لماذا يجب أن يتوقف استعمال مضادات الفيروسات في الطب البيطري في مصر؟
نشرت بتاريخ 30 سبتمبر 2016
أزمة صحية تلوح في الأفق ما لم تُتخذ إجراءات لمنع إساءة استعمال مضادات الفيروسات من قِبل بعض مصنّعي الأدوية البيطرية
إسلام حسين والسيد عبد الوهاب
تُعَد الأدوية المضادة للفيروسات الخط القياسي لعلاج عدّة أمراض بشرية، مثل فيروس العوز المناعي البشري/ الإيدز، والتهاب الكبد الوبائي C والإنفلونزا والعديد من حالات العدوى الناتجة عن فيروس الهربس. بعد عقود من الأبحاث المجراة على مضادات الفيروسات، فإن المركبات المضادة للفيروسات الوحيدة المجازة للاستعمال في مجال الطب البيطري في بعض البلدان هي الإنترفيرون الهرّي المأشوب المعدّل للمناعة.
في الصين، سمح الاستخدام غير المسؤول للأمانتادين، وهو دواء مضاد للإنفلونزا، لدى الدواجن التجارية بظهور طفرات مقاومة للأدوية بين سلالات الإنفلونزا القاتلة، مما أفقد هذا الدواء فاعليته في علاج حالات العدوى البشرية1.
وقد أدى هذا إلى جعل مجموعة من مضادات الإنفلونزا تُعرف باسم مثبطات النيورامينيداز، ومن ضمنها أوسيلتاميفير oseltamivir، خط الدفاع الأخير لعلاج عدوى الإنفلونزا البشرية السريرية. هناك أدلة على سوء استخدام واسع النطاق للأمانتادين في مصر، الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي يستوطن2 فيها فيروس H5N1 الطيري.
وكشف التحليل الجيني عن دليل على مقاومة الأمانتادين في 48% من السلالات المصرية لفيروسH5N1.
وقد دفع فشل التطعيم الجماعي ومقاومة الأمانتادين بعض الباحثين المحليين في مصر لاستكشاف مدى ملاءمة أوسيلتاميفير للدواجن3. حتى وإن كان أوسيلتاميفير فعالًا في أثناء فاشية لفيروسH5N1 ، ففي ضوء الضعف التنظيمي المحيط بالأدوية البيطرية، فإن الاستخدام غير المسؤول مرجّح جدًّا، وربما يؤدي إلى ظهور مقاومة للعقار.
عند إضافة ذلك إلى التكيُّف التدريجي لسلالات H5N1 المصرية مع البشر، يبدو أن السيناريو سيكون كارثة صحية عامة.
مقاومة الأدوية المضادة للفيروسات تحدٍّ خطير
إن طبيعة الفيروسات تجعلها عُرضة لطفرات عشوائية متكررة في جينوماتها. على عكس العوامل المضادة للبكتيريا، تمتاز مضادات الفيروسات عادةً بطيف تأثير ضيق جدًّا، ويمكنها مهاجمة هدف فيروسي معيّن. بوسع الطفرة التي تؤثر على هذا الهدف أن تجعل الدواء عديم الجدوى، وتؤدي إلى ظهور أنواع مقاومة للدواء.
تظهر الأشكال الطافرة المقاومة للدواء نتيجة للضغط الانتقائي للدواء على مجموعة من الفيروسات المتقاربة وراثيًّا، ولكن غير المتطابقة. بعض هذه المتغيرات تحتضن بالفعل طفرات مكتسبة طبيعيًّا تتيح لها التنسّخ بوجود الدواء.
إن مقاومة الأدوية مشكلة سريرية شائعة، لذا اعتمدت النظم العلاجية المضادة للفيروسات دومًا على توليفات الأدوية، وفيروس العوز المناعي البشري/ الإيدز مثال جيد على ذلك. ومع ذلك، فإن ميزة وجود أدوية متعددة غير متاحة في حالة فيروسات الإنفلونزا، التي يعتمد علاجها حاليًّا على مجموعة واحدة من العقاقير التي تستهدف بروتينات السطح الخارجي للفيروس، وهي تعرف باسم النيورامينيداز (NA). وتزداد إمكانية حدوث المقاومة السريرية للعقاقير المضادة للفيروسات في ظروف كبت المناعة، والاستخدام الوقائي وعدم الالتزام بالنظم الدوائية، مما يؤدي إلى جرعات دوائية دون المستوى الأمثل.
وتنطبق سيناريوهات مماثلة على الحيوانات والطيور أيضًا، مما يخلق تحديًا يواجه التطبيقات البيطرية للأدوية المضادة للفيروسات.
الحالة المصرية
ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه اللوائح، فقد وجدنا ما لا يقل عن خمسة منتجات تجارية بيطرية تحتوي على الأمانتادين، ومركبين آخرين يحتويان على الأسيكلوفير5.
وكشفت التحقيقات الإضافية أن هذه المنتجات مسجلة لدى وزارة الزراعة باعتبارها مكمّلات غذائية للاستخدام البيطري، ومن المحتمل أن تكون مضادات الفيروسات قد أضيفت بشكل غير قانوني في أثناء عملية التصنيع على الأغلب. وقد نما إلى علمنا أيضًا أن الاستخدام البيطري للأدوية الرخيصة المسجلة في الأصل للاستخدام البشري ليست بالممارسة غير المألوفة، وفقًا لعدد من الأطباء البيطريين الذين تحدثوا إلى المؤلفين مشترطين إغفال أسمائهم.
ولتقييم تأثير استخدام المركبات المضادة للإنفلونزا في مجال الطب البيطري، قمنا بتحليل 250 تسلسلًا للـ M2و481 تسلسلًا للـNA من تلك المتاحة في قواعد البيانات الخاصة بعَزِلات H5N1 الطيرية والبشرية، التي جُمعت في مصر بين عامي 2006 و2015.
أظهر نحو 48% من التسلسلات الطيرية و10% من التسلسلات البشرية لـ H5N1 M2واسماتٍ جينية مقاومة للأمانتادين. وأشار التحليل الذي أجريناه أيضًا إلى أن هذه الطفرات المقاومة ظهرت في منتصف عام 2007؛ بعد أشهر قليلة من الوقت المفترض لإعطاء الأمانتادين لدواجن المزارع. والأكثر من ذلك، ذكرت دراسة نُشرت مؤخرًا وجود واسمات مقاومة للأمانتادين في ثلاث عَزِلات6 مصرية معاصرة من H9N2. من بين 481 تسلسل NA متاحًا لسلالات H5N1 المصرية، أظهر فيروسان طيريان وثلاثة فيروسات بشرية واسماتٍ لمقاومة أوسيلتاميفير.
من الممكن أن تظهر مقاومة فيروسات الهربس الحيوانية تجاه مضاهئات النوكليوزيد اللاحلقية المضادة للهربس بسرعة في المختبر7. ولكننا لم نتمكن من تحليل تأثير استخدام الأسيكلوفير ميدانيًّا، نظرًا لتوفر تسلسل جيني واحد فقط لكيناز الثيميدين، العائد إلى الهربس الطيري، في قواعد البيانات.
الحاجة إلى أنظمة أكثر صرامة
على الرغم من إظهار مجموعة من الفيروسات علامات المقاومة8 فقد عولجت حالات عدوى H5N1 البشرية في مصر بنجاح حتى الآن، بواسطة أوسيلتاميفير، وخاصة إذا ما أُعطي خلال المرحلة المبكرة من العدوى. إلا أن أوسيلتاميفير يُعتبر دواءً باهظ الثمن نسبيًّا. وحقيقة محاولة الدراسات المجراة محليًّا استكشاف وسائل لجعل تناول الدواجن لأوسيلتاميفير عن طريق الفم أجدى اقتصاديًّا تعدّ منذرة3.
نجمت كافة حالات العدوى البشرية بـ H5N1منذ عام 2009 عن مجموعة من الفيروسات المعزّزة الألفة للارتباط بنوع المستقبلات الموجودة على سطح الخلايا البشرية. إذا اكتسبت هذه الفيروسات مقاومة تجاه أوسيلتاميفير بعد استخدامه الواسع النطاق على الدواجن، فإن الصحة العامة ستكون مهددة؛ لأننا سنفقد الدواء الذي يُعتبر حجر الزاوية في علاج البشر.
ثمة حاجة إلى أنظمة صارمة لمراقبة تصنيع المستحضرات الصيدلانية البيطرية المصرية.
إن مقاومة الأمانتادين منتشرة على نطاق واسع فعلًا، لذا ليس ثمة ما يبرر إدخاله ضمن أي من المكمّلات الغذائية المستخدمة من أجل الدواجن. الأسيكلوفير ليس فعالًا بنفس الدرجة ضد جميع فيروسات الهربس، ولم تثبت فاعليته المضادة للفيروسات تجاه تلك الأنواع التي تسبب العدوى للدواجن، وبالتالي فإن استخدامه من أجل الدواجن تجريبي بحت وغير ضروري. إن مجموعة مركبات مثبطات النيورامينيداز، المتمثلة بأوسيلتاميفير، هي الأساس العلاجي الوحيد المتوفر حاليًّا بين أيدينا لعلاج مرضى الإنفلونزا البشرية.
يجب منع استخدام أوسيلتاميفير في علاج الدواجن.
إسلام حسين باحث وعالم مختصّ بالفيروسات في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ولاية ماساتشوستس. وهو يشارك حاليًّا في العديد من المشاريع التي تركز على تحديد وتتبع وتقصّي أي تغيّرات جينية قد تؤدي إلى تولّد سلالات إنفلونزا لها قدرة على إحداث أوبئة.
السيد عبد الوهاب طبيب بيطري وباحث متخصص في إنفلونزا الطيور، ويتخذ من معهد الأبحاث الفيديرالي لصحة الحيوان، ألمانيا مقرًّا له، وتهدف أبحاثه إلى فهم البيولوجيا الجزيئية لفيروسات إنفلونزا الطيور باعتبارها شرطًا أساسيًّا لتطوير لقاحات الطيور.
Abdelwhab, E. M. et al. Introduction and enzootic of A/H5N1 in Egypt: Virus evolution, pathogenicity and vaccine efficacy ten years on. Infect Genet Evol40, 80-90,http://dx.doi.org/10.1016/j.meegid.2016.02.023(2016).
Megahed, M. M. & Mohamed, M. H. The in vivo Effect of Oselatmivir against Highly Pathogenic Avian Influenza Virus (H5N1) Isolated from Egypt. J. Vet. Adv.4, 634-640 (2014).
Registration of amantadine and ritodrine prevented in Egypt. Vol. 1533 (2015).
Naguib, M. M. et al. Evolutionary trajectories and diagnostic challenges of potentially zoonotic avian influenza viruses H5N1 and H9N2 co-circulating in Egypt. Infect Genet Evol 34, 278-291,http://dx.doi.org/10.1016/j.meegid.2015.06.004(2015).
Hussein, I. T., Menashy, R. V. & Field, H. J. Penciclovir is a potent inhibitor of feline herpesvirus-1 with susceptibility determined at the level of virus-encoded thymidine kinase. Antiviral Res 78, 268-274, http://dx.doi.org/10.1016/j.antiviral.2007.10.015 (2008).
Earhart, K. C. et al. Oseltamivir resistance mutation N294S in human influenza A(H5N1) virus in Egypt. J Infect Public Health 2, 74-80,http://dx.doi.org/10.1016/j.jiph.2009.04.004(2009).
تواصل معنا: