يعتقد العلماء أنهم حددوا مصر كبوابة قديمة لمغادرة البشر المعاصرين خروجًا من أفريقيا.
نادية العوضي
لسنوات عديدة وضع العلماء في اعتبارهم المستحاثات والأدلة الأثرية والجينية؛ في محاولة يائسة لمعرفة الطريق التي سلكها أسلاف الإنسان الحديث من أفريقيا إلى أوراسيا، قبل نحو 50– 100 ألف سنة خلت.
وقد بدا أن هناك طريقين معقولتين: طريق شمالية من مصر عبر سيناء وصولاً إلى آسيا؛ وطريق أخرى جنوبية من إثيوبيا عبر مضيق باب المندب في أقصى جنوب البحر الأحمر وصولاً إلى شبه الجزيرة العربية.
باستخدام التسلسل الكامل للجينوم، استطاع فريق دولي من الباحثين تقديمَ أول دليل لتعزيز اعتبار الطريق الشمالية المسار الذي اتُّبع للهجرة خارج أفريقيا. قامت المجموعة المكونة من مشاركين من أوروبا والولايات المتحدة ولبنان وإثيوبيا، بتحليل الجينومات الكاملة لـ152 إثيوبيًّا من خمس مجموعات عرقية مختلفة، و100 مصري ممن يقطنون في لبنان، والذين يمكن تعقب نسب أسلافهم لثلاثة أجيال على الأقل.
قام الفريق أولاً بتحديد ثم "حجب" جميع البيانات الوراثية التي يرجح أن تكون ناتجة عن المزيد من الاختلاط الحديث مع غير الأفارقة، وقارنوها بالجينومات الأوراسية.
أبدت العينات المصرية، لا الإثيوبية، معظم أوجه التشابه مع تلك الأوراسية. لذا، استنتج الباحثون -بقيادة عالم الوراثة بيير زلوع، من الجامعة اللبنانية الأميركية- أن الطريق المصرية الشمالية كانت هي التي سُلِكت للخروج من أفريقيا.
"هذه دراسة صُممت بشكل جيد جدًّا، ونتيجتها تحلّ التناقض في البيانات التي وُجدت منذ عدة سنوات"، استنادًا إلى قول المختصة بعلم الأنثروبولوجيا، البيولوجية ليزا ماتيسو سميث، من مدرسة أوتاجو للعلوم الطبية في نيوزيلندا، وهي باحثة مستقلة تعمل أيضًا على بحث الهجرة خارج أفريقيا.
ويقول عالم الوراثة السكانية فرناندو لويس منديز -من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة-: لقد كانت المهمة صعبة؛ لأن إعداد البيانات بمئات من التسلسلات الجينومية لمجموعات سكانية إثيوبية ومصرية "رائع".
يُجري منديز بحثًا منفصلاً يتعلق بالاختلاط الجيني للجماعات البشرية القديمة. وفي حين أنه يثني على عينات البيانات السكانية الإثيوبية المأخوذة بعناية، والتي كشفت عن مدى التنوع الجيني داخل بلد أفريقي واحد، بالإضافة إلى البيانات المتعلقة بالأفراد المنحدرين من أصل مصري في لبنان، إلا أنه يحذّر من أن "هذا الرأي ربما يضفي تشويشًا على بعض تعقيد البنية السكانية المصرية".
وهو يحيّي النهج الذي اتبعه المؤلفون من عزلٍ للأحداث الديمغرافية المختلفة، لكنه يقول إنه من غير الواضح مدى التعقيد الذي ستصبح الصورة عليه؛ لأننا "نتعلم المزيد عن الاختلاف الجيني ضمن المجموعات السكانية في المنطقة"، كما يسهب، مضيفًا: "أعتقد أنه ما زال من المبكر جدا أن نكوّن فكرة واضحة عما إذا كان بعض الافتراضات الأساسية التي وضعها المؤلفون واقعيًّا".
يقول زلوع: إنه سيكون من المفيد دراسة التنوع الجيني في مصر في المستقبل؛ لأنها شكلت مركزًا رئيسيًّا لانتشار المجموعات السكانية من أفريقيا وإليها على مدى عدة آلاف من السنين.
"في رأيي، يحمل الشعب المصري المتنوع كثيرًا من الأدلة المتعلقة بماضينا، والتي ما زلنا بحاجة إلى كشفها"، وفق قوله، ويضيف: إن استخدام المعلومات الوراثية من سكان لبنان المصريين لا يقوض النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة الحالية.
توافق ماتيسو سميث، قائلة: "ليس ثمة مشكلة في استخدام مصريي لبنان. إن حقيقة كونهم مجموعة مهاجرة تعني أنهم قد جاؤوا على الأرجح من مجموعة من المواقع في مصر، وسيوفرون بالتالي تمثيلاً معقولاً لمنطقة واسعة من مصر".
"لقد كانت هذه هي أول دراسة تحدد المجموعات السكانية الرئيسية بدقة، وتشير إلى وجود أوجه تشابه جينومية بين المصريين وغير الأفارقة"، وفق قول زلوع. " الامتداد الطبيعي لهذه الدراسة هو استخدام المجموعات السكانية الأخرى التي توجد على طول المسار الذي سلكه البشر المعاصرون للخروج من أفريقيا، وأعني تحديدًا سكان دول شرق المتوسط".
doi:10.1038/nmiddleeast.2015.109
Pagani, L. et al. Tracing the Route of Modern Humans out of Africa by Using 225 Human Genome Sequences from Ethiopians and Egyptians. The American Journal of Human Genetics. http://dx.doi.org/10.1016/j.ajhg.2015.04.019 (2015)
تواصل معنا: