دراسات جديدة في المنطقة تميط اللثام عن النظام البيئي للشعاب المرجانية، الغني بالتنوع البيولوجي.
لويز سارانت
يُعَدُّ نظام الشعاب المرجانية الممتد على طول 2000 كيلومتر في البحر الأحمر في مصاف أهم خمسة شعاب مرجانية في العالم. فهو موطن لما يقرب من 1100 نوع من الأسماك، و300 نوع من المرجان القاسي، وعدد لا حصر له من اللافقاريات- ولكنه يبقى واحدًا من النظم الإيكولوجية على الأرض التي ندُرت الدراسات حولها.
ويعمل الباحثون في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (KAUST) على تغيير ذلك. مركّزًا على الساحل السعودي، يبحث مايكل بيرومين في إيكولوجية الشعاب المرجانية، والارتباط اليرقيّ، والحركة البيئية، والجغرافيا البيولوجية، وتأثير تغيّر المناخ على النظم الإيكولوجية للشعاب المرجانية.
ما زالت أسس المعرفة بالنظام الإيكولوجي للبحر الأحمر في مراحلها الأولى، ويزداد عدد من الأنواع التي يتم اكتشافها زيادة هائلة، وفق قول بيرومين. "في السنوات الثلاث الماضية، استطعنا تحديد نحو مائة نوع جديد، وإمكانية كهذه انقضت منذ فترة طويلة في نظام كالحاجز المرجاني العظيم في أستراليا".
أنواع جديدة من تلك القديمة
اعتمدت طرق التصنيف التقليدية على السمات المورفولوجية الكبرى لتصنيف الأنواع المختلفة. ولكن هذا الفيض من المعلومات الجديدة يستدعي الحاجة إلى أساليب جديدة؛ تجنُّبًا لمخاطر سوء التصنيف التي كانت متوطنة جدًّا فيما مضى. قد تكون السمات المورفولوجية مضلِّلة، كما يشرح بيرومين؛ لأن معظم الشعاب المرجانية تتصف بلدونة عالية، ولأن أنواع الأسماك تتشابه بشدة فيما بينها أحيانًا.
الآن، "يقدّم تطور التصنيف الجزيئي دليلًا وراثيًّا عن الفروق بين الأنواع التي كان يُظَنُّ في السابق أنها واحدة ومتماثلة"، وفق قوله.
يمكن للتصنيف الجزيئي أن يفكك شفرة DNA النوع. وكمثال على ذلك البحث الحالي الذي يجريه بيرومين على Plectropomus pessuliferus، أو "هامور المرجان الجوال"، وهو نوع من الأسماك كان يُظَنُّ أن انتشاره يمتد من غرب المحيط الهادي إلى البحر الأحمر.
وقد كُشِف تكاثره عندما ألقى بيرومين وفريقه نظرة فاحصة على معلوماته الوراثية، وتمكنوا من تحديد الحقيقة. في الواقع، فإن هذه العينة ’الجديدة‘ في البحر الأحمر تختلف تمامًا عن شقيقاتها في غرب المحيط الهادي. "لا يمكنني أن أسميها حتى أنواعًا شقيقة"، يقول بيرومين، الذي يميل إلى أنه من الأفضل أن توصف بكونها فروعًا على الشجرة نفسها.
"من المدهش أن نوعًا معروفًا جيدًا كـPlectropomus pessuliferus يكاد يحصل على وصف باعتباره نوعًا جديدًا [من الآن فصاعدًا]،" وفق قوله.
لم يُنشر بحث بيرومين بعد، وهكذا فإنه ينتظر تدقيق الأقران. لكنه واثق من أن المجتمع العلمي سيوافق على أن هذا الهامور ليس مجرد نوع مختلف سيكون بحاجة لإعادة تسمية، بل إنه يستوطن البحر الأحمر، مما يجعل الحفاظ عليه ذا أولوية.
"إننا متأكدون الآن إلى حد كبير من أن البحر الأحمر هو المنطقة الوحيدة التي تعيش فيها هذه الأسماك، ولا توجد مجموعة خارجية من شأنها المساعدة على استعادتها إذا أسأنا إدارتها".
غوستاف بولاي مدير قسم الرخويات البحرية -فرع من علوم اللافقاريات يدرس الرخويات- في متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي. وقد أجرى دراسات ميدانية في المناطق المدارية للمحيطين الهندي والهادي وأوقيانوسيا، وبدأ مؤخرًا بتنسيق معلومات من مواقع أخرى، ومن ضمنها البحر الأحمر.
"اتصل بي [بيرومين] لأنه كان بحاجة إلى مساعدة في مسح التنوع البيولوجي للافقاريات في البحر الأحمر، وهي الفئة التي كان نصيبها من الدراسة أقل من الأسماك والشعاب المرجانية"، وفقًا لقوله.
وانتهى الأمر بانضمام بولاي لأربع بعثات مع بيرومين على سفينة أبحاث جامعة الملك عبد الله، وجمع العديد من الأنواع والسجلات الجديدة للبزّاق والإسفنج والرخويات البحرية. وقام بفحص نتائجه عن طريق عملية "توثيق ثلاثي". فقد كان يعمد إلى جمع بضع عينات من النوع، ويصوّر الحيوان الحي، ويأخذ عينات من الأنسجة لتوثيق شفرة الـDNA الخاصة بها، ومن ثَم يحفظ العيّنة بحيث يمكن البحث عنها باستخدام أساليب التصنيف المورفولوجية التقليدية.
"لقد اتضح أن العديد من الأنواع يصعب جدًّا تمييزها شكليًّا، ومن دون البيانات الوراثية وبيانات الصور الحية كان ينقصنا الكثير حقًّا"، وفق تفسيره.
هجرة النسل
تُعَدُّ هياكل الشعاب المرجانية شكلًا هشًّا للنظام الإيكولوجي، الأمر الذي يتطلب مناطق محمية بكفاءة من أجل التمكُّن من الحفاظ على أنواع معينة بشكل جيد.
في حين يُعَدُّ تحديد الأنواع تحديدًا صحيحًا هو الخطوة الأولى في تحديد أولويات الحفظ، فإن حركة الحفاظ على البيئة معنية في المقام الأول بإنشاء مناطق محمية بحرية. وبعبارة أخرى، التدقيق في حركة اليرقات عبر الأجيال. فمعرفة حدود حركة الأسماك البالغة داخل الشعاب وبينها أمرٌ بالغ الأهمية من أجل تصميم حدود منطقة حظر الصيد، لإدارة مصايد الأسماك وللحفاظ على صحة الشعاب ووظيفتها.
"دراسة نمط تشتُّت اليرقات أمر شديد الأهمية؛ فأنت بحاجة إلى معرفة أين تذهب صغار المجموعة التي تريد حمايتها".
يقول بيرومين: "إن دراسة نمط تشتُّت يرقات الأسماك بعد حدوث التفريخ أمر شديد الأهمية أيضًا"، ويتابع: "لأنك في نهاية المطاف تحتاج إلى معرفة أين ستستقر صغار المجموعة التي تريد حمايتها، وخاصة عندما تحاول إعادة بناء مجموعات نوع ما، أو جعل أحد مصايد الأسماك أكثر استدامة".
والمثير للدهشة، أن التيارات المائية ليست القوة الوحيدة التي تعمل على تحديد المكان الذي ستتجه اليرقات إليه.
في أثناء دراسته أنماطَ حركة اليرقات في المختبر، أدرك بيرومين أن لليرقات قدرة فائقة على السباحة ضد معظم تيارات المحيطات، أو على استخدام التيارات للتحكُّم بالعمق الذي توجد فيه.
اعتمادًا على النوع، يمكن لمواقع اليرقات بعد ثلاثة أيام من التفريخ أن تكون مختلفة جدًّا عن المكان الذي ستنتهي إليه بعد أسبوعين.
"يتعيَّن على اليرقات تفادي التحوُّل إلى غذاء، فعند ذلك الحجم هناك مليون شيء يريد أن يلتهمك" وفقًا لقول بيرومين.
يمكن للعلماء استخدام مادة كيميائية تسمى التتراسيكلين المتألق لتتبع حركة اليرقات عن طريق تلوين البيض بعد الولادة. وقد جربوه أولًا على سمك المهرج Amphiprion bicinctus في البحر الأحمر، الذي يسهل توقُّع عاداته.
ومن أجل التعرف على أفراد محددين بين اليرقات، بتأكيد نسبهم، عمد العلماء في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية إلى حقن الأمهات بنظائر الباريوم، وهي مادة كيميائية من شأنها ترك توقيع خاص بها في البيوض واليرقات قبل أن تولد.
"لقد استخدمنا هذه التقنية لتأكيد تحليل النسب الجيني، مما اضطرنا إلى أخذ عينات من تجمعات كبيرة للأمهات، والآباء والأبناء، ومن ثَم إجراء عمليات رياضية جمّة لتغطية كافة المجموعات الممكنة".
في السنوات الأخيرة الماضية، وجدوا بعض الأمثلة من المجموعات التي لا يبقى نسلها قرب البيت، وينتشر كله بعيدًا عن شعاب آبائه.
يقول بيرومين إنه لا يمتلك الكثير من المعلومات عن نمط تشتت يرقات Plectropomus pessuliferus، ولكن ثمة مقترحات في العمل لدراسته.
"سيساعدنا هذا على معرفة ما الذي يجب أن يكون المقياس المناسب للمنطقة البحرية التي يجب أن تؤمِّن الحماية لهذه الأنواع المستوطنة"، كما يقول.
إن ضمان استدامة الشعاب بمقياس مستوى الأنواع هو عمل شاق، ولكنه ضروري. ووفقًا لبيرومين، فإن البتَّ في ما إذا كان الحفاظ على بضعة من أنظمة الشعاب أو على مئات الآلاف من الكيلومترات المربعة كافيًا لإنقاذ الشعاب المرجانية ليس بداية جيدة فحسب، بل ربما كان أساسيًّا لبقاء هذا النوع.
تواصل معنا: