يُظهر تحليل عالمي لبيانات ملتقطة بالأقمار الصناعية والتلسكوبات الأرضية أن دفقتَي أشعة جاما أنتجتا الانبعاثات الأعلى طاقةً بين الانبعاثات التي قيست حتى تاريخه.
تيم ريد
قطع العلماء خطوة مهمَّة إلى الأمام على طريق فهم أصل انبعاثات الطاقة العالية من دفقات أشعة جاما، وهي عبارة عن انفجارات كونية مفعمة بطاقة شديدة، تحدث عندما ينهار نجم له كتلة تعادل عدة أضعاف كتلة الشمس، مُشكِّلًا ثقبًا أسود أو نجمًا نيوترونيًّا. وقد كان من المستحيل حتى عهدٍ قريب جمعُ بيانات متعددة الطول الموجي قابلة للاستعمال من دفقة أشعة جاما. لكن في مشروع تعاوني ضخم، جمع فريقٌ دولي من الباحثين بياناتٍ شاملةً من دفقتي أشعة جاما حدثتا عامَي 2018 و2019، مستعملًا تلسكوبات أرضية وأقمارًا صناعية متعددة. وتكشف تحليلات الفريق -التي ظهرت في ثلاث دراسات نُشرت في مجلة Nature- عن فوتونات هي الأعلى طاقةً حتى تاريخه بين الفوتونات الصادرة عن دفقات أشعة جاما. كما مكنت البيانات الباحثين من تحديد كيفية تولُّد هذه الفوتونات، وبذا قدمت نظرات جديدة إلى كيفية تطور انبعاثات دفقات أشعة جاما بمرور الزمن.
وقد حلل رازميك ميرزويان، الذي يعمل في معهد ماكس بلانك للفيزياء في مدينة ميونخ الألمانية، وفريقه الذي يضم عقيب معين، من جامعة الإمارات العربية المتحدة، بيانات متعددة الطول الموجي من دفقة إشعاع جاما، تم تحديدها في يناير عام 2019، ووضعوا نماذج لها.
ويقول ميرزويان: "في الثواني الثلاثين الأولى، اتضح لنا أن كثافة أشعة جاما الصادرة عن هذه الدفقة أقوى بـ130 مرة من تلك الصادرة عن سديم السرطان، الذي يُـعَـدُّ أقوى مصدر ثابت في مجرّتنا لأشعة جاما ذات الطاقة شديدة العلو. هذه أقوى إشارة قِيست على الإطلاق بالرصد الفلكي الأرضي لأشعة جاما العالية الطاقة. وقد تتبّعنا تطور طيف دفقة أشعة جاما، بدءًا من مرور دقيقة على انفجارها إلى ما بعد ذلك ببضع ساعات".
بعد انفجارٍ أولي ساطع لدفقة أشعة جاما استمر ما بين بضعة أجزاء من الألف من الثانية (ملي ثانية) وعشرات الثواني، يحدث وهيجٌ تالٍ قد يدوم أيامًا، يتفاعل خلالها التيار مع محيطه، مخلِّفًا موجات صدميّة تطلق انبعاثات على نطاق واسع من الترددات، يمتد من موجات الراديو إلى أشعة جاما. وقد وجد الفريق أن دفقة أشعة جاما أطلقت فوتونات بمستويات غير مسبوقة من الطاقة، تراوحت بين عُشرَي (0.2) تيرا إلكترون فولت وتيرا إلكترون فولت واحد، بدأت بعد مرور نحو دقيقة من الانفجار الأوّلي. ويعتقد الباحثون أن الإلكترونات التي كانت موجودةً في أثناء ذلك الانفجار نقلت الطاقة إلى هذه الفوتونات بعمليةٍ تدعى «تشتُّت كومبتون العكسي»، ما زاد طاقة الفوتونات في الوهيج التالي زيادةً هائلة.
تتَّسق نتائج فريق البحث مع بيانات مأخوذة من دفقة أشعة جاما أخرى، كانت إدنا رويز-فيلاسكو، التي تعمل في معهد ماكس بلانك للفيزياء النووية في مدينة هايدلبرج الألمانية قد حلّلتها بمساعدة زملائها. وقد وجدوا في تحليلٍ لاحق فوتوناتٍ مشحونةً بطاقة تتراوح بين 100 و400 جيجا إلكترون فولت في الوهيج التالي بعد مضي عشر ساعات على الانفجار الأوّلي. لكن أهمَّ ما في الأمر هو أن مجموعات البيانات الخاصة بالطيف متعدد الطول الموجي تتوافق جيدًا مع نماذج التنبّؤ التي تدمج «تشتّت كومبتون العكسي» في سلوك دفقات أشعة جاما.
وعن هذا يقول فرنر هوفمان، المدير الفخري لمعهد ماكس بلانك للفيزياء النووية، الذي لم يكن مشاركًا في البحث: "يمثل هذا البحث خطوةً مهمةً للغاية نحو فهم ظاهرة الطاقة العالية التي تحدث خلال هذه الانفجارات المتناهية الشدَّة. كما أنه يثبت قدرة التلسكوبات الأرضية التي ترصد أشعة جاما على التقاط دفقات أشعة جاما في المرحلة المبكرة من الوهيج التالي، وهو أمرٌ مثيرٌ للاهتمام بشدة، يمكن أن تتناوله دراسات مستقبلية".
أما ميرزويان فيقول: "جميع بياناتنا هي بيانات متاحة للجميع. وآمل أن تستغلها الأوساط العلمية العالمية في تحقيق تقدّم سريع في فهم هذه الانفجارات الهائلة".
تواصل معنا: