سبّب تصاعد النزاعات المسلحة تراجُعًا دراميًّا في أعداد أفراد المجموعات المحلية المهددة بالانقراض، بما يعرض البشر أيضًا للخطر نتيجةً لذلك.
كيرا ووكر
يسرّع تزايُد النزاعات المسلحة في الصحراء الكبرى والساحل -بزيادة تعادل 565٪ منذ عام 2011- من تناقص أعداد الأنواع المحلية المهددة بالانقراض، مثل أفيال السافانا الأفريقية والفهود الصحراوية، في مناطق كانت تشكّل في وقت من الأوقات ملجأً للحيوانات الضخمة، وفق ما كشفت دراسة حديثة.
تُظهر أدلة متزايدة كيف تساعد تفاعلات الصراع مع الأنشطة غير القانونية، وتطور البنية التحتية وأنشطة استخراج الموارد في الصحراء الكبرى والساحل، على تسهيل قتل الأحياء البرية، والدفع نحو فقد التنوع البيولوجي.
"معظم الأنواع إقليمية متوطنة، وتعرضت كلها لتراجُع واسع في الأصناف والأعداد خلال القرن الماضي"، وفق ملحوظة الدراسة.
هذه الدراسة التي جرت تحت قيادة خوسيه كارلوس بريتو، من مركز أبحاث جامعة بورتو للتنوع البيولوجي والموارد الوراثية، ونُشرت في Conservation Letters، تعاونت فيها 20 مؤسسة أكاديمية دولية.
وقد أدى تزايُد إمكانية الوصول إلى مناطق كانت نائيةً في السابق وسهولة الحصول على الأسلحة النارية طيلة القرن الماضي إلى تعطيل أنظمة الصيد التقليدية التي كانت سائدةً منذ آلاف السنين باعتبارها موردًا للرزق. كما أن الاستغلال الإقليمي للمعادن، الذي ازداد معدله، أدى بدوره إلى تضخيم الصيد غير القانوني للحيوانات البرية. نتيجةً لذلك، تشير الدراسة إلى أن 12 من كل 14 فقارية كبيرة الحجم موجودة في المنطقة صُنِّفت باعتبارها "منقرضة في البرية" أو مهددة بالانقراض.
"في حالة الفقاريات كبيرة الحجم في الصحراء الكبرى والساحل الأفريقي، يمكن القول بأن عدد أفراد مجموعاتها الأصلية ومناطق توزيعها قد تراجعت بالفعل، بنسبة تزيد على 90٪ عن النطاق الأصلي في كثير من الحالات"، استنادًا إلى قول بريتو.
يقول الباحثون إن الزيادة غير المسبوقة في عدم الاستقرار الإقليمي الذي شمل جميع مناطق الصحراء والساحل تقريبًا، والذي اتسم بوجود الجماعات المتطرفة ومن ضمنها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وبوكو حرام، يزيد من تفاقم هذا السيناريو.
اسْتُخْلصت حالات الصراع الجغرافية المكانية، والعنف ضد المدنيين وسوى ذلك من تهديدات الحياة البرية، ومن ضمنها طرق التهريب والهجرة البشرية، وشبكات الطرق واستغلال الموارد الطبيعية، من مجموعات البيانات الأفريقية والعالمية؛ لمعايرة الاتجاهات الزمنية، ووضع خرائط الصراعات وما يرتبط بها من مخاطر الانقراض.
ثم قورنت الخرائط مع توزّع وانحسار 10 فقاريات كبيرة مدرجة في قائمة الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN)، ومن ضمنها المها (أبو عدس، أو الظبي لولبي القرون –Addax) وغزال المهر Dama gazelle المعرَّضان بشدّة للانقراض.
وقد وجد الباحثون أن الحيوانات الضخمة قد اجتُثّت تقريبًا في المناطق الجنوبية من الصحراء الكبرى والساحل الأفريقي، التي عانت من الصراعات المسلحة الأطول أمدًا، وحيث كثافة الطرق والمجموعات السكانية هي الأعلى.
مناخ متغيّر
يساعد التنوع البيولوجي النظم البيئية على التعامل بشكل أفضل مع الاضطرابات، وهو عنصر أساسي لتخفيف آثار تغيّر المناخ.
من غير المعروف إلى درجة كبيرة ما إذا كانت الأنواع ستتمكن من التكيّف مع التغير المناخي، وفق قول بريتو، خاصةً في منطقة الصحراء الكبرى والساحل الأفريقي، المعرّضة بشدة للتغير المناخي وحيث تعيش أعداد كبيرة من الأنواع على مقربة من حدودها الفيزيولوجية.
"من المتوقع أن تكون تأثيرات تغيُّر المناخ على الأنواع الصحراوية شديدة، وأن تؤثر بعمق على التنوع البيولوجي في المنطقة"، كما يشرح.
يؤكد بريتو أهمية الحفاظ على مجموعات متعددة من كل نوع في سيناريوهات مناخية متميزة. الحفاظ على مجموعات متعددة يمكّننا من توفير الظروف لمجموعة واحدة على الأقل لكي تتكيف، كما يشرح.
"لقد قضينا على المجموعات كلها تقريبًا، فأنقصنا إلى حدٍّ كبير إمكانية تكيُّف الأنواع مع تغيّر المناخ. وهكذا، فإن المجموعات الصغيرة والمشتتة معرضة لخطر الانقراض بسبب تغيُّر المناخ"، وفق قوله.
العلاقة بين البشر والتنوع البيولوجي
في وقت سابق من هذا العام، نشرت المنصة الحكومية لسياسات العلوم في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النظام الإيكولوجي (IPBES) سلسلةً من أربعة تقارير علمية مميزة كتبها أكثر من 550 خبيرًا رائدًا من أكثر من 100 دولة. وجدت التقارير أن التنوع البيولوجي مستمر في التراجع في كل منطقة من مناطق العالم.
إن فقدان التنوع البيولوجي -كما تشير ملحوظات IPBES- "يقلل بشكل ملموس من قدرة الطبيعة على الإسهام في رفاه الناس. وهذا الميل المنذر يهدد الاقتصاد وسبل المعيشة والأمن الغذائي ونوعية حياة الناس في كل مكان".
ووفقًا للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة، فإن انقراض الأنواع حاليًّا أسرع 1000 مرة من المعدل الطبيعي.
وتتسق تقارير IPBES مع دراسة أجراها جيراردو سيبالوس وزملاؤه ونُشرت في دورية PNAS في العام الماضي، وجدت أن الانقراض الجماعي السادس الحالي على كوكب الأرض أكثر حدةً مما كان يُعتقد؛ بسبب سرعة تراجع عدد أفراد المجموعات.
يقول سيبالوس، الباحث الكبير في المعهد الوطني للإيكولوجيا التابع لجامعة المكسيك الوطنية المستقلة: إن المنظمات الكبيرة المعنية بالحفاظ على البيئة، تركِّز حصرًا على انقراض الأنواع، وهذا أسهَمَ –سهوًا- في إبعاد الانتباه عن انقراض المجموعات، وهو جانب آخر مهم لفقدان التنوع البيولوجي.
"تركيزها ذلك ليس خطأ، ولكنه محدود. إنه أمر مربك؛ لأن انقراض افراد المجموعات مقدمة لانقراض الأنواع"، وفقًا لقول سيبالوس.
مصاعب وعثرات
تُعَد الجزائر وموريتانيا والمغرب والسودان حاليًّا بين أكثر 40 دولة تعاني من نقص التمويل من أجل الحفاظ على التنوع البيولوجي على مستوى العالم.
"تفتقر هذه البلدان حاليًّا إلى الموارد والقدرات، وفي بعض الحالات إلى الالتزام، لإجراء التغييرات الهيكلية القوية اللازمة لعكس اتجاه الانقراض المشار إليه"، وفق ملحوظة بريتو وزملائه.
ويؤكد بريتو ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف المزيد من الخسائر في التنوع البيولوجي الفريد لأكبر صحراء في الكرة الأرضية، ويشدد على الحاجة إلى زيادة التركيز على العوامل البيئية في مبادرات عملية السلام الإقليمية.
يقترح فريق البحث، من بين عدة توصيات، فرض عقوبات على أولئك الذين لا يحترمون إرشادات الحفاظ على البيئة.
وكملاذ أخير، يقول سيبالوس، يمكن حماية أفراد المجموعات في حدائق الحيوان والمحميات خارج مناطق النزاع أو في بلدان أخرى، من أجل إعادة إسكان المناطق المدمَّرة بمجرد انتهاء النزاع المسلح، وعندما تصبح لدى الحياة البرية فرصةٌ أفضل للبقاء.
"لعل انقراض الأنواع هو المشكلة البيئية العالمية الوحيدة التي لا يمكن عكسها"، وفق قول سيبالوس، "والمجال المتاح لاتخاذ إجراءات فعالة ضيق جدًّا، وقد لا يزيد عن عقدين أو ثلاثة، على الأكثر".
doi:10.1038/nmiddleeast.2018.89
Brito, J. C. et al. Armed conflicts and wildlife decline: Challenges and recommendations for effective conservation policy in the Sahara-Sahel. Conservation Lettershttp://dx.doi.org/ 10.1111/conl.12446 (2018)
Ceballos, G. et al. Biological annihilation via the ongoing sixth mass extinction signalled by vertebrate population losses and declines. PNAShttp://dx.doi.org/10.1073/pnas.1704949114 (2017)
Report of the Plenary of the Intergovernmental Science-Policy Platform on Biodiversity and Ecosystem Services on the work of its sixth session. https://www.ipbes.net/event/ipbes-6-plenary (2018)
تواصل معنا: