أدت الحرب في سوريا إلى خلق جيل غير متعلم، مثقلةً كاهلَ الأنظمة الاجتماعية في بلدان اللجوء، ومرغمةً الأطفال على العمل غير القانوني.
صوفي كزنز
"إني أتكلم بقلب مثقل؛ لأنني أريد لطفلي أن يذهب إلى المدرسة، ولكننا سنموت جوعًا إن لم يعمل"، تقول امرأة سورية من حلب عن ابنها محمد، البالغ من العمر تسع سنوات.
جلس محمد على بعد أمتار قليلة على جانب الطريق، مرتديًا قميصًا متسخًا، حافي القدمين، يبيع السجائر للمارة. إنه واحد من آلاف الأطفال اللاجئين السوريين الذين أُرغموا على ترك المدرسة والانخراط في العمل لدعم أسرهم المكافحة.
وكانت السيدة السورية، التي رفضت الكشف عن اسمها، قد هربت من الحرب الأهلية في سوريا ولجأت إلى أنطاكية، وهي بلدة رائعة الجمال في جنوب تركيا، تبعد 20 كيلومترًا عن الحدود السورية.
"إننا نقدّر وجود نحو 2.7 مليون طفل سوري لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة بشكل منتظم، داخل سوريا وخارجها"، وفق جولييت توما، المتحدثة باسم اليونيسيف.
قبل بدء الحرب الأهلية في سوريا، كانت مستويات التعليم في البلاد مرتفعة جدًّا، تُقدر بنسبة تصل إلى 97٪ بين الأطفال في سن الدراسة الابتدائية. ولكن الحرب شكلت عبئا ثقيلا على النظام التعليمي. وقد ورد في تقرير عام 2013 الصادر عن هيئة ’إنقاذ الطفولة‘ أن ما يقدر بحوالي 3,900 مدرسة في سوريا قد تعرضت للدمار أو الإغلاق خلال العامين الأولين من الحرب. وبحلول أبريل عام 2013، "صُنفت 22% من مدارس البلاد البالغ عددها 22,000 بأنها [أصبحت] غير صالحة للاستعمال".
وفقًا لتقرير منفصل صدر في ديسمبر 2013 عن اليونيسيف والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة ’الرؤية العالمية‘ وهيئة ’إنقاذ الطفولة‘، فقد توقفت معدلات الالتحاق بالمدارس بين الأطفال اللاجئين السوريين عند معدل يبلغ 34% فقط في جميع أنحاء المنطقة. هذا المعدل أقل من نظيره في أفغانستان، التي لها من الصراعات والفقر تاريخ أطول بكثير.
ظروف العمل
في الأردن تضاعفت عمالة الأطفال منذ بداية الصراع السوري.
هناك ما يقرب من 10% من 1.5 مليون طفل لاجئ سوري تقريبًا ممن يعيشون في البلدان المضيفة التي تضم لبنان وتركيا والأردن والعراق، ويضطرون إلى العمل، وفقًا لليونيسف.
في الأردن، حيث يوجد 80% من أصل 600,000 لاجئ مستقر هناك يعيشون في المجتمعات المضيفة، تضاعفت عمالة الأطفال منذ بداية الصراع السوري، ولا يبدو أن هذا الاتجاه آخذ بالتراجع، وفقًا ليوهانا ميتشيرليتش، المنسق الإقليمي لاتصالات الطوارئ في منظمة كير الدولية.
"قال لي كثير من الآباء والأمهات الذين تحدثت إليهم إن ذلك (عمل الأطفال) كان بالفعل الملاذ الأخير؛ لأنهم يريدون أن يذهب أبناؤهم إلى المدرسة"، تقول ميتشيرليتش، وتضيف: "ولكنهم يشعرون بأن هذا هو السبيل الوحيد المتاح أمامهم للبقاء على قيد الحياة".
قالت ميتشيرليتش إن الأطفال يعملون في وظائف وضيعة في المقاهي وأعمال البناء، وفي ظروف قاسية، وغالبًا ما يعملون حتى 16 ساعة في اليوم، ولا يجنون ما يزيد على بضعة دولارات مقابل عملهم يومًا كاملاً.
في لبنان، الذي أصبح ملجأً لأكثر من مليون سوري، برزت صورة مماثلة، مع توجه 30% فقط من الأطفال إلى المدارس، وفقًا لتقرير منظمة كير الدولية.
أحد العوائق الرئيسية لتوفير التعليم لهؤلاء الأطفال هو عدم تجمعهم في أي مخيمات رسمية؛ فهم منتشرون على امتداد البلاد. وقد بدأت الحكومتان الأردنية واللبنانية على حد سواء بالسماح بتطبيق نظام الفترتين الدراسيتين في بعض المدارس الابتدائية الحكومية؛ لإتاحة الفرصة أمام الأطفال اللاجئين لحضور الفترة الثانية في بعض المدارس، ولكن هذا لا يكفي.
"لا تمتلك [الأسر] المال اللازم للوصول إلى المدرسة، ولشراء الملابس للأطفال أو لشراء الكتب"، تشرح ميتشيرليتش. "فالمدارس مكتظة، وقد يضم الصف الواحد 150 طفلاً في بعض الأحيان، ويصبح الأمر صعبًا بالنسبة للأطفال الذين تخلفوا عن المدرسة لعدة أشهر أو سنوات".
تقول ميستي بوسويل، من هيئة ’إنقاذ الطفولة‘: إن بعض الآباء يقدّرون قيمة إرسال أطفالهم إلى المدرسة، حتى ولو بمقابل، ولكنهم غير متأكدين ما إذا كان سيُعترف بدراستهم في الوطن.
تقول توما: إن اليونيسف كانت تساعد المدارس اللبنانية لزيادة أماكن التعليم، وتوظيف مزيد من المدرسين، وتوفير المستلزمات الضرورية، ولكن التمويل كان محدودًا بشكل جليّ.
إبقاء الأطفال في المدارس
منظمة كير هي هيئة تقدم مساعدة مالية مشروطة للأسر في الأردن من خلال برنامج رائد، وتخطط لامتداد هذا البرنامج إلى لبنان؛ لتشجيع الآباء على إبقاء أطفالهم في المدرسة.
في تركيا، يواجه اللاجئون حاجز اللغة، ما يجعل التحاقهم بالمدارس التي تديرها الدولة أمرًا صعبًا. "خارج المخيمات، تدار المدارس بشكل كبير من قبل اللاجئين السوريين"، وفق قول سانثي أكرمان، خبيرة التعليم والمديرة المساعدة السابقة لمركز التعليم العالمي.
"يحاول هؤلاء اللاجئون جمع المال من أي مكان ممكن، وعندما ينفد المال، تقلّ الإعانات التي يقدمونها للأطفال أيضًا"، كما تقول، وتتابع: "يدفع الطلاب 100 ليرة تركية [50 دولارا أمريكيا] أو أكثر شهريًّا، بالإضافة إلى 100 ليرة تركية أو أكثر للحافلة. وهذا هو السبب في وجود عدد هائل من الأطفال خارج المدارس".
وتقدر أكرمان أن في تركيا ما يصل إلى 250,000 طفل سوري في سن المدرسة. وهي تؤيد فكرة منظمة كير بالتحويلات المالية المشروطة، وترى أنها الطريقة الأكثر مباشرة للمساعدة على إلحاق الأطفال بالمدارس.
"ليس من الضروري أن تكون [التحويلات] كبيرة، يجب أن تكون مقابل المبلغ الذي يكسبه الأطفال عند خروجهم للعمل في ذلك اليوم. ثمة حاجة لمواجهة الفقر في المناطق المضيفة كذلك"، وفق قولها.
أحد التحديات الرئيسية أمام الجمعيات الإنسانية والإنمائية والوطنية هي البدائل أمام هؤلاء الأطفال، استنادًا إلى نيك غرايسوود، عضو فرقة العمل التابعة لمجموعة العمل العالمية لحماية الطفل. "حتى لو أتيحت البدائل، فهل ستكون مقبولة بالنسبة للأطفال وأسرهم؟".
"يبدو أن جميع الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين تواجه مشكلات مماثلة، وأظن أن عقد اجتماع إقليمي لهذا الغرض يشمل الحكومات والوكالات والجهات المانحة المعنية سيكون خطوة مهمة للبدء"، وفق قوله، ويتابع: "المطلوب إدارة معرفية على نحو أفضل".
تواصل معنا: