البيانات الجينومية تكشف أن المواشي الأفريقية كانت قد استؤنست أصلاً في الشرق الأوسط.
لويز سارانت
توصل الباحثون الذين جمعوا التاريخ الوراثي لـ134 من سلالات البقر، إلى أن الأبقار الأفريقية كانت قد استؤنست أصلاً في منطقة الهلال الخصيب –العراق الحديث والأردن وإسرائيل وسوريا– منذ آلاف السنين، قبل أن تهاجر جنوبًا وتتزاوج مع الأنواع المحلية.
تمكن فريق يتألف من 16 باحثًا دوليًّا تحت قيادة جاريد ديكر -الأستاذ المساعد في علم الحيوان في كلية الزراعة والأغذية والموارد الطبيعية، في جامعة ولاية ميسوري- من وضع الأنماط الجينية لـ1,543 عينة من الأبقار، مأخوذة من 134 سلالة من مختلف أنحاء العالم؛ لتحديد كيفية ارتباط بعضها ببعض.
اكتشف الباحثون أن جينومات المواشي الأفريقية كانت مشابهة جدًّا لتلك الخاصة بالمواشي التي استؤنست أولاً في منطقة الشرق الأوسط منذ نحو 10,000 سنة مضت، وخلصوا إلى أن تلك الماشية إما أن تكون قد استُقدمت إلى أفريقيا عندما هاجر المزارعون إلى الجنوب، أو جرت المتاجرة بها، قبل أن تتزاوج مع الأبقار البرية الأفريقية، المعروفة باسم 'أوروخس'.
يقول ديكر: "لا يمكننا تحديد ما إذا كانت تحركات الماشية في أفريقيا قد حدثت بسبب انتقال السكان أو التجارة"، ويتابع: "ما يمكننا استنتاجه هو أن أصحاب هذه المواشي المستأنسة من الهلال الخصيب قد زاوجوا ماشيتهم مع الأوروخس الأفريقي البري، إما قصدًا أو عفوًا".
تتميز الماشية الأفريقية ببعض الصفات الفريدة، مثل مقاومتها لداء المثقبيات الأفريقي أو مرض النوم، وقد وضع الباحثون في الاعتبار احتمال أن تكون هذه المقاومة قد تطورت في الماشية المستأنسة أو في الأوروخس الأفريقي البري الذي هُجِّنت معه.
وأظهرت النتائج أيضًا أن الماشية المحلية في إندونيسيا كانت قد اختلطت مع المواشي الواردة من الهند، وأن المواشي الواردة من أوروبا وأفريقيا كانت قد اختلطت مع السلالات المحلية في إيطاليا وإسبانيا، وأن المواشي الواردة من أوروبا وآسيا كانت قد اختلطت مع الماشية المحلية في كوريا واليابان.
"يمكننا أن نرى أيضًا أنماطًا أخرى لانتقال الماشية"، وفق قول الباحث. "المواشي في شرق آسيا لها أصول مماثلة للأصول التي تنحدر منها مواشي حوض البحر المتوسط، لذلك يمكننا استنتاج أن المواشي كانت قد جُلبت على طول طريق الحرير إلى شرق آسيا. ويمكننا أن نستنتج أيضًا أن الماشية قد جرت المتاجرة بها أو نقلها من جنوب أوروبا (إسبانيا وإيطاليا) إلى شمال أفريقيا، كما نُقلت المواشي أيضًا من شمال أفريقيا إلى جنوب أوروبا".
ووفقًا لرأي جيري تايلور -من قسم علوم الحيوان في جامعة ميسوري، الذي شارك في تأليف الدراسة- من المحتمل أن تكون سلالة مواشي 'تورين' من الهلال الخصيب قد انتقلت إلى القطعان الأفريقية في شمال شرق أفريقيا، ثم تكاثرت هناك، مع مخالطة الأوروخس الأفريقي، قبل أن يجري تداولها في جميع أنحاء القارة.
على الرغم من أن مجموعة البيانات الجينومية التي جُمعت من قبل الباحثين تمثل أكبر جمع للعينات من أي مجموعة من أنواع الثدييات، وتتيح وضع وصف شديد التفصيل لتركيبة مجموع المواشي المستأنسة في جميع أنحاء العالم، إلا أن تايلور يشير إلى "وجود نحو 800 سلالة معروفة من المواشي في العالم، وقد أكملنا حتى الآن 16٪ فقط".
إن فهم التاريخ الوراثي لسلالات المواشي أمر أساسي عند البحث عن حلول للقضايا الزراعية، ويمكنه مساعدة مربّي الماشية المعاصرين. "عن طريق تحديد المتغيرات المعينة في الجينات التي توجد فقط ضمن الأنواع المستولدة من سلالات وثيقة الارتباط فيما بينها، سيكون بوسعنا أن نبدأ بافتراض ما هي وظيفتها وقيمتها الزراعية المحتملة وأهميتها"، استنادًا إلى تايلور.
يشير أحمد البلتاجي -الذي يعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية الحيوانية والاستيلاد الجزيئي في مركز البحوث الزراعية في القاهرة- إلى أن هذا قد يعين على اتخاذ القرارات الزراعية. "إن نوع Taurine'N' Dama الغرب أفريقي مقاوم للحرارة، ومتحمّل لداء المثقبيّات، مما يسمح للمواشي بالبقاء في المناطق التي تنتشر فيها ذبابة التسي تسي، وهو ما يعكس بصمة الانتقاء الطبيعي، في حين أن إنتاجية الحليب العالية لنوع جيرسي الأوروبي وإنتاج اللحوم من الأبقار قصيرة القرن تمثل منتجات الاختيار والاستيلاد إنساني الصنع"، كما يوضح.
في المستقبل، ستصبح مقاومة الأمراض والتكيف مع بيئات محدودة المصادر الغذائية والضغوط المناخية ذات أهمية متزايدة، وقد يُمكِّن اختيار نوع الماشية المناسب للاستيلاد في بيئة معينة من زيادة إنتاج اللحوم والألبان.
doi:10.1038/nmiddleeast.2014.106
Decker, J.E. et al. Worldwide Patterns of Ancestry, Divergence, and Admixture in Domesticated Cattle. PLOS Genetics (2014) doi:10.1371/journal.pgen.1004254
تواصل معنا: