اجتذاب الباحثين الدوليين إلى الشرق الأوسط

مع اندفاع دول الشرق الأوسط لتطوير الاقتصادات القائمة على المعرفة من أجل الابتعاد عن الاعتماد على الموارد الطبيعية، بدأت المؤسسات العلمية بالتنافس لاجتذاب المواهب العالمية للتدريس وإجراء البحوث محليا.

دأبت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST ) - وهي جامعة حديثة للدراسات العليا والأبحاث أنشئت في مدينة ثول الصغيرة على البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية- على توظيف الباحثين من مختلف أنحاء أوروبا وآسيا والولايات المتحدة؛ لتعزيز مكانتها العلمية.

مع تناقص فرص التمويل المتاحة للبحوث في الغرب، تمكنت المرافق المتميزة في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية من اجتذاب كثير من العلماء، على الرغم من التحول الثقافي الذي تنطوي عليه هذه الخطوة. إنزو دي فابريزيو -أستاذ الفيزياء الإيطالي، الذي انتقل مؤخرا إلى جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية- تحدث إلى نيتشر مدل إيست عن تجربته، وعرض تقديم المشورة للآخرين الذين قد يُقدِمون على هذه الخطوة.

منذ متى وأنت في جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية؟ وما الذي اجتذبك إليها؟

إنني في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية منذ سنة، وقد انضممت إليها بسبب الرؤية الفريدة للجامعة. أنا متفائل بأننا سننجح هنا في تقديم المساعدة للمملكة لكي تصبح لاعبًا مهمًّا في المشهد العلمي العالمي.

هل كنت قلقا من إمكانية تأثر بحوثك بالانتقال إلى جامعة في بلد ليس له شهرة علمية؟

لم يزعجني هذا الأمر لعدة أسباب. تاريخيا، كانت السعودية قد أسهمت في عدد من مجالات العلم الحديث: مثل الهيدروليّات والبصريات والجبر وعلم الفلك، بالإضافة إلى الأدب.

وباعتباري إيطاليًّا، فأنا مطّلع على الدور الذي أدَّته السعودية في نقل التراث الإغريقي إلى العالم اللاتيني. تاريخ الحضارات له معنى أعمق، ويستمر مدة أطول من الهيمنة المؤقتة لأمة معينة أو على منطقة من العالم. في القرن الماضي، شكّلت أوروبا والولايات المتحدة مركز المعرفة العلمية. في الوقت الحاضر، هناك بلدان ومناطق جديدة تسهم بقوة في العلم، مثل: الصين والهند وكوريا الجنوبية وسنغافورة، والآن انضمت إليها البرازيل والأرجنتين، وهي تؤسِّس برامج جديدة مثيرة للاهتمام.

المملكة العربية السعودية تنضمّ بنشاط إلى هذه العملية الشاملة لجميع أنحاء العالم عبر جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية؛ فهي جامعة دولية تقدم إمكانات جيدة جدا لإجراء البحوث المتقدمة لأفراد هيئة التدريس والمتعاونين معها. وبوصفي عالِمًا، تسرني مساعدة هذا البلد لتحسين المعرفة العلمية وإعداد بنية تحتية جيدة لطلاب المستقبل من السعوديين.

ما هي الفرص البحثية التي وجدتها في المملكة العربية السعودية ولم تكن موجودة في وطنك؟

إن نوعية العلماء والإدارة العليا في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية تتقدم عامًا بعد عام. والأكثر من ذلك، فنحن بوصفنا مبتدئين ومؤسسين، نعيش عصر "البطولة"، حيث يرغب الناس في التعاون، ولديهم فضول للاطلاع على أنشطة بعضهم البعض. وقد يرجع السبب في هذه الروح إلى حقيقة أن العديد من العلماء يدركون حجم التحدي الكبير الذي نواجهه لإنشاء جامعة دولية خلال سنوات قليلة.

والذي يجعل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية متميزة هو أن مهمتها العلمية تتداخل بوضوح وفعالية مع استراتيجية التمويل. في أوروبا والولايات المتحدة، نجد أن التمويل آخذ في التقلص، وهذه علامة على الافتقار إلى رؤية مستقبلية.

أودّ توفّر المزيد من برامج التبادل مع طلاب وزملاء أوروبيين، ومع مجتمع الاتحاد الأوروبي عموما. وأعتقد أن هذا سيساعد المملكة العربية السعودية وأوروبا على تطوير أفكار واكتشافات جديدة ذات صلة بمجالات البحوث الرئيسية لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية: الطاقة والمياه والبيئة والأمن الغذائي.

لا بد أن الانتقال إلى المملكة العربية السعودية قد انطوى على تغيير ثقافي كبير. كيف تمكنت وعائلتك من التعامل مع هذا الأمر؟

هذا صحيح، ولكن كان لدينا فضول، وعندما تلتقي الأناس الحقيقيين، ولا تكتفي بمجرد مقارنة الأيديولوجية أو الدين، تصبح الأمور أبسط من ذلك بكثير. السعوديون شعب مضياف جدا، ونحن نتفهم بعضنا البعض، ونحترم التقاليد الثقافية لبعضنا البعض.

إني أعتزم البقاء في جامعة الملك عبد الله مدة طويلة، وربما أكمل حياتي الوظيفية هنا. في الوقت الحالي، أنا في إجازة استيداع من جامعة اليونان العظمى (Magna Graecia) لمدة خمس سنوات. وأود أن أطيل هذه المدة إذا استمرت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في متابعة تحقيق أهدافها.

برأيك، ما هو المطلوب في الشرق الأوسط لكي يحقق نهضة علمية؟

الإنجازات العلمية أمر جمعي. يجب أن يستثمر الزعماء في الشرق الأوسط في مدارس وبرامج تعليم جيدة على كافة المستويات. وسيتحدد مستقبل أي بلد استنادًا إلى المعرفة. وبعيدا عن الموارد الطبيعية كالنفط أو المعادن أو الطاقة الشمسية، ستتمثل الموارد الرئيسية في المستوى الثقافي للمواطنين. ستكون المواد الخام جزءًا واحدًا فقط من القيمة المضافة للمنتجات، وسيتمثل الدورالرئيسي من خلال أداء العمليات التي يحتاجها المُنْتَج، وهي وظائف ترتبط بشدة بالمعرفة العلمية والتكنولوجية. ستمنح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية علماء وأساتذة جيدين للمملكة العربية السعودية، وهذا الأمر بالتحديد سيساعد في عملية التحول تجاه النهضة العلمية.

ما هي النصيحة التي توجهها للباحثين الآخرين الذين يفكرون بالانتقال إلى الشرق الأوسط أو إلى جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية استنادًا إلى تجربتك فيها؟

يدرك جميع أعضاء مجتمع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية مدى التحدي المتمثل في تحويلها من جامعة جيدة إلى جامعة من جامعات القمة. لذا تشارك الكلية في أبحاث ممولة جيدًا، وهذا مما يجتذب كبار العلماء الدوليين إلى الجامعات، وتحاول الهيئات الإدارية وضع أسس بيروقراطية مفيدة، والطلاب متحمسون لسهولة الوصول إلى أفضل المرافق والمجموعة المتنوعة من المحاضرات. يتزايد عدد المؤتمرات في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية كل عام، وقد باتت الجامعة معروفة على المستوى الدولي.

أنصح العلماء في الغرب بإقامة علاقة مع معاهد الشرق الأوسط ومؤسساته، وبالقدوم لزيارتنا في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية. ستدركون ما نقوم بعمله معًا وما يتعلمه بعضنا من بعض. آمل أن يكتشف العديد من العلماء أهمية ومتعة بناء مستقبل من السلام والرخاء عن طريق العلم.

اشترك للحصول على النشرة الإلكترونية المحدّثة كل أسبوعين لكي تبقى على اطلاع بكافة المستجدات على الموقع.