الحمض النووي من الماشية العتيقة يكشف قصة تطوّر أنماط التزاوج
نشرت بتاريخ 27 أغسطس 2019
تحليلات على نطاق الجينوم المستخلص من بقايا الماشية العتيقة، تطرح رؤىً حول أنماط التربية وكذلك عن الروابط مع التغيرات المناخية في مختلِف أنحاء الهلال الخصيب.
لارا ريد
يمكن لدراسة الحمض النووي DNA المُستخلص من البقايا الحفريّة للحيوانات أن تساعد العلماء على فهم التكيّف عند أنواع الحيوانات، وكذلك أنماط الزراعة والاستئناس المبكرة. وحاليًّا، تمكَّن فريق دولي من وضع تسلسل لجينومات تعود إلى بقايا عتيقة من سبعة وستين حيوانًا من الماشية، مما يوفّر نظرةً ثاقبةً على نحو 8 آلاف عامٍ من تربية الأبقار. وتقترح نتائج الفريق وجود صلاتٍ مثيرة للاهتمام بين أنماط تربية الحيوانات والأحداث المناخية في الماضي، وربما تشير إلى قرارات اتخذها المزارعون لضمان نجاة قطعانهم.
استخلص الباحثون -بقيادة دانيال برادلي، من كلية ترينيتي بدبلن في أيرلندا، بالاشتراك مع عبد السلام مقداد، من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط في المغرب- عينات الحمض النووي من بقايا ثلاثة أنواع مختلفة من الماشية. من بينها ماشية «بوس توروس» Bos taurus المستأنسة، وماشية «بوس إنديكوس» Bos indicus التي تنتمي إلى ماشية الزيبو البرّيّة التي نشأت في وادي السند (في باكستان وشمال غرب الهند)، بالإضافة إلى ستة حيوانات من الأرخُص العتيقة -وهي ماشية برّيّة منقرضة، كانت تجول قديمًا في أوروبا وآسيا.
يقول برادلي: "إن بوس توروس هو أقدم أنواع الماشية المُستأنسة، التي نشأت في الشرق الأدنى، في الأناضول وبلاد الشام وإيران". ويستطرد قائلًا: "إن الماشية المعاصرة كلها قد انحدرت من مجموعة صغيرة من بوس توروس، المستأنسة منذ حوالي عشرة آلاف وخمسمئة سنة مضت. ولكن التفاصيل الجينية المبكرة مستترة في الحمض النووي للماشية المعاصرة، والسبيل الوحيدة لإعادة تشكيل هذا الماضي الجيني بطريقة سليمة، ستكون عبر استخدام تحليل جينومات عتيقة".
استخلص الفريق عينات الحمض النووي من عظام الأذن الداخلية للماشية، ومن المعروف أنها تتمتع بأعلى معدلات حفاظ على الحمض النووي، خاصةً في البلدان القاحلة مثل الشرق الأوسط، حيث عُثر على الكثير من البقايا العتيقة.
عاش نوعا بوس توروس المستأنسة وبوس إنديكوس التي تنتمي إلى ماشية الزيبو، بمعزل عن بعضهما لآلاف السنين. إلا أن نتائج الفريق تشير إلى أنه منذ حوالي أربعة آلاف ومئتي سنة، بدأت ثيران الزيبو في التزاوج فجأةً مع نوع بوس توروس، في مختلِف أنحاء الهلال الخصيب، منطقة الشرق الأوسط التي تشمل مصر وما يُعرف الآن بالعراق.
وصادَفَ حدوث هذا التزاوج جفافًا استمر في المنطقة عدة قرون، وما لحق بذلك من انهيار حضارتي مصر وبلاد ما بين النهرين. ولعل المزارعين قد اتخذوا القرار عن عمدٍ، وسمحوا للماشية بالتزاوج مع الزيبو المتكيّف مع البيئة القاحلة؛ بغرض حماية قطعانهم في مواجهة التغيرات المناخية.
ويعقّب برادلي قائلًا: "وبينما تغيرت الجينومات بأكملها تغيرًا جذريًّا عند نوع بوس توروس، إلا أن مجموعة الحمض النووي الخاص بالميتوكوندريا، التي تورّث من ناحية الأم، بالكاد تأثرت. يشير هذا إلى أن ثيران نوع الزيبو قد خصّبت إناث نوع بوس توروس، ولم يحدث تزاوُج مختلط بين ذكور وإناث كلا النوعين".
كشف الباحثون النقابَ كذلك عن تفاصيل جديدة تتعلق بتريبة الأُرخُص، في مجتمعات الماشية المبكرة، خاصةً أن إسهام الأُرخُص جعل الماشية في جنوب بلاد الشام متمايزة جينيًّا عن الماشية الأخرى المستأنسة في وقت مبكر.
يعلّق لوسيف لازاريديس، عالِم الجينات في كلية الطب بجامعة هارفارد، والذي لم يشترك في البحث وإن كان قد أجرى دراسات جينية مكثّفة على الزراعة والبشر الأوائل: "توجد أوجُه تشابه مثيرة للاهتمام بين دراسة الأبقار العتيقة بالشرق الأدنى، وما نعرفه عن التجمعات البشرية من عينات الحمض النووي العتيقة". ويستطرد قائلًا: "لم تكن منطقة جنوب آسيا -حيث نشأ نوع بوس إنديكوس- منعزلةً إبان هذه الفترة. ويبدو أن البشر قد هاجروا من حضارة وادي السند متجهين إلى آسيا الوسطى، في النطاق الزمني نفسه الذي حدث فيه التأثير المناخي، أي منذ حوالي أربعة آلاف ومئتي عام. ولعل هذا الحدث هو ما أسهَمَ في تقديم أسلاف ماشية الزيبو إلى قطعان الماشية التي كانت تعيش بالقرب من الشرق الأدنى".
doi:10.1038/nmiddleeast.2019.118
Verdugo, M.P. et al. Ancient cattle genomics, origins, and rapid turnover in the Fertile Crescent. Science365, 173–176 (2019).
تواصل معنا: