامة دور حيوي تقوم به، ويجب أن تحدّ من نموّ الكيانات التجارية التي تتعامل مع الخلايا الجذعية؛ حرصا على مصالح المؤسسات الأكاديمية ذات البنى التحتية التنظيمية.
doi:10.1038/nmiddleeast.2013.222
Flynn, J. M. & Matthews, K.R.W. Stem cell research in the Greater Middle East: the importance of establishing policy and ethics interoperability to foster international collaborations. Stem Cell Reviews and Reports (2010) doi:10.1007/s12015-010-9133-6
Fadel, H. E. Developments in stem cell research and therapeutic cloning: Islamic ethical positions, a review. Bioethics (2012) doi:10.1111/j.1467-8519.2010.01840.x
تواصل معنا: