الصيد الجائر يهدد الشعاب المرجانية في الشرق الأوسط
نشرت بتاريخ 17 نوفمبر 2015
يسبب الصيد الجائر انعدام التوازن بين قاطني الشعاب المرجانية في المنطقة عن طريق القضاء على مفترِساتها الرئيسية.
محبّ قسطندي
عندما ذهب عالم الأحياء البحرية مايكل بيرومين أول مرة للغطس قبالة ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية في عام 2008، لحظ أمرًا غريبًا يخص الشعاب المرجانية. كان حينذاك زميلًا في مرحلة ما بعد الدكتوراة في معهد وودز هول لعلوم المحيطات في ماساتشوستس، وكان قد سافر إلى المملكة مع مجموعة من زملائه لتقييم التنوُّع البيولوجي لمرجان البحر الأحمر، بوصفه واحدًا من عدة أفكار لمشاريع تمخض عنها التعاون الجديد بين وودز هول وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST).
"بدت الشعاب كما لو أنها في حالة رائعة، ولكن شيئًا ما كان مفقودًا"، وفق قول بيرومين. "كان عند كل مجموعة مرجانية زرناها مجموعة من صغار سمك الهامور، والحمرة، وتريفلي، لكن ليس الكبيرة منها، ولم نر أي سمكة قرش. لم يمض وقت طويل قبل أن ندرك أن المفترِسات الرئيسية كانت قد اختفت".
وبصفته الآن مدير مختبر الشعاب المرجانية في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، درس بيرومين هذه الأسماك ومجموعات الشعاب المرجانية منذ ذلك الحين، باستخدام نظام تحديد المواقع والتوسيم السمعي لتتبُّع تحركات أسماك القرش والشفنين وسواها من المفترسات الكبيرة، وباستخدام التقنيات الجينومية لتصنيف وتحديد العلاقات التطورية للأنواع التي يجدها.
"يبدو أن ضغط الصيد واسع الانتشار إلى حد ما، وتبدو مجموعات أسماك القرش عاجزة عن مواجهته"، وفق قوله. "إنها تتكاثر ببطء، وليس لديها الكثير من الصغار، وتستغرق وقتًا طويلًا لتنمو".
كثيرًا ما يُشار إلى الشعاب المرجانية باسم غابات المحيط المطيرة، فهي المعيل لأكثر من ربع الأنواع البحرية في العالم، على الرغم من أنها تشغل أقل من 1% من مساحة البحر. وقد عانت الشعاب المرجانية في البحر الأحمر، كمثيلاتها في أماكن أخرى، تراجعًا حادًّا على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، ويُقدَّر الآن أن ما يقرب من ثلثي الشعاب المرجانية في المنطقة معرّض للخطر.
ويرجع هذا جزئيًّا إلى السياحة، وصناعة النفط في المنطقة، إضافة إلى تغيّر المناخ والمرض والتلوُّث. ويُعَدُّ الصيد الجائر عاملًا رئيسيًّا آخر يهدد الشعاب المرجانية في منطقة الشرق الأوسط– وهو عامل ربما يكون بالفعل قد ألحق بالنظام البيئي ضررًا لا يمكن إصلاحه.
أسماك القرش المجهَدة
أدى النمو السكاني إلى ارتفاع الطلب على الأسماك كمصدر للغذاء، وأدى سوء التنظيم المشفوع بممارسات الصيد الجشعة إلى انخفاض إجمالي في أعداد المجموعات البحرية، مع تضرُّر شديد لأنواع الأسماك التجارية في المياه العميقة على وجه الخصوص.
يؤكل لحم القرش، على سبيل المثال، في أجزاء كثيرة من الشرق الأوسط، ويتم تصدير عدة ملايين من زعانف سمك القرش سنويًّا إلى جنوب شرق آسيا، حيث تستخدم لصنع حساء زعانف القرش، ولصناعة الأدوية التقليدية.
"على الرغم من أسماك القرش تشكل النسبة الأقل من مضبوطات الصيد، مقارنة بأسماك الهامور أو الحمرة، إلا أنها لا تزال تمثل عبئًا ثقيلًا على مجموعات أسماك القرش، ويبدو أن البحر الأحمر السعودي، على الأقل، غير قادر على التعامل مع هذا الأمر"، وفقًا لقول بيرومين.
جوليا سْبات، طالبة الدكتوراة السابقة في مختبر بيرومين، مؤخرًا أجرت مسحًا استمر عامين لأنواع سمك القرش التي تُعرض للبيع في سوق السمك1 في جدة. "زرت السوق 48 مرة، وجمعت ما مجموعه 2561 عينة تنتمي إلى 23 نوعًا"، كما تقول، مضيفة أن خمسة أنواع –القرش رمادي الذيل، وقرش المرجان الرمادي، والقرش الحريري، والقرش أسود الطرف، والقرش اللبني- هيمنت على الكميات المصيدة، مشكلة مجتمعة ما يقرب من ثلاثة أرباعها.
"وعلى الرغم من المرسوم الملكي الصادر عام 2008 الذي يحظر جميع أنشطة صيد سمك القرش في المياه السعودية من البحر الأحمر، إلا أن أعدادًا كبيرة من أسماك القرش [لا يزال] يجري اصطيادها يوميًّا"، كما تضيف.
الأهم من ذلك، كشفت أبحاث سبات أيضًا أن غالبية أسماك القرش المَصيدة هي من الذكور والإناث غير الناضجة جنسيًّا. "وهذا يؤكد الحاجة الملحة إلى تنفيذ استراتيجيات إدارة وحماية خاصة بالمنطقة؛ لتجنُّب خسارة هذه المفترسات الرئيسية"، وفق قولها.
في المياه السودانية، على النقيض من ذلك، يبدو أن صيد سمك القرش أكثر استدامة. "كثيرٌ من الناس في السودان لا يقدر على شراء الأسماك أو الذهاب الى الصيد، لذا ليس هناك الكثير من صناعة صيد الأسماك"، استنادًا إلى قول بيرومين. "كما تقوم شركات السياحة هناك بعمل جيد جدًّا كذلك، بالتأكُّد من أن الناس لا يصطادون أسماك القرش، لذا يمكن أن يقدِّم السودان لمحة عمَّا يمكن أن تبدو عليه الشعاب المرجانية إذا حُجِب تأثير الإنسان".
مشكلة أكبر
كما لاحظ بيرومين وزملاؤه، يمكن للصيد الجائر القضاء على مجموعات كاملة من الأسماك من النظام البيئي للشعاب المرجانية. لكن هذه الممارسة لا تقتصر على المفترِسات الكبيرة، ويمكن للإفراط في صيد الأسماك من الأنواع الأخرى أن يؤثر على الشعاب بطرق مختلفة.
منذ عدة سنوات عمد كريستيان فولسترا وزملاؤه -من مختبر جينوميات الشعاب المرجانية التابع لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، بالتعاون مع باحثين في بريمن، ألمانيا- إلى إجراء العديد من الدراسات التي حاولت محاكاة آثار الصيد الجائر للأسماك على الشعاب المرجانية في البحر الأحمر على مدى أربعة أشهر.
وقد وجدوا أن استبعاد الحيوانات العاشبة من قسم من الشعاب المرجانية بالقرب من مدينة ثول الساحلية أدى إلى زيادة الكتلة الجافة من الطحالب بمقدار وصل إلى 300 ضعف، وغيَّر بشكل ملحوظ التنوُّع البكتيري والفيزيولوجي للشعاب المرجانية2. وتشير هذه النتائج إلى أن الصيد الجائر له تأثير الدومينو الذي ينتشر في السلسلة الغذائية، ويمكنه تغيير تركيب الشعاب المرجانية بسرعة إذا خرج عن السيطرة.
"تعمل الحيوانات العاشبة كجزازات العشب بالنسبة للشعاب المرجانية، ومن دونها ربما تمتلئ الشعاب المرجانية بالطحالب والأعشاب الضارة"، وفق قول بيرومين. "في الأحوال الطبيعية، تتفوَّق الشعاب المرجانية على الطحالب، ولكن إذا كان النظام البيئي يفتقر إلى الحيوانات العاشبة، فستتمكن الطحالب فجأة أن تصبح هي السائدة، مما يجعل من الصعب جدًّا على الشعاب المرجانية إعادة تقوية أسسها إذا اختل النظام".
في حين يبدو جليًّا أن الصيد الجائر ذو آثار ضارة على الشعاب المرجانية في البحر الأحمر، إلا أنه من المستحيل أن نعرف مدى الإفراط في استغلال الأرصدة السمكية، نظرًا لعدم توفر بيانات أساسية عن مدى وفرة الأنواع فيما مضى.
النظام حاليًّا في حالة هشّة.
في السنوات الأخيرة، دأب دعاة الحفاظ على البيئة على شنّ حملات ضد الصيد الجائر في المنطقة، وأصبح القادة السياسيون في دول مجلس التعاون الخليجي مطلعين على هذه المشاكل. ففي عام 2012، مثلًا، سنّت دولة الإمارات العربية المتحدة، رابع أكبر مصدّر في العالم لزعانف أسماك القرش المجفَّفة، قوانين جديدة تهدف إلى منع الصيد الجائر لأسماك القرش.
في حين أمكنت مواجهة الصيد الجائر للعديد من الأنواع المتأثرة على المستوى المحلي أو الوطني، إلا أنه يبدو أن مشكلة الصيد الجائر لأسماك القرش لا يمكن حلها دون تضافر جهود الحكومات في عدة بلدان.
يقول بيرومين: "أخشى أن يكون النظام في حالة هشة في الوقت الحالي... فنحن نعلم أن أسماك القرش يمكنها الانتقال لمسافات طويلة، ولقد تعقبنا حيتان القرش التي تجوب جميع أنحاء البحر الأحمر، لذلك علينا أن نعمل جميعًا معًا على هذه المسألة".
وفقًا لسبات، قد يكون منه الصعب أن نعكس الوضع. "تراجعت أعداد معظم مجموعات أسماك القرش في البحر الأحمر، وأعتقد أن الطريقة الوحيدة لعكس الآثار بالنسبة لبعض الأنواع على الأقل ستكون التوقُّف التامّ عن صيد سمك القرش مدةً طويلة"، وفق قولها، وتتابع: "هناك نقص واضح في الإرادة السياسية، وندرة عامة في وعي الناس، وهذا يعوق تنفيذ خطط تدبير ناجعة".
يمثل البحر الأحمر ثاني البقاع العالمية الأكثر تنوعًا، وشعابه المرجانية تتفرد من حيث إنها تسكن منطقة شبه استوائية شديدة الجفاف مع مياه شديدة الملوحة.
ويعتقد بيرومين أن معرفة المزيد عن بيئة الشعاب المرجانية في البحر الأحمر وبيولوجيتها قد تكون محاولات داعمة لفهم تأثيرات ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي على الشعاب المرجانية في أجزاء أخرى من العالم. "الماء هنا أكثر سخونة وملوحة مما هو عليه في أماكن أخرى"، كما يقول: "فإذا أخذت مرجانًا من الحاجز المرجاني العظيم في أستراليا وأسقطته في البحر الأحمر، فربما يُصاب بالابيضاض ويموت".
doi:10.1038/nmiddleeast.2015.228
Spaet, J. L. Y. et al. Fish market surveys indicate unsustainable elasmobranch fisheries in the Saudi Arabian Red Sea. Fisheries Research161: 356–364. (2015)
Jessen, C. et al. In-situ Effects of Eutrophication and Overfishing on Physiology and Bacterial Diversity of the Red Sea Coral Acropora hemprichii. PLoS ONE. http://dx.doi.org/http://10.0.5.91/journal.pone.0062091 (2013)
تواصل معنا: