يجب الاقتداء بمنهج ابن الهيثم في التفكير العلمي في جميع أنحاء العالم العربي.
محمد يحيى
أطلقت الأمم المتحدة على عام 2015 اسم السنة الدولية للضوء، بمناسبة مرور 1000 سنة على إصدار كتاب البصريات للعالم الموسوعي ابن الهيثم، الذي أسهم في تحويل فهمنا لعلم البصريات والضوء.
قد تكون هناك جوانب أخرى من تراث ابن الهيثم (أو Alhazen ، كما يُعرف باللاتينية) لا تقل أهمية، ويجدر بنا تذكرها اليوم.
عند إجرائه البحوث في علم البصريات، اعتمد ابن الهيثم على التجريب والملاحظة والاختبار المراقَب لدعم نظريته الرائدة في الرؤية، مثبتًا أن الضوء ينعكس عن الأجسام بدلًا من [الاعتقاد الشائع آنذاك بأنه] ينبعث من العينين. وبعد أن أجرى جميع التجارب بنفسه، فإن كتاب البصريات يشرح بوضوح كيف يمكن للقراء تكرار كل التجارب التي قادت ابن الهيثم إلى وضع نظرياته.
وكثيرًا ما يُشار إليه باعتباره أول من وضع الخطوط العريضة للمنهج العلمي. ابن الهيثم، الذي كان معروفًا بأنه مسلم متدين أيضًا، جادل في دعم منهج الشك العلمي، حتى في أعمال العلماء الذين كان يكنّ لهم احترامًا كبيرًا. وتعليقًا على دراسته لأعمال سابقيه من العلماء، يُذكر أن ابن الهيثم قد قال:
"من الواجب على مَن يحقق في كتابات العلماء، إذا كان البحث عن الحقيقة هدفه هو، أن يستنكر جميع ما يقرأه، ويستخدم عقله حتى النخاع لبحث تلك الأفكار من كل جانب. وعليه أن يتشكك في نتائج دراسته أيضًا؛ حتى يتجنب الوقوع في أي تحيُّز أو تساهُل".
وفي سياق احتفالنا بإرث ابن الهيثم، سيكون من الجيد أن نتذكر ضرورة التمسّك بنهجه المشكك، في العلم، وفي الحياة ، بعد مرور ألف سنة. فوسائل الإعلام في العالم العربي تغرق عادة بقصص ’اختراقات علمية‘ تتنوع بين عديمة الجدوى واللامنطقية – وقد بلغت ذروتها في الإعلان الذي صدر عام 2014 في مصر عن الجهاز الذي يمكنه علاج فيروس التهاب الكبد C، وفيروس العوز المناعي البشري ومجموعة من الفيروسات الأخرى.
شهد العالم العربي طلائع نهضة علمية في السنوات القليلة الماضية. فمعاهد البحوث آخذة بالظهور في العديد من البلدان، ويحاول العلماء المتحمسون معالجة القضايا التي ظلت راكدة عقودًا من الزمن، إن لم نقل قرونًا. إنها معركة شاقة، ولكن يتعين علينا خوضها.
وفي هذه الأوقات، يجب علينا أيضًا أن نتذكر وصية ابن الهيثم، وأن ندرك أنه محور ارتكاز هذه النهضة.
إن اعتماد المنهج العلمي والشك لا ينبغي أن يقتصر على البحث، بل يجب أن يشكل جزءًا من حياة المواطنين في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. فهو ممكن التطبيق على كل شيء، ونحن بحاجة إلى مجتمع يمكنه توجيه النقد، ولديه استعداد للبحث عن الحقيقة أينما كانت.
في شكوكه ذات الصلة ببطليموس، يقول ابن الهيثم: "الحق مطلوب لذاته، وكل مطلوب لذاته فليس يعني طالبه غير وجوده، ووجود الحق صعب، والطريق إليه وعر".
العالم العربي الآن بحاجة للبقاء على هذا الطريق، بغضّ النظر عن مدى صعوبته، لكي يكون –بالفعل- جزءًا من النهضة العلمية التي انتشرت في جميع أنحاء العالم النامي.
تواصل معنا: