هل يجب أن تكون البيئة في مركز متقدم من قائمة اهتمامات المنطقة؟
نشرت بتاريخ 18 مايو 2016
العالم العربي غارق في شؤون بيئية تبعث على القلق، ولكن البحث العلمي قد يكون طوق نجاته.
باكينام عامر
يدّعي بعض خبراء البيئة العرب أن تغيُّر المناخ، على الرغم من تأثيره الحالي والمتوقع، ليس "مشكلة عربية"؛ وذلك لأن انبعاثات الكربون في المنطقة أقلّ عند مقارنتها بتلك التي يُسهم بها لاعبو العالم الكبار، مثل الولايات المتحدة والصين والهند.
ومع ذلك، فقد تعهد العديد من الدول العربية في ديسمبر الماضي مع بقية دول العالم بخفض انبعاثات غازات الدفيئة، على الرغم من تحفظها على التحديات المقلقة التي قد تواجهها البلدان النامية في المنطقة نتيجة فرض قيود على الانبعاثات.
بالفعل، البلدان العربية الأكثر ثراءً وضعت نفسها على طريق تعديل أنظمة الطاقة التي تعتمد حاليًّا بشكل كبير على الوقود الأحفوري وتخدم القطاعات الصناعية، التي هي من بين الأصعب في محاولة التحول إلى "خالية من الكربون". ووفقًا لستيف جريفيث، نائب الرئيس للأبحاث في معهد مصدر، الذي يتخذ من الإمارات مقرًّا له، "في جميع بلدان [الخليج] الآن تجد جهودًا رامية إلى إزالة الكربون، وهذا يتضمن الطاقة المتجددة وتدابير الكفاءة. وبالإضافة إلى ذلك، تُوقف الآن إعانات الإصلاح".
لقد رفعت دولة الإمارات العربية المتحدة دعمها عن وقود النقل بالفعل، وفق قوله، وزادت البلاد أسعار الكهرباء والمياه في كافة إمارات الدولة. "وتفكر السعودية وبلدان [الخليج] الأخرى بجدية في الأمر نفسه. إن تدابير كفاءة الطاقة تكتسب اهتمامًا بالتأكيد، وخصوصًا في دولة الإمارات العربية المتحدة، وطموحات مصادر الطاقة المتجددة في تزايد".
لا شك في وجود الرغبة، ولكن الطريق طويل ووعر.
أما في الأجزاء المحرومة اقتصاديًّا في منطقة الشرق الأوسط، فالقصة مختلفة؛ لأن الخفض الكبير في الانبعاثات قد يهدد الأمن الغذائي، وفق ما صرح به جمال جاب الله –مدير إدارة البيئة والإسكان والموارد المائية والتنمية المستدامة في جامعة الدول العربية- إلى نيتشر ميدل إيست على هامش COP21. إذ قال: "لقد كان أمام البلدان الصناعية، التي تتحمل المسؤولية التاريخية لانبعاثات CO2، مئتا سنة لتغيير نمط نموها الاقتصادي".
وأضاف قائلًا: إن معظم بلدان العالم العربي "تحتاج الى مزيد من الوقت" للتكيّف.
ولكنه وقتٌ ليس توفيره بمستطاع في مواجهة تغير المناخ- وخاصة مع ابتداء المنطقة بالشعور بقساوة ما يمكن أن يصبح عليه الوضع الإيكولوجي والبيئي.
وفي أكتوبر الماضي، توقعت دراسة -مطلقةً جرس إنذار- أن تتوالى على دول الخليج موجات حارة قد تكون قاتلة، مما قد يجعل بعض المدن الكبرى، مثل دبي والدوحة، غير صالحة للسكن.
وفي غياب الجهود لدرء الآثار الضارة لتغيّر المناخ، قالت الدراسة التي نُشرت في دورية Nature Climate Change إن هذا السيناريو لا مفر منه، وسيترافق بظروف قاسية متوقعة الوصول في وقت أبكر بكثير مما كان يُظَن سابقًا.
ووصفت الدراسة حالة الطقس المتطرفة بأنها "عتبة حرجة... ربما تتجاوز ما يستطيع الجسم البشري تحمّله"، وفق قول الفاتح الطاهر، أستاذ الهندسة البيئية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والمؤلف المشارك في البحث.
إن موجة الحر التي يُتوقع أن تستمر ما بين 2071 و2100 من شأنها أن ترفع درجات الحرارة إلى أكثر من 75 درجة مئوية بكثير على مؤشر الحرارة القياسية. في بعض المناطق، حتى هذه العتبة سيتم تجاوُزها، مما سيتسبب في مقتل ونزوح شعوب بأكملها.
"الدليل المعرفي المتوفر لدينا ناقص بشدة."
ولكن تأثيرات تغيُّر المناخ ليست هي فقط التي يجب أن تكون مدعاة للقلق البالغ؛ فتلوُّث الهواء يمثّل تهديدًا يلوح في الأفق. إذ كشفت الدراسة التي أشرف عليها جوس ليليفلد، من جامعة الملك سعود، ونُشرت في سبتمبر، أن مصر، من بين جميع دول المنطقة، لديها أكبر عدد من الوفيات الناجمة عن تلوث الهواء، برقم وصل إلى 35322 حالة وفاة سنويًّا. وتحمل السودان ثاني أعلى رقم مع 24255 حالة وفاة. وتفقد العراق والسعودية 20335 و14600 ضحية على التوالي بسبب ملوِّثات الهواء.
الملوِّثات الأساسية في دول الشرق الأوسط هي الجزيئات الطبيعية، مثل الغبار الذي تثيره العواصف الصحراوية. في مصر يُعزى 98٪ من الوفيات المرتبطة بتلوث الهواء إلى الغبار.
ولكن على الرغم من الآثار المدمرة لبعض الملوِّثات، فإن العلوم البيئية كتخصص لا تزال دراستها أقل من المطلوب في العالم العربي.
يقول ليليفيلد: إن ما تفتقر إليه بعض المناطق ليس هو البحث فقط، بل إن الوصول إلى المعلومات صعب جدًّا أيضًا. "لا يوجد عدد كاف من محطات القياس"، كما يقول، متحدثًا عن التحديات التي تواجهه عند تجميع المعلومات المناخية من أجل دراسته، "ولكن حتى في بلد مثل المملكة العربية السعودية يحتوي على محطة القياس، لا تُعطى البيانات عند الطلب".
ولعل النقطة المضيئة الوحيدة في المنطقة من حيث المناخ هذا العام هي التغيُّرات الناتجة عن تراجع مستويات ثاني أكسيد النيتروجين الملوث.
وللأسف، فما هذا إلا النتيجة الثانوية للنزاع المسلح واسع الانتشار في جميع أنحاء المنطقة. فالحرب تبطئ النشاط الصناعي في بعض المناطق أو توقفه، وتسبب النزوح في مناطق أخرى، والنتيجة تلوُّث أقل في العديد من المناطق.
هناك بعض الممارسات الجيدة، وهي محصورة في دول الخليج بشكل رئيسي. لكن الصراع، بما في ذلك أنشطة جماعة الدولة الإسلامية المتمردة (IS)، هو السبب الرئيسي للتغيُّرات في الاتجاهات البيئية في منطقة الشرق الأوسط، وفق تصريح العلماء.
وكشفت الدراسة أيضًا أن منطقة الشرق الأوسط تفتقر إلى شبكات جودة الهواء على الأرض، وفي بعض المناطق إلى أبسط تدابير الرقابة البيئية، باستثناء عدد قليل من البلدان في منطقة الخليج.
وديد عريان، الخبير المصري في الشؤون البيئية، والذي كان قد صرح في وقت سابق من العام لـ نيتشر مِيدِل إيست، أنه على الرغم من أن بعض العوامل العالمية هي السبب الرئيسي وراء بعض التغيُّرات المناخية الشديدة على هذا الجانب من العالم، فإن المنطقة لا تزال بحاجة إلى "جهود محلية ومعرفة محلية" لمحاربتها ودرئها.
إن هذه الجهود والمعرفة ناقصة. "البحث غير كافٍ؛ الدليل المعرفي المتوفر لدينا ناقص بشدة. فنحن مثلًا لا نعرف الكثير عن التأثيرات البيئية للعواصف الترابية"، التي أشارت إليها الأبحاث باعتبارها الملوِّث الرئيسي في المنطقة، المصحوب بتأثيرات قاتلة. "إننا نفتقر حتى إلى معرفة كافية تمكننا من تحديد حجم المشكلة لدينا. إننا في الظلام".
باختصار، ليست التغيرات البيئية هنا هي المصدر الوحيد للقلق، ولكن تجاهلها الشديد من قِبل كل من واضعي السياسات والعلماء المحليين، باستثناء بعض الجهود المتفرقة –والتي هي محل تقدير- في جامعات مثل جامعة الملك سعود، حيث أجرى ليليفيلد دراسته، ومعهد مصدر في الإمارات العربية المتحدة، حيث تستكشف الطاقة البديلة بدقة؛ وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، حيث يدرس العلماء تأثير عوامل الإجهاد وتغيُّر المناخ على الحياة البحرية، على سبيل المثال.
إن القرارات بشأن التكيّف مع التأثيرات الحادة لتغيُّر المناخ، والحدّ منها، وتبني تكنولوجيات أفضل (تشخيصية وسوى ذلك)، بالإضافة إلى دراسة تأثيرها السلبي على نوعية الحياة، كلها ضروري لإحراز تقدم في محاربة تغيُّرات المناخ والغلاف الجوي. هذه التغيُّرات بحاجة أيضًا إلى أبحاث منسقة واستثمارات ضخمة.
وبالنظر إلى الطريقة التي تعمل بها المنطقة، ربما يكون قد حان الوقت لنبدأ بالسهر على بيئتنا أيضًا.
ساهمت لويز سارانت، مراسِلة Nature Middle East في هذا التقرير من مؤتمر COP21.
تواصل معنا: