يأمل المهرجان الأول للأفلام العلمية في الشرق الأوسط أن يلهم العلماء لاعتبار الفن وسيلة لتوصيل أعمالهم.
محمّد يحيى
مهرجان تخيل العلم "Imagine Science" للأفلام، الذي ضمّ مجموعة متنوعة من الأفلام التي تصور ارتباطات العلم اليومية، نُظّمت فعالياته لأول مرة في دولة الإمارات العربية المتحدة بين 19 و21 فبراير الماضي.
فكرة المهرجان من بنات أفكار ألكسيس جامبيس، الأستاذ الزائر في علم الأحياء والسينما في جامعة نيويورك أبو ظبي، وقد ركز على الموضوعات التي شعر جامبيس وفريقه أنها وثيقة الصلة بالمنطقة، كالأمن المائي والتداخل بين الطبيعة والتكنولوجيا، كما يوضح: "إن أبو ظبي موقع مثير للاهتمام؛ لأنها تتوضع عند نقطة تلاقي تاريخ غني جدًّا وتكنولوجيا جديدة وحداثة ناشئة، مشفوعة بشؤون الاستدامة".
وجاءت فكرته للمهرجان منذ نحو ثماني سنوات في سكن جامعي في نيويورك، ومنذ ذلك الحين أصبح له موقع واضح على تقويم الفنون. استغرق هذا الحدث عامًا لإعداده من قِبل فريق دولي من المبرمجين وأمناء المتاحف ومسؤولي الاتصالات، الذين جمعوا أربعة أفلام روائية، و84 فيلمًا قصيرًا، ونظموا حلقات للنقاش ومعرضًا فنيًّا على هامش المهرجان.
وقال جامبيس: لقد كنت متحفزًا لتحدي الطريقة التي يناقش بها العلم والعلماء في وسائل الإعلام الرئيسية، والأفلام بشكل خاص، ووسائل الإعلام المرئية بشكل أوسع.
كما يضيف: "الجانب الأكثر أهمية في أي فيلم علمي هو قدرته على رواية قصة جيدة، وعلى تبسيط العلم وإضفاء صفة إنسانية على العلماء بطريقة ناجحة لكي يفهم الناس الموضوعات والمنهجية العلمية، ويجب أن يدرك الناس أن العلم يسهم بشكل مباشر في حياتهم اليومية".
"تبدو الروايات العلمية وكأنها جسر طبيعي لتغليف رؤوسنا حول هذه اللحظة الانتقالية والتقاليد والآفاق المستقبلية".
وباعتبار انعدام الأمن المائي واحدًا من أهم الموضوعات في الشرق الأوسط، افتتح المهرجان بالفيلم المذهل “Watermark”، الذي يستكشف العلاقة بين الإنسان والمياه، بدءًا من كونها مصدرًا للحياة إلى تشكيلها مصدرًا للعبادة. وقد أعقبت العرض حلقة نقاش جمعت علماء الأحياء البحرية والفنانين؛ لمناقشة تغير المناخ والاستدامة والحفاظ على الشعاب المرجانية.
"إن أكثر ما أحب في الفن هو كيف يساعدنا العلم على تكوين نظرة موضوعية إلى الأمور، ثم إن الفن هو وجهة النظر التي نرى من خلالها هذه الموضوعية"، وفق قول لارس يانس، أحد أعضاء الفريق ومبتكر المعرض الفني Haloscences.
علم مثير
أهم عنصر في أي مسعى لصناعة الأفلام العلمية هو خلق سرد قوي، بحيث لا يشعر الحاضر على الإطلاق بأنه يتلقى محاضرة، وأن يخلو من أي أجندة سياسية أو اجتماعية.
على الرغم من تنامي مجتمع العلوم في الشرق الأوسط، لا تزال طرق إيصال العلوم للجمهور وليدة وغير منتشرة. يأمل جامبيس أن يتمكن المهرجان من إلهام الآخرين للبدء في اعتبار الأفلام وسيلة لتوصيل العلوم إلى جمهور أوسع. "الجميع يشاهد الأفلام، فهي وسيلة قوية جدًّا، ويمكن أن تكون ذات آثار مفيدة وضارة على كل من التمثيل والفهم العلميَّيْن. لذا يجب التعامل معها بحذر، وأن تصحبها نقاشات".
وقال: إن الفيلم يمكن أن يكون وسيلة العلماء لتوصيل عملهم مباشرة إلى الجمهور الواسع، بدلاً من التوجه إليهم عن طريق أحد صحفيي العلوم أو المتواصلين بها. "أشعر أحيانًا أن الوسيط يقوض ثقتنا بقدرة العلماء على التفاعل مباشرة مع الجمهور. للحصول على جرعة علمية، لا وسيلة أفضل من تلقيها من المصدر نفسه. بالطبع، لا يتمتع كل العلماء بقدرة جيدة على توصيل المعلومة، ولكن بوجود الدافع والبيئة المناسبة، ستكون النتيجة مفاجئة".
كان المهرجان بالفعل قد أثار الاهتمام في أوساط الجامعات والمنظمات المحلية في أبو ظبي. وقد امتلأت قاعة العرض بالجمهور عند عرض أول فيلم طويل في ليلة الافتتاح. وكان معرض الفنون مزدحمًا بالصغار والكبار الذين أبدوا إعجابهم بالصور المذهلة، بدءًا بالمختبرات ووصولاً إلى الشعاب المرجانية الملونة، أو الذين كانوا يطّلعون على المعروضات التفاعلية- مثل سماعة الواقع الافتراضي أو البيانو الذي كان يصدر أصواتًا حادة تلعبها فئران المختبر (ولم يصب خلالها أحد بالأذى).
شارك طلاب المدارس الثانوية الإماراتية في مسابقة الأفلام العلمية قبل أسبوعين من المهرجان، وعُرضت أفلامهم القصيرة خلال هذا الحدث. وقد أنتج فيلم المهرجان الدعائي شخبوط الكعبي، المخرج والطالب بكلية الفنون في جامعة نيويورك أبو ظبي الإماراتية، إضافة إلى أحد أفلام الطلاب عن التيلوميرات، والذي حمل اسم تَعاقُب الحياة Sequence of Life.
لدى جامبيس خطط لمناطق أخرى من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. "لا أعتقد أنك تحتاج بالضرورة إلى خلفية علمية لتقديم فيلم علمي. إن أهم عنصر في أي مسعى لصناعة الأفلام العلمية هو خلق سرد قوي، بحيث لا يشعر الحاضر على الإطلاق بأنه يتلقى محاضرة، وأن يخلو من أي أجندة سياسية أو اجتماعية".
ويؤكد أنه يجب أن يكون هذا المهرجان نقطة انطلاق، من شأنها أن تحفز تعاقب أحداث على مدار السنة، كالمعارض وورش عمل صناعة الأفلام. "أعتقد أن الأوساط الأكاديمية تشكل موطئَ قدم جيدًا، ثم لبدء المسيرة. تنوع الأماكن أمر أساسي".
تواصل معنا: