الشعاب المرجانية لمياه البحر الأحمر العميقة: مستودعات الأمل
نشرت بتاريخ 17 نوفمبر 2015
إن وجود مرجانيات أعماق البحر في الأوساط البيئية المتطرِّفة للبحر الأحمر تفتح آفاقًا جديدة للبحث.
سدير الشوق
على مدى قرنين ونصف، أجمع علماء الأحياء البحرية على أن شعاب أعماق البحار المرجانية يمكنها العيش فقط في موائل المياه الباردة. وأدى الاكتشاف الحديث لهذه الكائنات الحية في البحر الأحمر إلى تأسيس فهم جديد لكيفية تجاوب هذه الشعاب المرجانية تجاه مناخ الأرض المتغيّر.
على الرغم من رؤية الهياكل المرجانية التي قدمها عالم الحيوان النمساوي إريك مارنزيلَر منذ أكثر من قرن، ومياه البحر الأحمر -الأكثر دفئًا وملوحةً- التي عُدَّت وسطًا غيرَ مضياف للشعاب المرجانية على وجه العموم. إلا أن عالم الأحياء البحرية كريستيان فولسترا في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) يقدم رؤية مختلفة.
في ديسمبر 2011، تابع فريق فولسترا ملحوظة مارنزيلَر، مع الاستفادة من التطورات التكنولوجية التي سهلت الوصول إلى مواقع المياه العميقة. باستخدام مركبة تُشغَّل من بُعد، وغواصة لجمع عينات من أعماق تصل إلى 200- 800 متر، وجدوا ستة أنواع من شعاب الأعماق المرجانية في أربعة مواقع في البحر الأحمر، ومن ضمنها نوعان جديدان ونوع يُعرف أنه يوجد في المياه الباردة في مكان آخر. الأنواع الثلاثة الأخرى تمت ملاحظتها، ولكن لم تُجمع عينات منها للتحليل.
"البحر الأحمر هو بيئة دافئة جدًّا، ليس فيها كثير من العمليات التي تعتمد عليها الكائنات الحية في أعماق البحار"، يوضّح فولسترا، مضيفًا: "وقد افترض الناس إلى حد كبير أنها لا يمكن أن توجد".
وقد ذكر باحثو البحار أن النتائج التي توصل إليها قلبت افتراضاتهم حول كيفية عمل شعاب أعماق البحار المرجانية، وشرعوا منذ ذلك الحين في جمع أدلة متزايدة حول المرونة الفيزيولوجية المدهشة التي تمكّن الشعاب المرجانية في مياه البحر العميقة والضحلة من تحمّل درجات الحرارة والملوحة المرتفعة الموجودة في مجمل الحوض المائي للبحر الأحمر.
فمثلًا، بحثت دراسة حديثة في أنواع مرجان المياه الضحلة العالمي، المعروف باسم Pocillopora verrucosa، والتي تنمو ضمن مجال من درجات الحرارة السائدة على امتداد خطوط العرض التي يوجد ضمنها البحر الأحمر1 من الشمال إلى الجنوب. في دراسة أخرى، أظهر نوع آخر عالمي الانتشار من مرجان المياه العميقة في البحر الأحمر، واسمه Eguchipsammia fistula ، أنه يتحمل مجموعة من الظروف الفيزيولوجية، وهو ما قد يفسر جزئيًّا وجوده2 على نطاق واسع.
نظرة إلى المستقبل
يمكن لهذه الأنواع المرجانية أن تشكل نموذجًا لتأثيرات احترار المحيطات الناجم عن تغيّر المناخ. ويأمل الباحثون أن يؤدي فهم الطرق التي تكيفت بواسطتها إلى وضع سياسات إدارية وقرارات في أماكن أخرى.
منذ مدة طويلة ساد اعتقاد بأن المرجان من الكائنات الحية الساكنة التي لا يُتوقع صمودها في مواجهة تغيّر المناخ، ولكن عمل فولسترا ساعد في عكس هذا المفهوم الخطأ. "الشعاب المرجانية ناجحة جدًّا من الناحية التطورية؛ فقد كانت موجودة منذ 250 مليون سنة"، كما يشرح. "لقد بادت العديد من الحيوانات والنباتات الأخرى في ذلك الوقت، لذا لا بدّ أنها قد عثرت على طريقة للتكيُّف".
النظم الإيكولوجية قادرة على التعديل، ولكنك بحاجة إلى ما يكفي من التنوّع الجيني لتنتقي منها.
قد يكون أحد هذه العوامل المساعدة على قدرتها التكيّفية هو العلاقة التكافلية للمرجان مع الطحالب التي تعيش ضمن حجراته. تحصل الشعاب المرجانية في المياه الضحلة على الجزء الأكبر من طاقتها من هذه الطحالب المخلقة ضوئيًّا، وتشكل معها ’وحدة حية تفاعلية metaorganism‘. اكتشف فريق جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية أن طحالب مختلفة كانت مرافقة لأنواع من الشعاب المرجانية في أوساط بيئية مختلفة، على الرغم من أنه يتعين عليهم إظهار رابط وظيفي بين المعايِش ومرونة الشعاب المرجانية.
لقد اتضحت أهمية الأحياء الدقيقة المتعايشة على نحو متزايد في العقد الماضي. واكتشف علماء الأحياء أن البكتيريا والفطريات والأولانيات (وحيدات الخلية) المتعايشة مع النباتات والحيوانات أو داخلها، والمعروفة باسم الميكروبيوم، تشارك بعمق في مجموعة من العمليات المتنوعة، من التمثيل الغذائي إلى المناعة. ويضيف الميكروبيوم إلى قدرات المضيف بحيث يتلاشى الخط الفاصل بين الشركاء المتعايشين.
وكما هو الحال بالنسبة للحيوانات الأخرى، تشكل الشعاب المرجانية مضيفًا لميكروبيوم، وجد فريق فولسترا أنه أقل تأسيسًا وأكثر تنوعًا في الشعاب المرجانية الموجودة في الأوساط البيئية الأكثر فقرًا، مقارنة بتلك الموجودة في أوساط بيئية3 أفضل.
باجتماعها معًا، تشكل الشعاب المرجانية والطحالب المخلقة ضوئيًّا والميكروبيوم ثلاثيًّا تكافليًّا يسمى المعايش المرجاني الشامل.
قد يفسر هذا كيف تستطيع الشعاب المرجانية أن تتكيف بسرعة لتتغير على الرغم من طول زمن أجيالها. فبدلًا من الاعتماد على طفرة مفيدة للانتشار عن طريق الانتقاء، قد تُجري المجموعات المرجانية تعديلًا سريعًا عن طريق تغيير الكائنات الدقيقة المرتبطة بها لتغيير القدرة الفيزيولوجية للمعايش الشامل.
إضافة إلى ذلك، فإن قصر عمر الطحالب والبكتيريا يعني أن الطفرات المفيدة يمكنها الانتشار خلال أيام لا عقود. ونتيجة لذلك، فإن الوحدة الحية التفاعلية المرجانية تتكيف وتتطور بسرعة أكبر بكثير من سرعة تطوُّر الشريك الحيواني المرجاني في حد ذاته.
ملعب التطور
"أجد أنه من المدهش حقًّا أن نفكر في كيفية تطوُّر كل هذا، وكيف سيتابع تطوره، وكيف سيجري تنظيمه"، وفق قول فولسترا، الذي يضيف: "هذا الكائن الحي يبني نظامًا بيئيًّا كاملًا للشعاب المرجانية، ويتكون بحدّ ذاته من العديد من الكائنات الحية".
حتى الآن، أتت نتائجه من ’التجربة الطبيعية‘ الجارية في البحر الأحمر، والذي يسميه فولسترا "أنبوب اختبار ضخم لتطور المرجان"، ولكنه يتحول الآن إلى التجارب التطورية. عن طريق إنماء الشعاب المرجانية إلى جانب سواها من الكائنات الحية في أحواض سمك وظروف متنوعة، كدرجة الحموضة ودرجة الحرارة، يأمل الفريق في معرفة ما إذا كانت الطحالب والبكتيريا تتغير استجابة للضغوط البيئية.
"المشروع الكبير المقبل هو إنشاء نظام نموذجي للمرجان؛ لأن الحفاظ على حياته خارج الحيد البحري أمر في غاية الصعوبة، لذا هناك الكثير مما لا يمكنك ببساطة فعله معه"، وفق شرح فولسترا. نظر الباحثون إلى الإيبتاسيا Aiptasia ، وهي إحدى شقائق البحر التي تشكل علاقات تعايشية مع نفس الطحالب المخلقة ضوئيًّا. وهم يأملون عن طريق وضع تسلسلها الجينومي، وبناء مجموعة من الأدوات الوراثية والجينومية، أن يطوروها ككائن نموذجي قابل للحياة من أجل دراسة الشعاب المرجانية كوحدة حية تفاعلية.
بالإضافة إلى توفير موئل لآلاف الأنواع، تخدم الشعاب المرجانية أيضًا كمحاضن لمصايد الأسماك. "من المهم جدًّا أن نفهم الحيوانات المرجانية وكيفية عملها، ليس من منظور التنوع البيولوجي فقط، بل من وجهة نظر التغذية البشرية أيضًا"، استنادًا إلى قول فولسترا.
إن تكيُّفية الشعاب المرجانية المكتشفة حديثًا تقدّم بعض الأمل في مواجهة تغيُّر المناخ وصيد الأسماك الجائر. "النظم الإيكولوجية قادرة على التعديل، ولكنك بحاجة إلى ما يكفي من التنوّع الجيني لتنتقي منها"، وفق قول فولسترا. وهو يؤيد إنشاء مناطق محمية تُترك تمامًا دون مساس كملاذ لمجموعات متنوعة تضم ما يكفي من التنوّع الجيني؛ للتصدي للتغيُّرات البيئية.
"على الرغم من كل التشاؤم، أعتقد أنه ينبغي أن يكون هناك مساحة للتفاؤل أيضًا"، وفقًا لقوله.
doi:10.1038/nmiddleeast.2015.226
Sawall, Y. et al. Extensive phenotypic plasticity of a Red Sea coral over a strong latitudinal temperature gradient suggests limited acclimatization potential to warming. Scientific Reportshttp://dx.doi.org/10.1038/srep08940 (2015)
Roik, A. et al. Captive rearing of the deep-sea coral Eguchipsammia fistula from the Red Sea demonstrates remarkable physiological plasticity. PeerJhttp://dx.doi.org/10.7717/peerj.734 (2014)
Roder, C. et al. Microbiome structure of the fungid coral Ctenactis echinata aligns with environmental differences. Molecular Ecology. http://dx.doi.org/10.1111/mec.13251 (2015)
تواصل معنا: