تستهدف الإمارات العربية المتحدة كوكب المريخ ببرنامج استكشافي لتحفيز الابتكار التكنولوجي وإلهام الشباب وإثراء مصادر اقتصاد الدولة.
كيرا واكر
تسعى الإمارات العربية المتحدة لأن تكون رائدةً في علوم الفضاء على مستوى العالم. في غضون ثلاث سنوات، تعتزم الدولة الثرية صغيرة المساحة من دول الخليج أن تُرسلَ مسبارًا فضائيًّا بدون طيار إلى كوكب المريخ في عام 2021 وتَبْنيَ أول مستعمرة بشرية على الكوكب الأحمر بحلول عام 2117.
منذ أن أسست الحكومة الإماراتية وكالة الإمارات للفضاء في عام 2014 وهي تسعى لتأسيس قطاع الفضاء ليكون صناعةً اقتصاديةً رئيسية؛ إذ تصل الاستثمارات المرتبطة بصناعة الفضاء إلى أكثر من 20 مليار درهم إماراتي (5.4 مليارات دولار).
وتأتي دولة الإمارات بين أبرز تسع دول على مستوى العالم في الاستثمارات في علوم الفضاء، في صناعة عالمية تُقدّر بثلاثمئة مليار دولار وتنمو بمقدار 8% سنويًّا.
ولدعم ذلك الطموح، تتعاون وكالة الإمارات للفضاء مع ثماني جامعات إماراتية لتطوير وتنفيذ برامج تعليمية ومراكز بحثية لعلوم الفضاء، رغم أن جامعة خليفة هي الوحيدة -حتى الآن- التي تقدم برامج في علوم الفضاء وهندسة الطيران والفضاء الجوي.
ويقول أحمد يونس -أستاذ هندسة الفضاء المساعد في جامعة خليفة-: إن هذا من شأنه أن يجعل جامعة خليفة مصدرًا أساسيًّا لتوفير رأس المال البشري الذي تحتاج إليه الإمارات لتنفيذ مشروعاتها المرتبطة بالفضاء، ويضيف: "إن إجراء الأبحاث التطبيقية في هذه المجالات سيساعد جامعة خليفة على أن تكون حلقة الوصل في صناعة الفضاء المحلية".
مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ
من المقرر أن ينطلق مسبار "الأمل" من مركز اليابان الفضائي في غضون إطار زمني محدود؛ إذ تقرر أن يكون ذلك في يوليو من عام 2020، حين يكون مدارا الأرض والمريخ في أقرب توازٍ لهما في حدث يتكرر كل عامين. ومن المتوقع أن يصل مسبار "الأمل" إلى المريخ بعد رحلة تستمر سبعة أشهر وتقطع مسافة 60 مليون كم من الأرض –وهي الرحلة الأولى التي تقوم بها دولة عربية إسلامية– في وقت مبكر من عام 2021، وهو ما يتصادف مع الذكرى الخمسين لتأسيس دولة الإمارات.
ويتولى مركز محمد بن راشد للفضاء -الذي وُكِلَت إليه مهمة تنفيذ "البرنامج الوطني للفضاء" الخاص بوكالة الإمارات للفضاء- قيادةَ مشروع الإمارات لاستكشاف للمريخ.
لا يتوافر لدينا الكثير من المعلومات حول الغلاف الجوي والمناخ على الكوكب الأحمر، وهو ما يسعى المشروع لاستكشافه بدراسة شاملة. ومن المقرر أن تستمر العمليات العلمية -التي يُخطَّط لها في منتصف عام 2021- مدةَ عامين، مع احتمال مدِّها عامين آخرين.
وأهم ما يميز مسبار "الأمل" هو أنه سيستكشف المريخ على طول مدار ذي ميل أكثر انخفاضًا، مما يتيح له مسح السطح والغلاف الجوي من ارتفاعات مختلفة في أوقات مختلفة، ومن ثَم يتوصل إلى أول صورة كاملة للغلاف الجوي لكوكب المريخ، وكيف يتغير بصورة يومية وبين الفصول.
كما سيدرس مسبار "الأمل" التفاعل بين الطبقات الدنيا والعليا من الغلاف الجوي للمريخ، بحثًا عن علاقات بين طقس اليوم ومناخ المريخ قديمًا، ويفحص كذلك لماذا يفقد الكوكب الأحمر غلافه الجوي في الفضاء من خلال تتبُّع سلوك الهيدروجين والأكسجين وهروبهما من الغلاف الجوي.
ويعمل على تصميم مسبار "الأمل" وبنائه فريق إماراتي بالكامل، يصل عدد أفراده إلى 75 شخصًا، ومن المتوقع أن يصل إلى 150 شخصًا بحلول عام 2020. وتمثل العناصر النسائية ثلث الفريق، وهي نسبة يأمل مركز محمد بن راشد للفضاء أن ترتفع إلى النصف في الوقت المحدد لإقلاع المسبار.
ويساعد الشركاء من مختبر الغلاف الجوي وفيزياء الفضاء بجامعة كولورادو، ومختبر علوم الفضاء بجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وكلية استكشاف الأرض والفضاء بجامعة ولاية أريزونا، فريقَ مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ في تصميم المركبة الفضائية وتطوير البرامج ومتطلبات المعدات.
وقد صرحت سارة الأميري -قائد الفريق العلمي بمركز محمد بن راشد للفضاء، ووزيرة الدولة لشؤون العلوم المتقدمة- بأن مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ يعمل في ظل ميزانية محددة، وسيتم الإفصاح عن الرقم النهائي بمجرد الانتهاء من المشروع.
وتضيف الأميري أنه من المتوقع أن يرسل مسبار "الأمل" 1000 جيجابايت من البيانات الفريدة حول كوكب المريخ إلى الأرض، والتي ستتم مشاركتها بحُرية مع المجتمع العلمي عبر 200 جامعة ومعهد بحثي في مختلف أنحاء العالم؛ إسهامًا من المنطقة في زيادة إنتاج المعرفة.
برنامج المريخ 2117
في فبراير من عام 2017، أعلنت حكومة دولة الإمارات مشروعها الفضائي الأكثر طموحًا حتى الآن، وهو بناء أول مستعمرة بشرية على كوكب المريخ في غضون المئة عام القادمة. ولكن حتى اليوم لم تُنشر سوى تفاصيل محدودة حول مشروع المريخ 2117، رغم أن الحكومة قد أعلنت أن المرحلة الأولى سوف تركز على تطوير الباحثين الذين ستحتاج إليهم لتحقيق هذه الطفرات اللازمة لتوصيل البشر إلى المريخ.
وفي الوقت نفسه، وُكِل إلى مركز محمد بن راشد للفضاء مهمة وضع خطة خمسية تغطي الجوانب التكنولوجية واللوجستية والفنية من المشروع.
"إنها رسالة ثقة في قدرات شبابنا وإمكانياتهم للإمساك بدفة التغيير الإيجابي في المنطقة. إنها بعثة علمية تهدف إلى خلق فرصة للعلماء في دولة الإمارات وإلهام الطلاب للإسهام في تطوير المجالات المختلفة مع الاستفادة من العلوم والتكنولوجيا".
وللإعداد لمشروع المريخ 2117، كشفت حكومة الإمارات مؤخرًا عن خطة لبناء "مدينة المريخ العلمية" بتكلفة 500 مليون درهم إماراتي (136 مليون دولار) في الصحراء الإماراتية؛ لمحاكاة الحياة على المريخ بأكبر قدر ممكن من الواقعية.
وداخل مركز المحاكاة، سيعيش فريق بحثي مدةَ عام؛ لدراسة كيف يمكن للبشر العيش في مناخ المريخ العدائي. وسيتم بناء المعامل لمحاكاة بيئة الكوكب من خلال إطلاق الحرارة وعزل الإشعاع، مما يساعد العلماء على فهم كيفية إدارة أنظمة الطعام والماء والطاقة على المريخ.
ارتفاع سقف الطموح الفضائي: هل هو ظاهرة محمودة؟
تقول الأميري إنه في حين يمثل إرسال أية بعثة إلى المريخ تحديًا كبيرًا في حد ذاته بسبب طبيعة استكشاف الفضاء، فإن الجدول الزمني لإطلاق البعثة في 2020 كان له أهداف محددة.
وتضيف: "تضمَّن النهج الذي تبنيناه استخدام أدوات مثبتة علميًّا، وأنظمة فرعية لها تاريخ طويل، مصحوبة بابتكارات من منهجيات تصميم جديدة للأنظمة الفرعية، وقد أتاح لنا هذا تقليص وقت التطوير، مع تحقيق هدفنا المتمثل في بناء بعثة علمية لا تكرِّر ما فعلته البعثات السابقة، وتستكمل البيانات القادمة من كوكب المريخ، ومن ثَم تقدم أعلى قيمة ممكنة للعلماء الذين يعكفون على دراسة الكوكب".
ويقول أحمد يونس -من جامعة خليفة، والذي لا يشارك في مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ-: إن نجاح دولة الإمارات في إنجاز المشروعات في الإطار الزمني المحدد سيكون جديرًا بالثناء، ويضيف: "طالما أن الموارد الفنية والمالية متوافرة، فإن الحلم يتحول ببساطة إلى خطة قوية".
غير أن عبد الحليم جلاد -الأستاذ المساعد في هندسة الحاسبات بالجامعة الأمريكية في رأس الخيمة، وهو غير مشارك في المشروع أيضًا- تساوره المزيد من الشكوك حول هذا الأمر، مشيرًا إلى أن التحديات غير الفنية أصعب في تجاوُزها.
ويضيف جلاد: "ثمة تحديات رئيسية تواجه نجاح طموحات دولة الإمارات في صناعة الفضاء: الحفاظ على الدعم المالي الثابت المطلوب لمثل هذه المشروعات ولقطاع الفضاء بصورة عامة، وبناء النظام البيئي المطلوب لتنفيذ هذه المشروعات طويلة الأمد وواسعة النطاق –لا سيما قطاع الفضاء الخاص في دولة الإمارات– وتأهيل وتدريب القوة العاملة الوطنية المطلوبة لتنفيذ البرنامج الوطني للفضاء الخاص بوكالة الإمارات للفضاء".
بريق أمل للشباب وللمنطقة العربية
يرى بعض العلماء أن استثمارات دولة الإمارات في قطاع الفضاء سيكون لها فوائد جمة، تمتد آثارها لأكثر من مجال على الأمة واقتصادها، وتسهم في تحقيق هدف التنويع الاقتصادي للبلاد.
وتقول الأميري: "هذا النوع من المشروعات لن يعمل فقط على دفع مستويات الابتكار البشري والمعرفة إلى ما وراء الحدود الحالية، ولكنه أيضًا يَعِد بدعم القدرات والإمكانات العلمية والفنية في الإمارات، بل وربما في المنطقة كلها".
وتضيف: إن استثمارات دولة الإمارات في علوم الفضاء واستكشافه تتجاوز حدود البعثات نفسها، وسيكون لها تأثير دائم على دولة الإمارات والمنطقة، وكذلك على الأجيال المستقبلية.
وتستطرد الأميري: "إن متوسط أعمار أعضاء فريق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ 27 عامًا، وهي رسالة ثقة في قدرات وإمكانيات شبابنا للإمساك بدفة التغيير الإيجابي في المنطقة. إنها بعثة علمية تهدف إلى خلق فرصة للعلماء في دولة الإمارات وإلهام الطلاب للإسهام في تطوير المجالات المختلفة مع الاستفادة من العلوم والتكنولوجيا".
تواصل معنا: