الصراعات في المنطقة تحرم الأطفال التعليمَ والرعايةَ الصحية والأمانَ والبراءةَ وهدوءَ البال، وسيستمر هذا الإرث المظلم لعدة أجيال على الأغلب.
باكينام عامر
عندما سأل باحثو الهيئة الطبية الدولية مجموعة من المراهقين السوريين الذين يعيشون في مخيمات اللجوء عن المشاكل الرئيسية التي يواجهونها في الحياة بعيدًا عن بيوتهم المدمرة، كانت إجابة أكثر من نصفهم: "الخوف". وعند سؤالهم عن أقصى أمنياتهم، عبّر الجميع تقريبًا عن رغبتهم في العودة إلى سوريا.
في هذه السلسلة، تحاول Nature Middle East استكشاف الآثار الجلية والخفية للحرب على بعض الأفراد الأكثر قابلية للتضرر من جموع السكان: الأطفال والشباب.
تلحق الحروب أضرارًا بالنفس والصحة الذهنية للأطفال، فالضيق النفسي لا يصبح أمرًا شائعًا فحسب، بل حالة شاملة، وفق رأي مارتا باسيريني، المستشارة الفنية لحماية الأطفال في هيئة إنقاذ الطفولة Save the Children في لبنان.
توفر المنظمات الدولية استشارات فردية منتظمة للحالات الحادة فقط، ولكنها لا تتمكن من الوصول إلى الجميع. وتتركز مشاريعها بشكل رئيسي على بناء القدرات، وتدريب المهنيين، وتشكيل مجموعات الدعم.
وغالبًا ما تتضاءل الموارد والقوى البشرية المخصصة لبرامج الصحة النفسية بشكل خاص أمام حجم المشكلة. ففي بعض المخيمات، ستجد أن "الشباب المتضررين قد انجرفوا الآن في ثقافة الاعتماد على المساعدات لتحقيق احتياجاتهم الأساسية"، كما ورد في تقرير عام 2013 الصادر عن اليونيسيف والهيئة الطبية الدولية.
"عندما تنظر إلى الأطفال [السوريين] الآن، سترى خوفًا ورموزًا وأعلامًا وشعارات سياسية- أفكارًا شوهتها الحرب. لن ترى حلمًا بريئًا لأي طفل"، تقول كونستنتينا بوجونيكولو، المختصة بعلم النفس والمنسق الطبي مع منظمة أطباء بلا حدود.
لن تزول هذه الندوب النفسية. ولكن بعض الأطفال المحاصرين في مناطق الصراع، لا يمتد العمر بهم ما يكفي حتى للشعور بالضيق أو الحصول على فرصة للشفاء منه.
في سوريا، يموت العديد من الأطفال في مرافق الرعاية الصحية المهدمة، بعد علاجهم إما من قبل متطوعين حصلوا على الحد الأدنى من التدريب أو من طاقم طبي مستنزف الطاقة. برامج التطعيم آخذة بالانهيار، والأمراض التي يمكن الوقاية منها -كالحصبة وشلل الأطفال- أخذت في الظهور مجددًا، في حين تتزايد وفيات الأطفال الخدج.
عندما تنظر إلى الأطفال [السوريين] الآن، سترى خوفًا ورموزًا وأعلامًا وشعارات سياسية- أفكارًا شوهتها الحرب. لن ترى حلمًا بريئًا لأي طفل
جاء في تقرير هيئة إنقاذ الطفولة حول تأثير ثلاث سنوات من الحرب على صحة الأطفال في سوريا ما يلي: "على امتداد سوريا، تعرّض 60% من المستشفيات و38% من المرافق الصحية الأولية للضرر أو الدمار، وتراجع إنتاج الأدوية بنسبة 70%. وقد غادر ما يقرب من نصف أطباء سوريا البلاد: ففي حلب، المدينة التي كان فيها 2,500 طبيب، لم يبق منهم إلا 36 فقط".
لقد أدى تضافر ظروف المعيشة البائسة وشُح المياه وتداعي أنظمة الصرف الصحي، مع النزوح المتكرر، إلى زيادة الأمراض الجلدية. فقد ازداد عدد حالات الليشمانيا، وهي مرض طفيلي يصيب العديد من الأعضاء الداخلية، وقد يسبب تشوهًا دائمًا، من 3,000 إلى 100,000 في غضون ثلاث سنوات.
والوضع ذاته تجده في العراق، حيث أدت سنوات من عدم الاستقرار إلى إنهاك البنية التحتية للبلاد، وتناقص قدرتها على الاهتمام برعاياها الأكثر عرضة للخطر.
بالإضافة إلى انهيار نظام الرعاية الصحية، فقد تحولت المدارس إلى أماكن مؤقتة لمخيمات الإسكان، والامتحانات إما أن تُلغى أو تؤجل إلى مواعيد مبدئية. أما المستشفيات فهي معرضة للهجوم أو الإرغام على الإخلاء في أثناء أوقات الصراع مع تشريد نزلائها إثر تجدد أعمال العنف، وتولي مسلحي الدولة الإسلامية إدارتها.
وكأي شخص آخر، يغادر مقدمو الرعاية الصحية إنقاذًا لأرواحهم، وأصبح التعليم الآن ترفًا.
في سوريا، يتسرب الأطفال من المدارس، فقد أصبح الفتيان يشكلون اليد العاملة الرخيصة، وكثيرًا ما تخشى الفتيات المشي إلى المدارس بمفردهن. ولكن ثمة نقطة مضيئة واحدة، وهي برنامج في عدد من مخيمات اللاجئين في المناطق الكردية وفي تركيا، حيث يُتاح التدريس المعتاد للأطفال.
تحاول بعض الدول التي تستضيف المخيمات تقديم المساعدة. في الأردن ولبنان، تقدم المدارس فترات إضافية للاجئين في سن المدرسة، وتتعاون الحكومات مع منظمات الإغاثة الدولية. وفي مصر، أوجدت المدارس العامة أماكن لأكثر من نصف اللاجئين من الأطفال في سن المدرسة. لكن امتداد الحرب والدمار يعني أنها غالبًا ما تكون غير كافية.
وبين أنظمة الرعاية الصحية المتهالكة في البلدان المتضررة، والصدمات النفسية والاكتئاب بين الأطفال اللاجئين، ومغادرة الطلاب من عمر الثانية عشرة للمدارس ليتولوا رعاية أسرهم، تبدو الصورة شديدة القتامة.
تواصل معنا: