المؤسسات العربية تكثف أبحاث فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19
نشرت بتاريخ 19 يونيو 2020
انضم باحثو المؤسسات العربية إلى الجهود العالمية التي تهدف إلى فهم طبيعة انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) ومتابعته وإجراء الاختبارات والسيطرة عليه.
رييكو كاواباتا، مع تغطية إضافية من باكينام عامر
بينما بدأت دول العالم تنفّذ إستراتيجيات الخروج التدريجي في أعقاب عمليات الإغلاق الوطني، لا تزال دول عربية عدة تشهد ارتفاعًا في أعداد حالات الإصابة والوفيات بفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19«. وقد بدأ العلماء من شتى أرجاء المنطقة ينضمون إلى الجهود العالمية التي تهدف إلى فهم أنماط انتقال عدوى فيروس «سارس-كوف-2 « SARS-CoV-2 (الفيروس المسبب لمرض «كوفيد-19« COVID-19) وتحسين قدرات إجراء الاختبارات الفعَّالة والوقاية من العدوى والسيطرة عليها وعلاجها.
يتمتع علويّ الشيخ علي -وهو طبيب مختص في الفسيولوجيا الكهربائية القلبية- بوضع فريد يهيئ له دراسة الانتشار المرتبط بالسفر لمرض «كوفيد-19«، أجرى علويّ وفريقه في جامعة محمد بن راشد للطب والعلوم الصحية في مدينة دبي -أحد أكثر مراكز الطيران نشاطًا في العالم- تحليلًا للبيانات الجينية الفيروسية لدى أوائل المرضى الذين جاءت نتائج اختباراتهم إيجابيةً لفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19« بالمدينة، إضافةً إلى دراسة تاريخ سفر أولئك المرضى. تشير تحليلاتهم1 إلى أنَّه تم استجلاب فيروس «سارس-كوف-2 «عدة مرات إلى دولة الإمارات العربية المتحدة من كلٍّ من آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، الأمر الذي أسفر عن نشأة عدة تجمعات منفصلة للمرض خلال المراحل الأولى من تفشِّيه. يقول الباحثون أيضًا إنَّهم اكتشفوا طفرات وتغيُّرات مستجدة في الحمض الأميني لعينات الفيروس ينبغي فحصها لفهم تأثيرها على الخطورة الإمراضية للفيروس. ووفق الشيخ علي، من شأن التحليلات المشابهة من الدول الأخرى أن تساعد في كشف النقاب عن أنماط انتشار الجائحة على الصعيد العالمي.
أمَّا في الكويت، فقد اكتشف عالِم الأمراض الجزيئية فهد الملا وزملاؤه بمعهد دسمان 2 اختلافين بجين ACE2 ربما يجعلان الأوروبيين أكثر عرضةً للإصابة بعدوى «كوفيد-19« مقارنةً بالشرق أوسطيين، أحدهما ربما يسهِّل ارتباط فيروس «سارس-كوف-2 «بمستقبِل ACE2الموجود على الخلايا البشرية، في حين أنَّ الآخر ربما يعمل على تعزيز دخول الفيروس إلى داخل الخلايا. وجد العلماء أيضًا اختلافات من المحتمل أن تكون وقائية بجين FURIN (الذي له دور في تسهيل دخول الفيروس) تُعد أكثر شيوعًا لدى الكويتيين والقطريين. من جانبه، يرى الملا أنَّ هذين الاختلافين (إضافةً إلى اختلافات أخرى) قد يساعدان في تعليل الاختلاف الواضح في معدلات الوفيات من جَرَّاء مرض «كوفيد-19« بجميع قارات العالم، ومن ثم فهما جديران بمزيد من الفحص.
ولمَّا كانت العديد من المؤسسات تُدرك أنَّ فهم طبيعة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19« يتطلب إستراتيجية مُنسّقة بين الأقسام المختلفة، ففي جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (المعروفة اختصارًا باسم «كاوستKAUST «) بالمملكة العربية السعودية، يعمل «فريق عمل كاوست للاستجابة البحثية السريعة لفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19«« Rapid Research Response Team COVID-19 على تطوير وسائل تشخيص سريعة وأدوات معلوماتية حيوية للمساعدة في تتبُّع انتشار المرض وتطوُّره. على سبيل المثال: يُصنّع عالِم المواد توماس أنثوبولوس ومجموعته أجهزة استشعار حيوي تحوي ترانزستورات حالة صلبة يقولون إنَّها تتميز ببساطة التصنيع والحساسية الفائقة، ويعملون على إعادة توظيف جهازهم الخاص باستشعار الجلوكوز لأغراض الكشف الفوري عن فيروس «سارس-كوف-2«. يقول أنثوبولوس إنَّ جهاز الاستشعار الذي ابتكروه أكثر حساسيةً بمليار مرة تقريبًا مما هو مطلوب لرصد نسبة الجلوكوز في الدموع البشرية، ويتابع: "إذا ما نجحنا في إعادة توظيف تقنيتنا لأغراض الكشف عن فيروس «سارس-كوف-2« بدرجة الحساسية ذاتها، فإن ذلك سيجسد إنجازًا مهمًّا لجهود مكافحة تفشِّي الفيروس التاجي الجديد عالميًّا".
علاوةً على ذلك، يستعين العلماء من جميع أنحاء العالم منذ فترة بالنمذجة الرياضية لفهم تطور العدوى بدولهم وتوقُّع موعد وصولها إلى الذروة، فقد أجرت خبيرة الإحصاء الحيوي في مصر، إيمان الدسوقي، وزملاؤها بجامعة القاهرة عمليات محاكاة للسيناريوهات المتوقعة، ويقدّرون3 أنَّ ذروة تفشِّي المرض في دولتهم يمكن أن تحدث بحلول منتصف شهر يونيو. بيد أنَّ أحد السيناريوهات الأخرى يشير إلى أنَّ الذروة يمكن أن تتأجل حتى 18 يوليو نتيجةً لتجمُّعات العائلات والأصدقاء التي حدثت خلال شهر رمضان المبارك (شهر الصيام)، الذي دام من 23 أبريل وحتى 23 مايو الماضي.
ولمواجهة تحديات النقص العالمي في أطقم الاختبارات التشخيصية، بدأت مؤسسات عديدة في تكثيف جهودها لتطوير أطقم اختبارات تستخلص الحمض النووي الريبي الفيروسي RNA من المسحات البلعومية الأنفية المأخوذة من المرضى المشتبه في إصابتهم بفيروس كورونا المستجد «كوفيد-19«.
إذ طور4 قسما الأبحاث وعلم الأمراض بمركز سدرة للطب والبحوث بدولة قطر نهجًا يستفيد من خبرة العاملين به في استخلاص الحمض النووي الريبي من وحيدات الخلية ومن البنية التحتية الروبوتية التي يمتلكها المركز. يتميز نهجهم بأنَّه يتطلب كواشف ووقتًا أقل مقارنةً بالنُّهُج الأخرى الموجودة في السوق حاليًّا. وفقًا لستيفان لورينز -مدير قسم خدمات الجينوم المتكاملة بمركز سدرة للطب والبحوث- فإنَّ هذا الإجراء يستغرق 60 دقيقة، ويُعد قادرًا على معالجة 96 عينةً في المرة الواحدة، وهو ما يراه تحسنًا في قدرة المعالجة عن الطرق الأخرى، وفي الوقت نفسه يوفّر درجةً مماثلةً من الحساسية والدقة.
وابتكر الباحثون بجمعية المهندسين الوراثيين الأردنية إستراتيجيةً فعَّالة وغير مكلفة لاستخلاص الحمض النووي الريبي، تستخدم طريقة الانحلال الكيميائي بفاعلية لفتح الغشاء الخارجي للفيروس. يُعد فتح هذا الغلاف الفيروسي أولى خطوات استخلاص الحمض النووي الريبي، ويتضمن –عادةً- عدة دورات من الطرد المركزي باستخدام مواد كيميائية ومرشحات ومحاليل منظمة مختلفة، وهناك عجز في بعض تلك المواد الكيميائية حاليًّا. يقول المهندس الوراثي وليد الزيود إنَّ طقم استخلاص الحمض النووي الريبي الخاص بهم يتحاشى هذه المشكلة عن طريق استخدام كواشف كيميائية مختلفة وخطوة طرد مركزي قصيرة زمنيًّا. وفقًا له، من الممكن أن يصبح الطقم متوافرًا بحلول مطلع شهر يوليو في منطقة شمال أفريقيا، وبحلول منتصف شهر يوليو في بقية دول الشرق الأوسط، مضيفًا أنَّ تلك الأطقم ستمكّن الأردن وغيرها من الدول من متابعة انتشار المرض إلى حين تطوير لقاح فعَّال ضده.
تواجه الدول العربية مجموعة فريدة من التحديات في أثناء تعامُلها مع هذه الجائحة، لا سيما وأنَّ بعضها يشهد بالفعل اضطرابات اقتصادية وسياسية. ومع أنَّ الدراسات الوارد ذكرها بهذا المقال لم تخضع لمراجعة النظراء بعد، فهي تدل على صلابة عزم علماء المنطقة على إضافة الجديد إلى المساعي العلمية العالمية الرامية إلى وضع حد لهذا الفيروس القاتل.
A comprehensive germline variant and expression analyses of ACE2, TMPRSS2 and SARS-CoV-2 activator FURIN genes from the Middle East: Combating SARS-CoV-2 with precision medicine. Preprint: https://www.biorxiv.org/content/10.1101/2020.05.16.099176v1
تواصل معنا: