الإنتاج المحلي.. حلًّا لأزمة نقص المعدّات الأساسية لمكافحة الجائحة
نشرت بتاريخ 18 مايو 2020
نحن أمام فرصةً غير مسبوقة لبناء قدرات التصنيع المحلية في جميع أنحاء العالم النامي وتمكين الدول الفقيرة، لضمان حصول سكانها على المعدات التي يحتاجون إليها دون الاعتماد على التبرعات من البلدان عالية الدخل أو فاعلي الخير، على حد قول جوشوا سيتيبا، المدير الإداري لبنك الأمم المتحدة للتكنولوجيا للبلدان الأقل نموًّا
جوشوا سيتيبا
كشف فيروس كورونا عن التفاوُت الكبير في توافر المعدات الطبية المنقذة للحياة في مناطق مختلفة من العالم. تُعَد أجهزة التنفس الصناعي أداةً أساسية في علاج أمراض الجهاز التنفسي، التي تتضمن الحالات الشديدة من مرض كوفيد-19 (COVID-19)، ولكن في 41 دولة إفريقية لا يتوافر إلا أقل من 2,000 جهاز تنفس لخدمة مئات الملايين من الناس.
أوضح تحقيق أجرته مؤخرًا صحيفة نيويورك تايمز أن عشر دول إفريقية ليس لديها أجهزة تنفس على الإطلاق. إن الدول المعرضة للخطر بالفعل غير مجهزة -حتى في الظروف "الطبيعية"- بالمعدات الأساسية، ابتداءً من الأقنعة والقفازات وحتى مواد التشخيص.
فاقمت الجائحة الحالية المشكلة التي كانت وخيمةً بالفعل، بكسر سلاسل التوريد، وتحفيز اختزان البضائع والمعدات بين مَن يستطيعون تحمُّل ثمنها. إن الدول التي تفتقر إلى النفوذ أو الثراء لشراء معدات الحماية والتشخيص والأجهزة الطبية تجد أن استجابتها لهذه الجائحة محدودة للغاية. سرعان ما تنهار النظم الصحية الضعيفة، وتترك الملايين من الناس أمام خيار المخاطرة بالإصابة بعدوى فيروس كورونا أو عدم تلقِّي العلاج في العيادات المزدحمة بالحالات الصحية الحرجة الأخرى.
هذا الوضع المزري يجلب معه فرصةً غير مسبوقة لبناء قدرات التصنيع المحلية في جميع أنحاء العالم النامي وتمكين الدول الفقيرة، لضمان حصول سكانها على المعدات التي يحتاجون إليها دون الاعتماد على التبرعات من البلدان عالية الدخل أو فاعلي الخير. إن فعل ذلك لن يدعم الاستجابة الفورية لهذه الجائحة فحسب، بل سينشئ أنظمةً صحيةً وسلاسل توريد أكثر مرونةً مستقبلًا.
إن الإنتاج المحلي للمعدات الأساسية -خاصةً بالنسبة للأجهزة المعقدة مثل أدوات التشخيص والأجهزة الطبية- في هذه المناطق محدود للغاية حاليًّا؛ بسبب نقص الوصول إلى الخبرة الفنية والتدريب والأطر التنظيمية. تعتمد الدول اعتمادًا مفرطًا على سلاسل التوريد الدولية حتى للمنتجات الأساسية مثل أقنعة الوجه، وهي غير قادرة على المنافسة عندما ترتفع الأسعار بسبب زيادة الطلب في دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
في مواجهة مرض COVID-19، يجب أن يتعاون القطاعان العام والخاص لتقديم الخبرة والتكنولوجيا الضروريتين لتمكين البلدان النامية من تطوير قدرات التصنيع الخاصة بها. لن يكون الاقتصاد العالمي قادرًا على التعافي بشكل كامل حتى تتمكن جميع البلدان من تحديد المصابين بالفيروس ورعايتهم، وهي حقيقة تعزِّز قضية عدم وجود خيار ثنائي بين الأرواح وسبل العيش. الطريقة الوحيدة لإعادة الاقتصاد العالمي إلى مساره الصحيح هي بناء الوحدة ومشاركة المعرفة والتكنولوجيا، والتأكد من أننا نبطئ معًا انتشار الفيروس، إلى جانب تسريع وتيرة البحث والتطوير في مجال التشخيص والعلاجات واللقاحات.
وهذا يحدث بالفعل على أساس مخصص. أعلنت شركة الأجهزة الطبية Medtronic مؤخرًا أنها ستجعل مواصفات التصميم وكتيبات الإنتاج الكاملة لواحد من أجهزة التنفس التي تنتجها متاحةً للجميع مجانًا. ومع ذلك، هناك حاجة إلى وجود تنسيق عالمي مناسب لتعظيم الأثر المحتمل على المدى القصير والطويل على حدٍّ سواء.
وتلك هي القوة الدافعة وراء Technology Access Partnership (TAP) (شراكة الوصول للتكنولوجيا)، وهي منصة جديدة أنشأها بنك الأمم المتحدة للتكنولوجيا من أجل البلدان الأقل نموًّا، وستسهل التواصل بين الشركات المصنِّعة ذات الخبرة والشركات المصنِّعة المحلية الناشئة في البلدان النامية؛ لتبادل البيانات والمعرفة ومواصفات التصميم للمنتجات الرئيسية والمعلومات الأخرى ذات الصلة والدعم. في عام 2016، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة بنك الأمم المتحدة للتكنولوجيا بتفويض محدد لتعزيز القدرات العلمية والتقنية والابتكارية للبلدان الأقل نموًّا، وهو يقدم حلًّا جديدًا للتغلُّب على العوائق وضمان وصول التكنولوجيا الصحية عالية الجودة إلى مَن هم في أمسِّ الحاجة إليها.
أظهرت الأبحاث أن المعدات الطبية المتوافرة في البلدان النامية غالبًا ما تكون قديمةً ومعيبة وتم التبرع بها بعد توقف الشركة المصنعة الأصلية عن تقديم الدعم الفني لإصلاح المشكلات. سيتم تضمين الدعم الفني المنسق في المنصة للمساعدة في استكشاف المشكلات التي قد تواجهها الشركات المحلية في سعيها لزيادة الإنتاج، بما في ذلك معلومات عن ديناميكيات السوق والعقبات التنظيمية.
لا تزال هناك حاجة إلى وصول البلدان والشركات المحلية إلى الدعم المالي لتحقيق أقصى استفادة من هذه التكنولوجيا المتاحة. في المستقبل، تهدف الشراكة الجديدة إلى توفير الفرص للشركات المصنِّعة في البلدان النامية لتأمين التمويل اللازم لإعادة توظيف الإنتاج المحلي وتوسيع نطاقه من خلال التعاون مع المؤسسات المالية الدولية.
في مواجهة جائحة عالمية، علينا جميعًا أن نقوم بدورنا. لكي تنجح منصة TAP، يجب على كلٍّ من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني وشركاء التنمية أداء دورهم لمعالجة النقص الحاد في الإمدادات والمعدات.
في مطلع القرن، ومع احتمال وفاة ملايين الأشخاص من متلازمة نقص المناعة المكتسبة (الإيدز) بسبب عدم توافر الأدوية المضادة للفيروسات الرجعية، ضغط الناشطون في جميع أنحاء إفريقيا على الحكومات لإعطاء الأرواح أولويةً على الأرباح. من خلال العمل مع شركات المستحضرات الدوائية الهندية مثلCipla ، تم إنتاج إصدارات عامة من الأدوية المضادة للفيروسات الرجعية على نطاق واسع، وتشير التقديرات إلى أنه قد تم إنقاذ حياة 10 ملايين شخص.
لقد وصلنا مرةً أخرى إلى نقطة زمنية يُعَد فيها ضمان وصول الناس إلى التقنيات الصحية المنقذة للحياة -ابتداءً من الأقنعة وحتى أجهزة التنفس ومواد الفحص والاختبار- أمرًا بالغ الأهمية لصحة العالم بأسره. تتطلب هذه الأزمة غير المسبوقة استجابةً استثنائيةً بالقدر نفسه، لتساعد على توحيد القطاعات وتمكين أفقر دول العالم من بناء قدراتها الخاصة، مما يجعلها أقوى وأكثر مرونةً الآن وفي المستقبل.
سيكون الطريق نحو التعافي طويلًا وصعبًا. لكننا نعلم أنه للوصول إليه، يجب أن نسير معًا. من خلال العمل معًا الآن، يمكننا معالجة الاختناقات النظمية التي تمنع المجتمعات الأكثر فقرًا والمهمشة بشكل أكبر من الوصول إلى التقنيات الصحية المنقذة للحياة وتزويدهم بالأدوات التي يحتاجون إليها لبناء مستقبل أكثر إشراقًا.
تواصل معنا: