يحتاج العلم إلى مزيد من النماذج الأنثوية الرائدة، كما تقول عالِمة الوراثيات السعودية ملاك عابد الثقفي1 .
ملاك عابد الثقفي
تواجه النساء الساعيات لشغل مناصب علمية متميزة عدة تحدّيات. في الدول الغربية، تشكل الإناث نسبةً أقل من 20٪ من دارسي العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، والطب. وعلى العكس من ذلك، فإن الالتحاق بهذه الدراسات في بلدان الشرق الأوسط أكثر توازنًا؛ ففي المملكة العربية السعودية وعُمان والإمارات العربية المتحدة، تحصل النساء على 60٪ من جميع الشهادات العلمية2 .
في أوائل عام 2016، أسّسْتُ مختبرًا نسائيًّا بكامل عناصره في مدينة الملك فهد الطبية في الرياض، كموقع تابع لمشروع الجينوم البشري السعودي، الذي ترعاه مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، والذي أصبح فيما بعد قسم أبحاث الجينوم.
في البداية، قدمتْ لي مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية أربع باحثات. وعيّنت فيما بعد ثلاث باحثات أخريات، استنادًا إلى مؤهلات الجدارة. كانت جميع المتطوعات إناثًا، ومن ضمنهن مستشارة الوراثيات واثنتان من المقيمات في قسم الأمراض. في أبريل 2019، عيّنت عالِمًا حاصلًا على الدكتوراة من الذكور، وأيضًا على أساس مؤهلاته. في وقت سابق من هذا العام، بدأت تعاونًا جديدًا مع جراح ذكر، لديه فريق مكوّن من أربع نساء أخريات، بغرض العمل مع فريقي في مجال الوراثيات المناعية لسرطان الكبد.
إن زميلاتي منفتحات فيما يتعلق بشؤونهن، ويسعين لتحقيق الانسجام في العمل، وفي الشراكات وفي حياتهن الشخصية. إنهن يردن تغيير الصور النمطية عن قدرات المرأة ونجاحها في البحث العلمي والطبي.
في المتوسط، لا تزال النساء اللاتي يعملن بدوام كامل خارج البيت يتحملن الجزء الأكبر من أعباء العمل والتدبير المنزلي مقارنةً بالموظفين الرجال3 . لا ينبغي جعل النساء يشعرن أنه يتعين عليهن تقديم كل شيء بشكلٍ متساوٍ في جميع الأوقات. ففي بعض الأحيان تحتاج أسرهن أو حياتهن المهنية إلى اهتمام أكبر. يجب تمكين النساء من الشعور بالارتياح عند تحديد أولوياتهن، في حين ينبغي أن تكون توقعات الأسرة وأصحاب العمل واقعية.
في أثناء بناء مختبري، أدركت أن دوري الرئيسي كان إعداد منصة داعمة لعضوات فريقي، ومساعدتهن على بناء ثقتهن، وتفهّم أن التوازن بين الحياة الأسرية والبحث لن يكوّن مشكلةً للفريق. في بعض أوساط العمل، يشعر الناس بالقلق تجاه السماح لحياتهم وأسرهم بمقاطعة عملهم؛ لأنهم يخشون أن يؤثر هذا على طريقة تقبّل أصحاب العمل لهم. لمعرفتي بهذا الأمر، أسست مختبري بطريقة تشجع التواصل المفتوح والمرونة، ليتمكن العلماء من التفوق في أبحاثهم دون إهمال مسؤولياتهم الأخرى.
كان الأمر صعبًا، لكنه مُجزٍ، فقد انضمت إلى فريقنا أعداد أخرى من الباحثات الشابات. بصفتي قائدةً للفريق، أدركت أن تحديد المفاهيم المسبقة ومعالجتها سيؤسس بيئةً بحثيةً قويةً وشاملة، يمكنها الازدهار في مجتمع ذكوري تقليدي. إن حقيقة وجود النساء بشكل أقل وضوحًا في مجالات العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة، والرياضيات، والطب تديم معتقدات عفا عليها الزمن حول الجنس. يؤثر الشعور بالانتماء على اهتمامات المرأة، ومثابرتها ونجاحها في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والطب.
إن مجرد الحضور بوضوح كنموذج أنثوي متمكن في العلوم أمرٌ بالغ الأهمية؛ لأن غالبية الروّاد في معظم مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والطب هم من الرجال، وبوسع الطلاب الذكور الوصول بسهولة إلى العديد من النماذج والموجهين الذين يشبهونهم. إن وجود موجّهين من الجنس أو العرق نفسه أو الخلفية الثقافية ذاتها يمكنه مساعدة الطلاب من المجموعات الأقل تمثيلًا على الشعور بأنهم مشمولون وقادرون (على الأداء الجيد)4 . وهذا هو السبب الذي يجعلني أتعمد تزويد الطالبات بنماذج وموجهات من مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والطب باعتبار ذلك جزءًا أساسيًّا من إدارة المختبر.
وبصفتي قائدةً أنثى في هذه المجالات العلمية، فإنني أعمد إلى دمج إستراتيجيات محددة تعلمتها؛ بغرض تشجيع نجاح الإناث في الأوساط التي يهيمن عليها الذكور.
بناء تقدير الذات
أحاول أن أؤكد للعلماء المبتدئين في مختبري أن الناس سيقللون من شأنهم، وألا يسمحوا لذلك بثنيهم عن الاستمرار.
وقد عبّرت طالباتي عن شعورهن بإحباط مشابه. في أثناء العام الماضي، جاءتني طالبة تعدّ لأطروحة ما بعد الدكتوراة بعد أن شكك أحد زملائها من الذكور مرارًا وتكرارًا في قدراتها. لقد دأب باستمرار على التقليل من شأن طالبتي وجعلها تشعر بأنها متعاون أقل قيمة. وبعد أن حاولت الاستمرار بالعمل كمحترفة والتركيز على الأبحاث، أصبحت تشعر بما يكفي من عدم الارتياح فطلبت المساعدة.
وبصفتي قائدة المختبر، وجهت إليه تحذيرًا عدة مرات، وعندما لم يتغير شيء، أنهيت التعاون معه. فقد فضل التعامل مع رجال آخرين؛ لأنه يشعر أن النساء لسن على درجة كافية من الصلابة أو الكفاءة لأداء العمل. هذه خرافة شائعة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والطب، ونحن نثبت خطأها باستمرار. عليكِ أن تدافعي عن فريقكِ وتتخذي قرارات صعبة. على الرغم من أن التواصل لتقليل سوء الفهم كثيرًا ما يكون ممكن التحقيق، إلا أنني لن أسمح بسرقة أحلام أيٍّ كان، أو زعزعة ثقته بنفسه.
كثيرًا ما جاءتني عضوات من فريق مختبري مشككاتٍ بقيمتهن الذاتية، ومتسائلات عما إذا كنَّ على درجة كافية من الكفاءة وما إذا كنَّ جديرات بنجاحهن. يتمثل التحدي الذي أواجهه كمديرة مختبر في إدراك عدم الاتساق بين التوقّع والحقيقة التي يشكل فيها وجود النساء اللاتي يشغلن مناصب قيادية في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات والطب مُلهمًا للإناث الباحثات لكي يقدّرن أنفسهن، ويدفعهن ليخرجن من منطقة الراحة ويمتلكن قيمتهن الحقيقية.
برامج الموجهين الداعمين
يجب أن يدرك النظام الإيكولوجي للإرشاد أن الهويّات تؤثر على التطور الأكاديمي والمهني. إن برامج التوجيه التي تقدّم إرشادات مستمرة ومحددة شديدة الفائدة للباحثات الفتيّات اللاتي من المرجّح -لولا توافرها- أن يغادرن مسار الأبحاث بسبب التحديات الجمّة التي يواجهنها. على مدى السنين، وجهني عدد كبير من مرشديّ نحو صقل مهاراتي وتحديد نقاط القوة الفريدة لديّ. عندما قررت الحصول على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال في أثناء مدة عملي كطبيبة مقيمة، تساءل كثير من الناس عن سبب عدم تركيزي على الطبّ. ولحسن الحظ، شجعني المرشدون الذين قدروا قيمة الأطباء والعلماء الساعين لتعلّم مفاهيم الأعمال.
أصغِ إلى الباحثين في فريقك وساعدهم على تخيُّل كافة الاحتمالات. لعمل ذلك، يجب أولًا أن تفتح عقلك وتتخيل تلك الاحتمالات بنفسك، ثم تقدّم بيئة داعمة. علِّم أعضاء فريقك الإقدام على المخاطرة على المستويين الفكري والشخصي. اسمح لهم باكتشاف نقاط قوتهم، وبناء مرونتهم، وساعدهم على فهم القوة واستخدامها لما فيه خير أكبر. يجب تعزيز التوجيه في جميع المراحل المهنية وجعله يستهدف تنمية المواهب. بوسع التعليم الإرشادي أن يمنع التجارب السلبية أو أن يحدّ من ضررها. فالتحديات لن تنتهي، والمرشدون سيوجدون بكافة الأشكال.
شجع التعاون بدلًا من التنافس
يمثّل تشجيع الأعضاء المبتدئين في فريقي على الذهاب إلى الاجتماعات العلمية وإلقاء العروض التقديمية مهمةً ذات أهمية خاصة. قد تجد الإناث الباحثات صعوبةً شديدةً في الاعتقاد أن حياة مهنية ناجحة في مجال العلوم أمرٌ ممكن التحقيق، يعود هذا ببساطة إلى الافتقار إلى نماذج رائدة محلية، وهو ما تعكسه قلة عدد النساء القائدات للأقسام أو المشاريع البحثية. لقد سجلت اثنتان من باحثاتي الشابات في برنامج إرشادي خاص لصغار الباحثين في مؤسستي. تكمن الفكرة في نقلهما من مفهوم المشروع، إلى تقديمه للحصول على الموافقة الأخلاقية، لضمان تطبيقه، إلى إجراء التجارب البحثية وتحليل البيانات، والانتهاء بوضع ورقة بحثية هما المؤلف الأول فيها.
ينقسم فريقي من الباحثين والباحثات بين مدينة الملك فهد الطبية ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية. وتتوفر في كلتا المؤسستين قيادة قوية، تتشارك مع فرق بحثية في جميع أنحاء العالم. ينصب تركيزنا على تشجيع النساء على الخروج والتعاون كلما كان ذلك ممكنًا، وهو أمر ممكن. إننا نوجههن لتحقيق التوازن بين توقعاتهن والبحث عن التعاون وتشكيل شبكات العمل، ليتمكنَّ من التواصل مع إناث رائدات حول العالم. إننا نؤسس توقعات للتعاون بدلًا من التنافس.
doi:10.1038/nmiddleeast.2019.159
Malak Abedalthagafi, MD, is founding chair of genomics research and associate research professor at King Fahad Medical City and King Abdulaziz City for Science and Technology in Riyadh, Saudi Arabia. malak.abedal at gmail dot com / Twitter: @malakabed
تواصل معنا: