رياح التغيير تهب من خلال مراكز البحوث والجامعات العاملة في الشرق الأوسط
القانون في الطب لابن سينا، دراسات في الجبر والحساب للخوارزمي، كتاب البصريات لابن الهيثم... هذه ليست سوى أمثلة قليلة لآداب الشرق الأوسط القادمة من الماضي، العصر الذي شهد إسهامات بارزة للفكر الإسلامي في العلم الحديث. وعلى الرغم من هذا، فإن الإحصائيات التي ترصد التأثير العلمي للعالم العربي اليوم تظهر صورة مختلفة تمامًا؛ حيث إن الجامعات ومراكز البحوث في البلدان العربية تتخلف كثيرًا عن نظيراتها في الغرب,، أو في شرق آسيا. ففي عام 2012، بلغ إجمالي المطبوعات العلمية التي خرجت من منطقة الشرق الأوسط بأكملها نحو أقل من ربع تلك التي خرجت عن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، كما تم إدراج ثلاث جامعات عربية فقط على قائمة أفضل مائتي جامعة على مستوى العالم "اثنتان منهم في إسرائيل، والثالثة في تركيا".
ومع ذلك، فإن مجتمعًا ناهضًا في هذه الدول يتوق الآن إلى إعادة إحياء النهضة العلمية في هذه المنطقة.
بصفته الحائز على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1999، فإن الدكتور أحمد زويل يعرض، في قسم "تعليق" في الصفحة رقم 318 من هذا العدد، لضرورة إجراء إصلاح جذري بعد عقود من سياسات تعليمية غير فعالة، ومستويات منخفضة من محو الأمية، واتجاه لقمع التفكير الحر.
وكما يتضح مؤخرًا من خلال أحداث الربيع العربي، فإن الفئات السكانية الشابة في هذه الدول تسعى جاهدة للقيام بدور فعال في المجتمع، هذه الفئات هي العنصر الأساسي اللازم لتحقيق تحولات علمية وثقافية عميقة.
أيضًا، فإن وفرة الموارد الطبيعية، والاقتصاديات الغنية -على الأقل لبعض البلدان- يمكن أن توفر الدعم اللازم لتطوير بنية تحتية في مجال البحوث، وتعليم أكثر كفاءة.
وفي الوقت الحالي، فإن ضرورة التحرك نحو المجتمع الذي تقوده المعرفة تجتاح منطقة الشرق الأوسط، وبعض الدول تموِّل بقوة هذه الفترة الانتقالية الصعبة.
على سبيل المثال، فإن مركزًا متميزًا في مجال التعليم العالي والبحوث -هو مدينة زويل للعلوم والتكنولوجيا- تم إنشاؤه في مصر بفضل التبرعات الشعبية والحكومية.
أيضًا جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) في المملكة العربية السعودية، التي تهدف إلى أن تصبح مركزَ بحوثٍ رائدًا على المستوى العالمي، يعمل على مجالات مثل: الطاقة الشمسية، وتحلية المياه، والحفز الكيميائي، والاحتراق.
"جان م. ج فريشيت" -نائب الرئيس لشؤون الأبحاث في جامعة الملك عبد الله- يعرض في قسم "حوار" في الصفحة رقم 312 للتمويل السخي الذي يتلقاه العلماء العاملون في جامعة الملك عبد الله، بوصفه وسيلة لدعم أبحاثهم. ويأتي هذا التمويل بشكل رئيسي كتبرعات من المملكة العربية السعودية، ويصل إلى أكثر من عشرة مليار دولار أمريكي.
أيضًا، فإن دولة قطر خططت لزيادة الإنفاق الوطني على البحث والتطوير، ليصل إلى ما نسبته 2.8٪ من الناتج المحلي الإجمالي في السنوات القليلة المقبلة.
في حوار مع "Nature Middle East"، البوابة الإلكترونية للأبحاث العلمية والطبية الموجهة لبلدان منطقة الشرق الأوسط الناطقة بالعربية، يشرح "توماس زكريا" - نائب الرئيس لشؤون الأبحاث والتنمية في مؤسسة قطر- الاستراتيجيات التي سيتم تبنيها في المؤسسة للتركيز على كل من الموارد الطبيعية للبلاد، والبحوث الجارية على ثلاثة تحديات رئيسية لقطر: الأمن المائي، وأمن الطاقة، والأمن الإلكتروني.
وبخلاف الالتزام بالدعم المالي، يأتي على نفس القدر من الأهمية لنجاح هذه المراكز.. الاعتراف باستقلالهم العلمي الكامل من سيطرة الحكومات المركزية، وبالتالي حماية البحوث والمناقشات العلمية من التدخلات السياسية أو الدينية. وهذا هو ما نصت عليه القوانين التشريعية المؤسسة لمدينة زويل، وكذلك بالنسبة لمجلس الأمناء الدولي الذي يدير جامعة الملك عبد الله "KAUST" في المملكة العربية السعودية. وقد مُنحت هذه الجامعة وضعًا مميزًا، يتجلى في تعزيز نمط حياة جامعية يمنح فرصًا متكافئة للجميع، دون أي تمييز جنسي أو ديني.
وبالفعل، اجتذبت هذه المراكز المتميزة عددًا كبيرًا من العلماء القادمين من الخارج.
إنزو دي فابريزيو، العالم الإيطالي الذي انتقل مؤخرًا إلى المملكة العربية السعودية تحدث إلى Nature Middle East حول البيئة البحثية المنفتحة والتعاونية التي وجدها في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وكذلك فرص التمويل الممتازة في هذه الجامعة، والتي تأتي متناقضة تناقضًا صارخًا مع سياسات التقشف المتبعة في أوروبا والولايات المتحدة.
وفي سياق مماثل، فإن الباحثين الآخرين الذين استغلوا هذه الفرص التي يتيحها هذا الواقع الجديد في منطقة الخليج أكدوا أنهم ليسوا نادمين مطلقا على هذه الخطوة,.
ويسعى العلماء المحليون والدوليون في هذه الجامعات إلى تعزيز العقلية البحثية لدى السكان المحليين في هذه الدول، من خلال نقل معارفهم إلى الطلاب، سواء في المرحلة الجامعية، أو في مرحلة الدراسات العليا.
ولتحقيق هذه المهمة التربوية، فإن معظم مراكز البحوث لديها مشاريع محددة مخصصة للطلاب العرب الموهوبين، الذين التحقوا بهذه الجامعات إما من خلال برامج الدراسة الدولية في الخارج، أو من خلال المناهج الأكاديمية المتقدمة المتاحة في الجامعات المحلية.
الآن، يمكن لهؤلاء الطلاب بعد التخرج أن يختاروا من بين عدد متزايد من برامج الدكتوراه، تحت إشراف مباشر من باحثين دوليين في المنطقة، كما أتيحت لهؤلاء الطلاب في أوطانهم فرصٌ لمرحلة دراسات ما بعد الدكتوراه، ما يوفر لهم إمكانية تطوير أبحاثهم بشكل أكبر، كما يهيئ لهم فرصة التنافس على مناصب أعضاء هيئة التدريس، في جميع أنحاء العالم.
إن إنشاء مراكز علمية قادرة على أداء دور علمي في المجتمع الدولي، وقادرة في الوقت نفسه على إشراك عدد متزايد من الطلاب العرب في البحوث، هي خطوة من شأنها أن تحفز التغيير المطلوب في الشرق الأوسط.
وبالتأكيد، سيكون من المثير للاهتمام مراقبة تأثيرات هذه الجهود على الإنتاجية العلمية في السنوات القليلة المقبلة.
وعلى المدى الطويل، يأمل المرء فقط في أن يسهم تعرض الأجيال الشابة للبيئة البحثية متعددة الثقافات، التي يحركها الفضول، في إشعال عصر ذهبي علمي جديد في المنطقة.
تواصل معنا: