حادثة سببت تفريغ أطنان من الفوسفات في نهر النيل، غير ذي صلة بالأضرار الصحية أو البيئية، على الرغم من المخاوف المستشرية.
لويز سارانت
اصطدم قارب يحمل 500 طن من الفوسفات من صعيد مصر بجسر في مدينة قنا، قبل أن ينقلب في مياه نهر النيل الشهر الماضي، مما أثار مخاوف بيئية وصحية.
وقد استغرق الأمر بضعة أيام قبل أن يكشف المسؤولون عن نوع الفوسفات الغارق في مياه النيل، وبقيت الشحنة الموجودة داخل القارب تحت الماء مدة أسبوع تقريبًا، قبل أن يتمكن فريق من الغواصين من استخراج 90% من الفوسفات واستعادته. وقد تعرقلت عمليات انتشال القارب الغارق من قاع النهر بسبب تراكم الطين حوله.
وبعد ثلاثة أيام تفشى ذعر صحي عام في شمال محافظة ’الشرقية‘، بعد نقل أكثر من 700 شخص من السكان إلى المستشفى بعد أن شربوا من مياه الصنبور غير الصالحة للاستهلاك، ونحا بعض المعلقين باللائمة على تسرب الفوسفات في عدم صلاحية المياه للشرب.
يقول المسؤولون: إن القارب كان يحمل صخورًا تحتوي على الفوسفات غير العضوي، على شكل فوسفات ثلاثي الكالسيوم CA3 (PO4) 2. "فوسفات الكالسيوم قليلة الذوبان في الماء"، كما تقول أمل السفطي، التي تشغل منصب مدير مركز السموم، التابع لكلية طب القصر العيني بجامعة القاهرة، مشيرة إلى أنها لا يمكن أن تكون السبب في حادثة تسمم مياه الصنبور في الشرقية. كانت الفوسفات ستحتاج إلى 13- 15 يومًا لتلحق بالتيار على امتداد النهر شمالاً لتصل إلى المدينة.
"تبلغ المسافة بين قنا والشرقية 700 كم تقريبًا، ومتوسط سرعة جريان النيل حوالي 0.54 كم/ ساعة في فصل الصيف"، وفق شرح السفطي.
لو كانت الفوسفات هي السبب، لحدث المزيد من حالات التسمم في أعالي النهر قبل أن تصل إلى مدينة الشرقية، وفق قول أحمد شتا، مدير عام الإدارة العامة لإدارة الأزمات البيئية في جهاز شؤون البيئة. وهو يصرّ على أن مصدرًا آخر للتلوث في الشرقية هو المسؤول عن الحادثة- المرافق القديمة لمعالجة المياه، أو المياه المستهلكة من الآبار غير المرخصة، والتي يمكن أن تلوثها مياه الري الزراعي.
كان القارب يحمل صخور الفوسفات الخام مباشرة من المحاجر، وهي التي يقول شتا: إنها بالكاد قابلة للذوبان، "والأكثر من ذلك، فقد بقيت محصورة داخل القارب، ولم تصل إلى قاع النهر".
مخاوف بيئية
فوْر وقوع الحادثة، أوقفت ست محطات لمعالجة المياه من تلك التي تعمل في المنطقة عملياتها؛ للسماح باختبار أولى عينات المياه.
وفي حين يوجد الفوسفات في جميع الأوساط المائية بكميات قليلة، ويُعَد عنصرًا أساسيًّا لنمو النبات والحيوان، إلا أن تركيزاته الأعلى قد تُحدِث للإنسان مشكلات في الجهاز الهضمي والبطن عند تناولها، ولها تأثيرات بيئية سلبية على المسطحات المائية.
يحفز الفوسفات نموّ العوالق والنباتات المائية، والتي تشكل بدورها طعامًا للأسماك. "ولكن إذا دخلت كميات كبيرة من الفوسفات إلى مجرى المياه، فستنمو الطحالب والنباتات المائية بصورة عشوائية، لتسدّ الممر المائي، وتستهلك كميات كبيرة من الأكسجين"، كما تضيف السفطي.
هذا يسبب التتريف، المعروف أيضًا باسم فرط نمو الطحالب، والذي يحدث عندما تنمو الأعشاب الضارة بسرعة على سطح الماء، وتستهلك كميات كبيرة من الأكسجين. ويمكن لهذا أن يمنع وصول الضوء إلى المستويات الأدنى، مما يعرقل عملية التمثيل الضوئي، ويؤدي إلى نفوق العديد من الأسماك والكائنات المائية. ووفقًا للسفطي، فإن المستوى الإجمالي الموصى به من الفوسفور في مصبات الأنهار والنظم الإيكولوجية الساحلية لتجنب تكاثر الطحالب هو 0.01– 0.1 ملغ/ لتر.
يمكن للنباتات الميتة المتراكمة بسبب فرط نمو الطحالب أيضًا أن تمنع عمليات معالجة المياه، وتتطلب استخدام مواد كيميائية إضافية -كالكلور وسلفات الألمنيوم- لمعالجة المياه.
وقد أُخذت مئات العينات من المياه من قنا وما حولها منذ وقوع الحادثة. جرى اختبار محتوى المياه ونوعيتها في مختبرات وزارات الصحة والبيئة والري، ولكن المسؤولين لم يكشفوا عن النتائج علنًا، واكتفوا بإعلان أن نوعية المياه كانت ملبية لمتطلبات السلامة.
"وفوْر وقوع الحادثة، أوقفت ست محطات لمعالجة المياه -من تلك التي تعمل في المنطقة- عملياتها؛ للسماح باختبار أولى عينات المياه". وقال شتا: "إنها كلها استأنفت العمل بعد بضع ساعات، عندما أظهرت النتائج أن مستويات جودة المياه كانت طبيعية، ولم تحدث أي حالة تلوث واسعة النطاق".
وتصرّ السفطي على أن النتائج المعملية لعينات المياه التي أُخذت بالقرب من مكان غرق القارب أظهرت أن مستوى الفوسفات كان ضمن المعدلات المقبولة.
وقد كانت هناك أيضًا مخاوف تتعلق بمحتوى اليورانيوم في الفوسفات، ولكن هيئة الطاقة الذرية المصرية ذكرت أن مستويات اليورانيوم في العينات التي جُمعت لم تتجاوز 5 أجزاء في المليون، والتي يقولون إنها ضمن هامش السلامة.
وتُعرف المجاري المائية في مصر بتلوثها تاريخيًّا من طريق ثلاث قنوات رئيسية: مياه تصريف المصانع غير المعالَجة، وفائض مياه الصرف الزراعي، ومياه الصرف الصحي المحلي غير المعالَجة. ووفق دراسة نُشرت عام 2011 في دورية البحوث المتقدمة Journal of Advanced Research، فإن أكثر من 400 مصنع لا تزال تلقي بأكثر من 2.5 مليون متر مكعب يوميًّا من مياه الصرف غير المعالَجة في نهر النيل.
تواصل معنا: