النساء والعلم في مصر بعد الثورة: الطريق مازال طويلًا
نشرت بتاريخ 2 أبريل 2013
نجوى البدري
بعد موجة الانتفاضات التي اجتاحت المنطقة العربية، ها هو الواقع السياسي للربيع العربي يلقي بظلاله على جوانب الحياة كافة في مصر، بما فيها العلوم.. وبعد مرور عامين على الثورة المصرية يبدو المستقبل غامضًا بالنسبة للعلماء، خاصة النساء.
على مرّ العصور لعبت النساء دورًا محوريًّا في المجتمع المصري، فقد رُفِعت إلى مركز الآلهة في العصور القديمة وحكمت البلاد في بعض الفترات الصعبة التي مرت بها.
قادت المرأة المصرية حركة التحرير الحديثة في المنطقة، بدءاً من عام 1923 وحتى خمسينيات القرن العشرين التي شعرت خلالها المرأة بحريتها في التخلي عن الحجاب، وحصلت على الحق في التصويت، ومنحت كامل حقوقها بالتعليم والعمل، وقد تمكنت أجيال من الفتيات من إثبات أنفسهن بسرعة، وحصلن على أعلى الدرجات الأكاديمية والتحقن بمعاهد التعليم العالي حيث تجاوزت نسبة الإناث إلى الذكور الـ50٪ في كثير من الأحيان.
اليوم، وبعد مرور قرن تقريبا على أهم حركة نسائية في الشرق الأوسط، أصبح الطريق إلى تحقيق النهضة النسوية في مصر مليئًا بالعقبات.
التحديات التي تواجه البحث العلمي
لتقييم حالة النساء العالمات في مصر، يجب أولاً أن نضع في الاعتبار حالة البحث العلمي بشكل عام، ثم حالة النساء العالمات بشكل خاص.. فخلال العقود القليلة الماضية تراجع سجل مصر لمؤشرات التنمية العالمية، وتأثّر البحث العلمي بشكل كبير، ففي بلد لا توجد فيه أحيانا بعض الاحتياجات الأساسية كالهواء النقي والغذاء الكافي ووسائل النقل الآمنة والرعاية الصحية الأساسية، يصبح البحث العلمي المناسب ترفًا.
إن التحديات التي تواجه البحث العلمي في مصرمتعددة، لكن المشكلة الكبرى هي عدم كفاية التمويل، حيث يتطلب البحث العلمي استثمارات كبيرة في البنية التحتية بالإضافة إلى تكاليف التشغيل المستمرة، ويضاف إليها في مصر الاعتماد الكبير على المعدات واللوازم المستوردة.
في البلدان التي تتعامل مع البحث العلمي بجدية، تدعم الحكومات تمويل البحث العلمي بقوة عن طريق المنح، وفي المقابل نجد الإنفاق الحكومي على البحث العلمي في مصر سيئًا للغاية، إذ انحصرت مخصصاته بما يعادل 0.23% من الناتج المحلي الإجمالي قبل الثورة، ثم ارتفع إلى حوالي 0.4% في العامين التاليين لها، بينما تبلغ مخصصات البحث العلمي في تايوان مثلا 2.3 %، وفي كوريا الجنوبية 3.7%.
في حين تشغل الإناث 60% من مناصب هيئة التدريس على مستوى الدخول، فإن نسبتهن من الأساتذة لا تتخطى 20%.
تمثّل المؤسسات الخاصة أيضا مصدر تمويل يعتمد عليه في الدول المتقدمة، أما في مصر فتستحوذ الأسباب التقليدية للتبرع، كمساعدة الفقراء والمرضى، عادة على معظم مخصصات التبرع من القطاع الخاص، حيث يعتبرها المصريون أجدر من التبرع لأجل البحث العلمي.. ومع ذلك، ففي السنوات القليلة الماضية أصبحت المنظمات الخيرية، مثل مصر الخير وعدد من رجال الأعمال، أكثر دعما للبحث العلمي.
هناك أيضا حاجة إلى التخطيط الشامل للبحوث في المجالات الرئيسية ذات الأهمية الخاصة بالنسبة لمصر، مثل استخدام الطاقة الشمسية والقضاء على الأمراض المتوطّنة كالتهاب الكبد وسرطان المثانة.. إن التأثير الضار لغياب الاستراتيجية يتراكم في أساس البنية التحتية البحثية بكاملها، تاركا طلاب الدراسات العليا وعلماء مرحلة ما بعد الدكتوراه مفتقرين للتوجيه ونظم الدعم السليمة، وكثيرا ما يجدون أنفسهم مضطرين لاستخدام أموالهم الشخصية لشراء الحيوانات واللوازم المخبرية.
إن ثقافة البحث العلمي في مصر تعاني هي الأخرى، فتفضيل النتائج الفورية يتفوق على الإيمان بأهمية الفوائد الطويلة المدى التي تحتاج للصبر والممارسة العملية التي تطبع المنهج العلمي.. إن ندرة وجود النماذج الوطنية، مثل د.أحمد زويل الحائز على جائزة نوبل، قد جعلت من الصعب على الأجيال الشابة اعتبار البحث العلمي نهجا وظيفيا يستحق السنوات الطويلة اللازمة للدراسة، وتساهم وسائل الإعلام أيضا في هذه الصورة السلبية من خلال تصويرها المنتظم للعلماء، والنساء منهم بشكل خاص، على أنهم إما لا يجيدون غير الدراسة أو أصحاب أفكار مثالية لا علاقة لها بالاحتياجات المجتمعية "الحقيقية". والنتيجة هي ثقافة لا تقدّر البحث العلمي، مما يضرّ بالمجتمع ككل.
طاقات مقيّدة
عندما نتحول إلى موضوع المرأة المصرية في مجال العلوم، من المهم تجنب الإفراط في تبسيط وتنميط المرأة في الشرق الأوسط باعتبارها مضطهدة. هذا التنميط يغطّي التحديات التي يمكن معالجتها ويمنع إجراء التحليل الموضوعي الذي يمكن أن يفيد المرأة.
وفقا للعرض الذي قدّمته عالمة الفيزياءالمصرية د.كريمات السيد، والذي حمل عنوان "المرأة والفيزياء في مصر والعالم العربي"، فإن النساء يشكّلن ما يقرب من 25٪ من أعضاء هيئة التدريس في أقسام الفيزياء في جامعة عين شمس، وهذه النسبة تفوق أي نسبة في معظم أقسام الفيزياء في الجامعات الأمريكية.. في الواقع، ووفقا لدراسة استطلاعية حديثة أجراها المعهد الأمريكي للفيزياء، فإن النساء يشكلن حوالي 12٪ فقط من أعضاء هيئة التدريس في جميع كليات الفيزياء في الجامعات الأمريكية.
إن التاريخ المصري زاخر بأمثلة من نساء تشهد إنجازاتهن على منزلتهن المرموقة في المجتمع، فقبل 2000 سنة تقريبا كانت هيباتيا الإسكندرية رائدة في علم الرياضيات والفلسفة وعلم الفلك في وقتها، ودافعت عن التفكير المنطقي وسيادة القانون.
وفي مصر الحديثة كانت سميرة موسى عالمة الذرة المشهورة التي شجعت استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية، وقد سعت، قبل مصرعها إثر حادث سيارة في الولايات المتحدة عام 1952، من أجل "تأمين العلاجات النووية بوفرة وثمن الأسبرين"، وتضم مصر اليوم العديد من النساء العالمات ونسبة جيدة من النساء في الحقل الأكاديمي، حتى إن وزارة البحث العلمي ترأسها السيدة نادية زخاري، وهي متخصصة في الكيمياء الحيوية ورائدة في الطب الأكاديمي.
يجب على الدولة أن تمنح الأولوية لتحسين وضع النساء والبحث العلمي.
على الرغم من الإنجازات العظيمة التي حققتها المرأة المصرية في مجال العلوم وغيره من المجالات، فإن الطريق أمامهن غامض، فبعد عامين من الثورة السلمية التي كانت المرأة في طليعتها يُلحظ التقليل من شأن الوجود الاجتماعي لنفس هؤلاء النساء من خلال تهميشهن في الدوائر الحكومية العالية.
التحرّش الجنسي في الشارع، وخاصة نحو النساء المشاركات في المظاهرات، آخذ في التصاعد، ويكتسب صفة العنف أحيانا، وكثيرا ما تتغاضى السلطات عن مختلف أشكال العنف ضد المرأة، ومؤخرا ألقى بعض أعضاء مجلس الشورى، أرفع سلطة تشريعية في مصر حاليا، باللوم على الضحايا أنفسهن لمشاركتهن في المظاهرات.
وفي أول برلمان تم تشكيله في مصرما بعد الثورة (الذي تم حلّه في وقت لاحق) مثّلت المرأة نسبة محزنة لم تتخط 2٪؛ ولا يوجد في الحكومة إلا وزارتان ترأسهما المرأة، وليس هناك أي امرأة تتولى منصب المحافظ.
هذه السلوكيات الاجتماعية لها تداعيات تكاد تكون فورية على الحياة العملية للمرأة وطموحاتها، فعلى سبيل المثال أكثر من 50٪ من مجموع الخريجين المتفوقين في الكليات المصرية هم من الإناث، ولكن استنادا إلى دراسة حديثة أجراها المجلس الأعلى للجامعات تشغل الإناث 60٪من مناصب هيئة التدريس على مستوى الدخول إلا إن نسبتهن من الأساتذة لا تتخطى 20٪، وبالطبع هناك عوامل كثيرة تساهم في هذا التفاوت، لكن القوالب النمطية للجنس النسائي هي المساهم الرئيسي.
إن ميل المجتمع لوضع المرأة في قالب الزوجة والأم في المقام الأول يوصل إلى الافتراض بأنهن أقل استعدادا وقدرة على العمل لساعات طويلة يتطلبها العمل الأكاديمي، لذا عند توفر فرص التقدّم العلمي من خلال المنح الدراسية وفرص الزمالة في الخارج فهي غالبا ما تقدّم إلى الذكور.
لكي تتقدم النساء العالمات في مصر يجب على الدولة أن تمنح الأولوية لتحسين وضع النساء والبحث العلمي على حدٍّ سواء، وهناك مؤشرات أمل للتقدم العلمي في مصر ما بعد الثورة وذلك من خلال توفّر عدة مشاريع وطنية للأبحاث والخدمات الطبية، ويساعد تدفق المساندات الشعبية والتبرعات من القطاع الخاص على تحويل صورة البحث العلمي إلى مجال جدير بالعمل الخيري.
من ناحية أخرى، يفتقد مجال حقوق المرأة إلى الدعم المماثل، ولكي تتمكن النساء العالمات من التفوّق يجب سنّ قوانين جديدة لحماية حقوق المرأة في التعليم والعمل والمساواة في الأجور، ولتجريم كافة أشكال العنف ضد المرأة، بالإضافة إلى ضمان المساواة في الحصول على فرص التدريب والترقية الوظيفية.. الآن، ومصر على عتبة المستقبل، فإن توفر النوايا الخالصة لبناء مستقبل أفضل للنساء والعلوم على حد سواء يكتسب أهمية كبيرة.
تواصل معنا: