نظرة على الالتهاب الكبدي الوبائي سي في مصر.. رحلة التفشي والعلاج
نشرت بتاريخ 5 أكتوبر 2020
مُنحت جائزة نوبل في فسيولوجيا الطب لعام 2020 إلى ثلاثة علماء تمكنوا من التعرّف على الفيروس المسئول عن كثير من حالات التهاب وأمراض الكبد –التهاب الكبد سي– ووضع الخصائص التي تميزه.
أعلنت الأكاديمية السويدية الملكية للعلوم اليوم "الإثنين"، 5 أكتوبر، قرارها بفوز العالم البريطاني مايكل هوتن والعالِمين الأمريكيين هارفي جي ألتر وتشارلز إم رايس، الذين مهّدت أبحاثهم حول فيروس التهاب الكبد سي الطريق أمام تطوير علاجات ناجعة ضد العدوى بهذا المرض.
وفي هذا التقرير نستعرض عددًا من الحقائق الأساسية حول الوباء في أحد أكثر بلدان منطقة الشرق الأوسط تأثرًا بالمرض والجدل القانوني الذي أثارته حقوق ابتكار علاجاته خلال العقد الأخير، والتي غطتها مواقع Nature Middle East و Nature Arabic Edition ومجلة للعلم.
الحالة المصرية
تمثل مصر حالة خاصة بذاتها فيما يتعلق بالتهاب الكبد الوبائي. فعلى الصعيد العالمي هناك شخص واحد تقريباً من كل 50 شخص مصاب بفيروس التهاب الكبد الوبائي سي، أما في مصر، فقد أشارت دراسة إلى أن اختبارات الأجسام المضادة لفيروس التهاب الكبد الوبائي جاءت إيجابية لحوالي شخص واحد من كل سبعة من سكان البلاد البالغ عددهم 83 مليون نسمة، بحسب تقرير نشره موقع Nature Middle East في يوليو 2011 بعنوان "الالتهاب الكبدي وباء مصري فريد".
ووفقا لدراسة أجريت عام 2010، فإن ما يقدّر بأكثر من نصف مليون شخص يصابون بالفيروس للمرة الأولى كل عام. بينما تقديرات وزارة الصحة والسكان المصرية تشير إلى أن عدد حالات الإصابة بالفيروس سنوياً هي 100 ألف شخص.
ظهرت مشكلة مصر الحالية مع التهاب الكبد الوبائي بعد حملة صحية لمكافحة البلهارسيا واسعة الانتشار في مصر، لا سيما في المناطق الريفية، والتي كانت سبباً رئيسياً في الإصابة بأمراض الكبد.
بالرغم من أن هذه الحملة ساعدت في الحد من انتشار مرض البلهارسيا، لكن كان لها ثمنها. خلال هذه الفترة لم يكن يعرف الكثير عن التهاب الكبد أو عن الفيروسات المسببة له وانتقالها. تسببت إعادة استخدام المحاقن الزجاجية والتراخي في ممارسات التعقيم في انتشار عدوى فيروس التهاب الكبد الوبائي على نطاق واسع، وهو الفيروس الذي بحلول التسعينات حل محل البلهارسيا كسبب رئيسي لأمراض الكبد في مصر.
من الأم إلى الأبناء
وأشارت دراسة نُشرت في يناير 2015 إلى أن نحو 3000 – 5000 طفل مصري قد يصابون سنويًّا بعدوى التهاب الكبد بالفيروس سي عن طريق انتقاله من الأم إلى الطفل.
ويُعتقد أن هذا الانتقال العمودي يحدث في أثناء الحمل أو عند الولادة، أو في الفترة التالية للولادة، عن طريق الدم عند الرضاعة من حلمة مشققة أو نازفة؛ نظرًا لأن الفيروس لا ينتقل عن طريق حليب الثدي.
انتقال الفيروس من الأم إلى الطفل قد يسهم في إحداث ما بين 30 و50% من إجمالي الحالات الجديدة ضمن الفئة العمرية الأصغر من خمس سنوات. كما قدروا أيضًا أن 7% من النساء المتزوجات في سن الإنجاب كن يحملن الفيروس سي في دمائهن عام 2008، وأن معدل الإصابة الأعلى موجود في المناطق الريفية.
كيف تعاملت مصر مع فيروس سي
ووفقا لدراسة أجريت عام 2010، فإن ما يقدر بأكثر من نصف مليون شخص يصابون بالفيروس للمرة الأولى كل عام. بينما تقديرات وزارة الصحة والسكان المصرية تشير إلى أن عدد حالات الإصابة بالفيروس سنويا هو 100 ألف شخص.
وبعد مرور عقد من الزمان على تلك الدراسة، أكدت دراسة أخرى أجراها فريق من الباحثين المصريين نجاح التجربة المصرية في التعامل مع فيروس التهاب الكبد الوبائي "سي". وعرضت الدراسة، التي نشرتها دورية "نيو إنجلاند جورنال أوف ميديسن" New England Journal of Medicine، في 19 مارس الماضي، نتائج البرنامج القومي المصري للكشف عن الفيروس، الذي نجح في مسح قرابة 50 مليون مواطن.
كانت قد اتُّخذت إجراءات عدة لمواجهة هذا التفشي، كان أبرزها إنشاء اللجنة القومية لمكافحة الفيروسات الكبدية عام 2006، وبحلول عام 2013، أنشأت مصر 25 مركزًا لمكافحة الالتهاب الكبدي عبر الجمهورية. وفرت هذه المراكز العلاج لقرابة 50 ألف مريض سنويًّا على نفقة الدولة. لكن نسبة النجاح للعلاج المتاح في ذلك الوقت بلغت 40% فقط.
براءة اختراع
وكان مرض الالتهاب الكبدي الفيروسي "سي" ساحة النزال الجديدة للدعاوى القضائية، الهادفة إلى خفض أسعار أدويته المنقِذة للحياة. إذ رُفعت دعاوى قضائية تدَّعي أن "سوفوسبوفير"، و"فيلباتاسفير"، و"داكلاتاسفير" ليست أدوية مبتكرة بالدرجة التي تستحق بها الحصول على براءات اختراع والتي تمنح فترة احتكار مدتها 20 عامًا.
وقال نشطاء، في تقرير نُشر في موقع نيتشر الطبعة العربية في مارس 2017، بعنوان "أدوية فيروس سي تشعل النزاع حول براءات الاختراع"، إن دورة العلاج العادية التي تبلغ مدتها 12 أسبوعًا تفوق تكلفتها متوسط الراتب السنوي لملايين الناس في الدول متوسطة الدخل.
وأوصى خبراء الصحة العامة بتوسيع نطاق الوصول إلى الأدوية بما له من فوائد مباشرة. إذ يعاني حوالي 177.5 مليون شخص بالغ في جميع أنحاء العالم من التهاب الكبد الوبائي "سي"، الذي قد يسبِّب سرطان الكبد وتَلَيُّفه، إذا لم يُعالَج، ولكن الأدوية الأخيرة المضادة للفيروس أحدثَتْ ثورة في مجال رعاية هؤلاء المرضى.
كيف وصل سوفالدي إلى مصر
قررت شركة "جلعاد" للتقانة الحيوية تقسيم دول العالم إلى ثلاث فئات، وفق الناتج المحلي الإجمالي بمعيار البنك الدولي، إلى مرتفع ومتوسط ومنخفض. وعليه قررت الشركة بيع الجرعة العلاجية الكاملة (تشمل 3 أشهر) من الدواء في الدول ذات الدخل المرتفع بثمانية وثمانين ألف دولار، وللدول متوسطة الدخل بسعر ستة آلاف دولار، وللدول ذات الدخل المنخفض بتسعمئة دولار أمريكي. تم تصنيف مصر كدولة متوسطة الدخل، مما يعني أنها ستقدم جرعة علاجية بستة آلاف دولار. كان هذا السعر يفوق قدرة المصريين على الدفع. جاء جون مارتن، الرئيس التنفيذي في وقت لاحق وعرض على مصر سعر الدول ذات الدخل المنخفض، أي تسعمئة دولار أمريكي.
ولكن حتى مع هذا السعر المخفض، لم يكن من الممكن أن تتحمل الحكومة المصرية تكلفة علاج ملايين المصابين بالفيروس،فتفاوضت آنذاك مع منظمة التجارة العالمية للحصول على استثنائها من حقوق الملكية الفكرية من أجل إنتاج مجموعة الأدوية المضادة للفيروسات في مصر؛ إذ بدأت 20 شركة مصرية تصنيع سبعة أنواع من مضادات الفيروسات بتكلفة أقل بكثير من سعر السوق.
تواصل معنا: