مؤشر نيتشر لعام 2019: الأداء العلمي العربي هذا العام بالأرقام
نشرت بتاريخ 19 سبتمبر 2019
تصنيف مؤشر «نيتشر» لعام 2019 يسلط الضوء على مكانة المؤسسات العربية وسط المشهد البحثي العالمي، ويوضح الأداء المبهر للمملكة العربية السعودية.
كريستوفر جيمس كينت
كشف تصنيف مؤشر «نيتشر» لعام 2019 للمؤسسات العلمية في العالم -المبني على عدد البحوث المنشورة في مجموعةٍ مختارة من الدوريات العلمية عالية الجودة- عن زيادة معدلات نشر الأبحاث العلمية في مؤسساتٍ بالدول العربية. وتوضح بيانات المؤشر الصادرة مؤخرًا أنَّ جامعات المملكة العربية السعودية ومصر بالأخص قدَّمت أداءً قويًّا. حتى إنَّ إحدى الجامعات السعودية، وهي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، حجزت مكانًا في قائمة أفضل مئة مؤسسة بحثية على مستوى العالم.
مؤشر «نيتشر» هو تصنيف لما يزيد على 10 آلاف منظمة بحثية عالمية، من حيث إسهام كلٍّ منها في البحوث المنشورة في 82 دورية علمية عالية الجودة. تختار هذه الدوريات لجانٌ مستقلة من الباحثين في المجالات المختلفة للعلوم الطبيعية، لتصبح الدوريات الرائدة في مجالاتها.
للمقارنة بين المؤسسات المختلفة، يستخدم المؤشر نوعين من المقاييس، أولهما مقياس عدد البحوث (AC)، وهو مقياس يعبر عن عدد الأوراق البحثية المنشورة التي ينتسب مؤلفوها إلى المؤسسة، وثانيهما المقياس الكسري (FC)، وهو مقياس تقريبي لمدى إسهام المؤسسة في بحثٍ معين.
يوضح تقييم المؤشر هذا العام للدول العربية الست عشرة التي يتتبع أداءها -بناءً على الإنتاج البحثي خلال عام 2018- أنَّ الجامعات السعودية قدَّمت أداءً قويًّا؛ إذ احتلت المراكز الثلاثة الأولى بين أفضل المؤسسات العربية، وخمسة مراكز من المراكز العشرة الأولى.
احتلت المرتبة الأولى جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، بمقياسٍ كسري بلغ 103.76. تليها بفارقٍ كبير في المركزين الثاني والثالث جامعة الملك عبد العزيز وجامعة الملك سعود، بمقياسٍ كسري بلغ 9.93 و6.43 على الترتيب. النتيجة التي حققتها جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية تضعها في المركز الرابع على مستوى الشرق الأوسط، يسبقها معهد وايزمان للعلوم في إسرائيل (بمقياسٍ كسري بلغ 169.56)، والجامعة العبرية في القدس (بمقياسٍ كسري بلغ 107.23)، ومعهد التخنيون الإسرائيلي للتكنولوجيا (بمقياسٍ كسري بلغ 105.01).
وحلَّت أيضًا في المراكز العشرة الأولى جامعاتٌ من قطر، ولبنان، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، لكن تخلفت عنها جامعات دول شمال أفريقيا بفارقٍ طفيف. رغم ذلك، فإنَّ 55 مؤسسةً من المؤسسات الثمانين التي تتبَّعها المؤشر من الجزائر، ومصر، وليبيا، والمغرب، والسودان، وتونس، شهدت زيادةً في مجموع نقاطها مقارنةً بالعام الماضي. تشمل هذه المؤسسات 29 مؤسسةً بحثيةً لم تسجل أي نقاط في جداول مؤشر عام 2018، وهو ما يشير إلى احتمالية وجود اتجاهٍ إيجابي نحو إجراء بحوثٍ علمية عالية الجودة في دولٍ ربما تواجه تحدياتٍ أكاديمية.
وتحتل المؤسسات المصرية الصدارة بين دول شمال أفريقيا؛ إذ حلَّت سبعٌ من مؤسساتها البحثية ضمن أفضل عشر مؤسسات في المنطقة، وفي صدارتها جامعة عين شمس (بمقياسٍ كسري بلغ 2.16)، التي احتلت المركز الثامن على مستوى أفريقيا في مجال العلوم الفيزيائية، وكذلك مجال الكيمياء، متخلفةً بفارقٍ طفيف عن جامعة المنستير التونسية، التي احتلت المركز السابع.
الأولوية للكيف وليس الكم
أوضحت كاثرين آرميتاج -رئيسة تحرير مؤشر «نيتشر»- كيف أنَّ تصنيف المؤشر هذا العام، وللمرة الأولى منذ صدوره، لا يأخذ في الاعتبار حجم المؤسسة أو النسبة المئوية لبحوثها المنشورة في دورياتٍ علمية عالية الجودة. ما حدث هذا العام بالضبط هو وضع تصنيفٍ «مُعايَر»، بناءً على نسبة ما نشرته مؤسسةٌ ما من بحوثٍ عالية الجودة في الدوريات العلمية الاثنتين والثمانين التي استخدمها المؤشر، مقارنةً بمجموع ما نشرته تلك الجامعة من بحوثٍ في مجال العلوم الطبيعية. واقتصرت هذه القائمة المُعايَرة على أفضل مئة مؤسسة من حيث الأداء.
أدى العمل بهذا المقياس الجديد إلى تغيراتٍ كبيرة في المراكز الأولى. فقد انتقلت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية من المركز 111 إلى المركز الثامن عشر عالميًّا من حيث تصنيف مقياسها الكسري، مما يشير إلى أنَّ نسبةً كبيرةً من بحوثها تُنشر في دورياتٍ عالية الجودة. وهذه الجامعة السعودية هي الوحيدة بين مؤسسات المنطقة العربية التي انضمت إلى قائمة أفضل مئة مؤسسة عالميًّا وفق التصنيف المُعايَر. وعلَّقت نيفين خشاب -الأستاذ المساعد لعلم الكيمياء بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية- على أداء الجامعة في مؤشر «نيتشر»، قائلةً: "لقد خلق الكثير من الحماس هنا، الناس في الجامعة يشعرون بالنشوة والفخر ... منذ بدأت كاوست كنا نريد فقط أن نثبت أنَّنا قادرون على إجراء بحوثٍ ممتازة في الشرق الأوسط".
المنظور العالمي
رغم هذا، ما زال إجمالي الإنتاج البحثي للدول العربية صغيرًا، مقارنةً بإنتاج المؤسسات البحثية الرائدة في الغرب.
وتقول خشاب إنَّ المعوقات الاقتصادية في الشرق الأوسط تمثل تحديًا للبحث العلمي في المنطقة وجهود التعاون على المستويات العليا، وهو تحدٍّ يُحتِّم التشبيك مع المؤسسات البحثية الرائدة خارج البلاد. وتضيف: "عادةً نلجأ إلى التعاون مع باحثين من الولايات المتحدة وأوروبا؛ نظرًا لافتقارنا إلى شبكةٍ محلية". ويمكن ملاحظة نهجٍ مشابه في جامعةٍ سعودية أخرى، هي مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، التي تسعى إلى دعم البحوث المؤثرة من خلال مراكزها المشتركة لبرامج التميز.
وتتابع خشاب: "باحثو الشرق الأوسط يبلون بلاءً حسنًا في كل مكانٍ في العالم ... لدينا الكوادر بالفعل، لكن إذا لم تتوافر البنية التحتية أو المختبرات لدعمهم، فلن يحققوا أي شيء". وترى أنَّ هناك حاجة إلى تغييراتٍ واسعة النطاق في السياسات، لتمويل ورعاية قدرٍ أكبر من البحوث عالية الجودة في الشرق الأوسط. وتوضح أنَّ سرعة تحقيق ذلك تتوقف على كل دولة، لكنَّها تأمل أنَّه مع التغييرات الجارية في المملكة العربية السعودية، يمكن لجامعاتٍ مثل جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية أن تتبوأ موقعًا قياديًّا في البحث العلمي، وتبدأ في تضييق الفجوة بين الإنتاج البحثي العربي وإنتاج بقية الدول.
تواصل معنا: