في هذا التقرير، تستعرض ميوريل تحتوح زعتر -الأستاذة المساعدة لعلم البيولوجيا في جامعة بلمند بدبي- جهود الإمارات لحماية سكانها من انتشار مرض "كوفيد–19"، وكيف يمكن قياس مدى نجاحها في ذلك.
ميوريل تحتوح زعتر
أُكِّد اكتشاف أُولى حالات الإصابة بمرض "كوفيد–19" في الإمارات يوم التاسع والعشرين من يناير 2020. بدأ انتشار المرض بأسرةٍ وصلت إلى البلد الخليجي قادمةً من الصين، التي كانت أول منطقةٍ يُعلن ظهور الفيروس فيها. ومنذ ذلك الحين، بدأ عدد الحالات يزداد سريعًا.
لذا، شرعت الحكومة الإماراتية في متابعة تطورات انتشار المرض، وتطبيق تدابير للحد من انتشاره، وذلك عبر وزارة الصحة ووقاية المجتمع، والهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث. ففي الثامن من مارس، أُغلِقَت المدارس والجامعات، وتبنَّت الدولة نهج التعلُّم عن بعد. ووضعت الحكومة توجيهاتٍ غير صارمة للحد من انتقال العدوى في القطاعين العام والخاص. لكنَّ الزيادة السريعة في أعداد الحالات بالإمارات، والانتشار الجامح للمرض في دولٍ أخرى، وإعلان منظمة الصحة العالمية أنَّ تفشيه قد وصل إلى مستوى الجائحة، كل ذلك أدى بالبلد الخليجي إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة. شملت هذه التدابير إغلاق الحدود، وتعليق جميع الرحلات الجوية المباشرة والعابرة في الخامس والعشرين من مارس. وفي اليوم التالي، فُرِضَت قيودٌ على حركة التنقل داخل البلاد، من خلال تطبيق حظر تجولٍ ليلي وبرنامجٍ للتعقيم. ثم صُعِّدت تلك التدابير إلى حظر تجولٍ تام، مع فرض قيودٍ أكثر صرامةً على التنقُّل في الفترة من الرابع وحتى الثالث والعشرين من أبريل. وقد خُفِّفت لاحقًا حدة تدابير الإغلاق هذه، أما حظر التجول الليلي فقد ظلَّ قائمًا.
أعداد الحالات خلال الحظر
رغم هذه الإجراءات الصارمة وكُلْفتها الاقتصادية، استمرت أعداد الحالات التي تُشخَّص إصابتها بالمرض في الزيادة. وفي مطلع أبريل 2020، شرعت الإمارات في تطبيق إستراتيجيةٍ لإجراء الفحوصات على نطاقٍ واسع، زاد خلالها عدد الفحوصات المُجراة (الشكل 1) زيادةً حادة ليصل إلى مستوًى غير مسبوق، يقترب من 60 ألف فحصٍ يوميًّا. وقد أتاح هذا للسلطات اكتشاف مزيدٍ من حالات الإصابة، وقد يفسر ذلك سبب ارتفاع أعداد الحالات رغم الإجراءات الصارمة المُطبَّقة.
وبعد أن وصل عدد الحالات المُكتشَفة يوميًّا إلى ذروته ببلوغه 994 حالةً في الثاني والعشرين من مايو، بدأ العدد في التراجُع، رغم زيادة أعداد الفحوصات المُجراة، واستخدام أساليب أكثر لرصد الحالات. والمؤشر المهم في تلك المسألة، والذي يُعَدُّ جوهريًّا لفهم ديناميات العدوى، هو المعدل المعروف باسم معدل الإيجابية، والذي يمثل نسبة الفحوصات ذات النتائج الإيجابية إلى إجمالي الفحوصات المُجراة. فانخفاض هذا المعدل يُعد مؤشرًا مبشرًا يرتبط بالإجراءات التي طُبِّقَت في الأسابيع السابقة. وقد استمر مُعدَّل الإيجابية بالإمارات في الانخفاض من ذروته التي بلغت 3% في شهر مايو إلى قيمةٍ متوسطة تقل عن 1% في شهر يوليو.
الدرس المستفاد الأول: من المهم إجراء ما يكفي من الفحوصات لتحديد المصابين، ومتابعة معدل الإيجابية لتقييم تأثير الإجراءات المُتَّخذة وديناميات العدوى.
إبقاء الوضع تحت السيطرة
في وقت كتابة هذا المقال، كانت العديد من البلدان تشهد من جديد زيادةً حادةً في أعداد الحالات التي تُشخَّص إصابتها بالمرض. ومن المحتمل بشدة أن يحدث الأمر ذاته في الإمارات أيضًا عندما تُخفَّف التدابير المُطبَّقة. ولإبقاء الوضع تحت السيطرة، من الضروري إجراء الفحوصات، وعزل المصابين، وتتبُّع مخالطيهم؛ إذ لن يكون بمقدورنا كبح الجائحة إذا كنا لا نعرف مَن المصابون بالعدوى.
وفي هذا الصدد، استمرت الإمارات في تطبيق إستراتيجية الفحص واسع النطاق، لتصبح من أكثر الدول إجراءً للفحوصات في العالم (فحلَّت في المرتبة الأولى على مستوى العالم العربي، والمرتبة الخامسة عالميًّا، بإجرائها 531,488 فحصًا لكل مليون نسمة)2 . وحتى الآن، أجرت الدولة أكثر من 5 ملايين فحص لسكانها البالغ عددهم 9.9 ملايين نسمة، إلى جانب تخطيطها لإجراء حوالي مليونيْن آخريْن خلال الشهرين القادمين. وفي منطقة الخليج، أجرت دولتا البحرين وقطر أيضًا عددًا كبيرًا من الفحوصات، وحلَّتا مع الإمارات ضمن الدول العشرين الأكثر إجراءً للفحوصات على مستوى العالم.
وبالإضافة إلى إجراء الفحوصات وعزل المصابين، أطلقت وزارة الصحة ووقاية المجتمع الإماراتية حملةً لتتبُّع المخالطين على مستوى الدولة، مُشجِّعةً الناس على تحميل تطبيق "الحصن" الرسمي الإماراتي، المعني بفحوصات "كوفيد–19" وتتبُّع المخالطين.
وأخيرًا، فإنَّ هدف أي دولةٍ هو أن يظل عدد الحالات النشطة دون القدرة الاستيعابية لمنظومة الرعاية الصحية فيها. ولتحقيق هذا الهدف، أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة مستشفياتٍ ميدانية، كذلك المُقام في مركز دبي التجاري العالمي.
ونتيجةً لذلك، في بداية شهر يونيو عام 2020، بدأ العدد اليومي لحالات التعافي في الإمارات يفوق عدد حالات الإصابة الجديدة المُكتشَفة (الشكل 2). ويقترب معدل التعافي في الإمارات من 90%، وبهذا فهو يتسق مع المعدل المتوسط المرتفع لدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
ويمثل ارتفاع معدل التعافي علامةً جيدة، خاصةً عندما يقترن بانخفاض معدل الوفيات، والذي كان أقل من 1% في الإمارات منذ منتصف مايو، ويبلغ حاليًّا 0.6%. وجديرٌ بالذكر أنَّ دول البحرين وعمان وقطر تتفوق على الإمارات من ناحية انخفاض معدل الوفيات (الشكل 3).
الدرس المستفاد الثاني: لإبقاء تفشِّي الفيروس تحت السيطرة، من الضروري إجراء الفحوصات وعزل المصابين وتتبُّع المخالطين، إلى جانب ضمان جاهزية منظومة الرعاية الصحية على النحو الأمثل؛ للمحافظة على ارتفاع معدلات التعافي وانخفاض معدلات الوفيات.
نظرةٌ عن كثب على إجراءات تخفيف الإغلاق
في الثاني عشر من مايو، نصحت منظمة الصحة العالمية بأنَّ معدلات إيجابية الفحوصات ينبغي لها ألَّا تتجاوز نسبة 5% لمدة 14 يومًا على الأقل قبل إنهاء تدابير الإغلاق3 . وقد وُضِعَ هذا الهدف استنادًا إلى تجارب الدول التي تمكنت من خفض أعداد حالاتها، ووقف انتشار الفيروس تقريبًا. إذ يُعد انخفاض معدلات الإيجابية من المؤشرات المهمة لقياس التقدُّم المُحرَز في مكافحة الجائحة، إلى جانب المؤشرات الأخرى المُفصَّلة بالأعلى.
ومع تحسُّن المؤشرات، وفي ضوء التكلفة الاقتصادية المرتفعة لتدابير الإغلاق، أنهت الإمارات جزئيًّا الحظر الذي كانت تُطبِّقه، وخفَّفت القيود على حركة التنقُّل في الرابع والعشرين من يونيو. كما أعلنت الحكومة إعادة فتح المطارات ومراكز التسوق، مع فرض قيودٍ محدودة على عملها.
ومع ذلك، أكدت الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث أهمية تجنُّب التجمعات، وممارسة التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات والقفازات عند الخروج من المنزل.
توقعات منحنى العدوى في الإمارات
من الواضح أنَّ عدد الحالات النشطة آخذٌ في الانخفاض (الشكل 4)، لكن هل انتهت المرحلة الأسوأ من الجائحة بالفعل؟ للإجابة عن هذا السؤال، علينا أن نتوقع التطورات المحتملة لهذا المنحنى. وقد صُمِّم العديد من النماذج الإحصائية لتقدير التوقيت المتوقع لتسطُّح منحنى أعداد الحالات. وأحد النماذج (الشكل 5) التي لفتت انتباهنا هو نموذج توقعات كان قد طُوِّر لاستخدامه في مجال الاقتصاد. يستغل هذا النموذج تجارب الدول والمناطق التي ضربها الوباء في وقتٍ مبكر، وذلك لتنقيح التوقعات وتقديرات المؤشرات في المناطق التي تفشَّى فيها المرض لاحقًا. ويُوفِّر النموذج توقعاتٍ لعدد الحالات النشطة لمدة ستين يومًا4 .
تشير الخطوط المتقطعة الرأسية في الشكل 5 إلى بدايات فترات التوقُّع. وتشير الدوائر إلى عدد الإصابات الفعلية. وتمثل الخطوط المتصلة بعد بداية فترات التوقع القيم المتوسطة لأعداد الإصابات المتوقعة. وتشير النطاقات المُظلَّلة باللون الرمادي إلى احتمالات الانحراف المتوقعة، مع وقوع معظم تلك الاحتمالات في المنطقة الرمادية الداكنة.
لا يزال مستوى عدم اليقين في دقة التوقعات (النطاقات الرمادية الداكنة والفاتحة) مرتفعًا نسبيًّا في البحرين والكويت وعمان والسعودية، لكنَّه أقل في حالة الإمارات وقطر، ويبدو من القيم المتوسطة لتوقعات كلا البلدين أنَّ منحنييهما في طريقهما إلى التسطُّح تقريبًا في شهر أكتوبر 2020. وهذا المستوى المنخفض من عدم اليقين يرجع إلى طريقة تصميم النموذج، التي تعتمد على تجارب دولٍ أخرى تمر منحنياتها بمرحلةٍ مشابهة، كما أنَّها تتأثر بالتدابير الإيجابية المُطبَّقة في كل دولة.
الوضع السائد الجديد
لم يتوافر بعد لقاحٌ بشري آمن وفعال لمرض "كوفيد–19"، لكن هناك 24 لقاحًا محتملًا قيد التقييم الإكلينيكي حاليًّا5 . وقد بدأت الإمارات تجارب المرحلة الثالثة للقاح الخاص بشركة "سينوفارم"6 Sinopharm. وإضافةً إلى ذلك، فإنَّ العديد من الدول، منها الإمارات والسعودية والكويت وقطر، قدَّمت رسميًّا ما يفيد اهتمامها بحماية سكانها وسكان الدول الأخرى، من خلال الانضمام إلى منصة "كوفاكس" COVAX ، التي تضمن توافُر لقاحات "كوفيد–19" في جميع أنحاء العالم على نحوٍ سريع ومُنصف وعادل7 . وحتى يتحقق ذلك، سيظل أغلب الناس غيرَ محميٍّ من الفيروس، وعرضةً للإصابة به.
وبالنظر إلى الأعداد الحالية، وإلى توقعات أعداد الحالات النشطة المصابة بمرض "كوفيد–19"، يبدو واضحًا أنَّ التدابير التي اتخذتها الإمارات قد نجحت. وبينما يبدو أنَّ المنحنى في اتجاهه إلى التسطُّح في وقتٍ ما من شهر أكتوبر 2020، فعلى المواطنين والمقيمين في الإمارات ألَّا يتخلوا عن حذرهم، لضمان تحقُّق هذا التوقع؛ إذ قد تتغير الأمور سريعًا.
وفي هذا الصدد، تتبنى الإمارات موقفًا معينًا وتعمل على توعية الناس به، وهو أنَّ جميع المواطنين مسؤولون. وقد أطلقت وسم "#كلنا_مسؤولون" على الإنترنت؛ لتذكير الناس بأنَّ ممارسات الحماية الشخصية (مثل التباعد الجسدي، والنظافة الشخصية، وارتداء الكمامات) تُعد من الأولويات.
doi:10.1038/nmiddleeast.2020.90
* د. ميوريل تحتوح زعتر هي أستاذة مساعدة لعلم البيولوجيا في جامعة بلمند بدبي، الواقعة في دار دبي للاستثمار. وهي حاصلة على درجة الدكتوراة في المناعة والفسيولوجيا وبيولوجيا الكائنات الحية من جامعة ليل الأولى في فرنسا. وهي أيضًا عضو منتظم في الرابطة الأمريكية لعلماء المناعة، ولها العديد من البحوث المنشورة، وحصلت على العديد من الجوائز في مجال علوم الحياة. وقد تعاون معها في كتابة هذا التقرير د. بسام محبوب، استشاري أمراض الرئة ومدير وحدة طب الرئة في هيئة الصحة بدبي، حيث يقود مركز الابتكار لابتكارات نماذج الرعاية. وهو حاصل على شهادة المجلس الأمريكي في الطب الباطني وطب أمراض الرئة والحساسية والمناعة الإكلينيكية. كما أنَّه حاصل على ماجستير إدارة الأعمال من جامعة وولفرهامبتون بالمملكة المتحدة. وقد أسهم أيضًا البروفيسور إيلي تامر ببعض التوجيهات في كتابة هذا التقرير، وهو أستاذ كرسي لويس بيركمان للاقتصاد في جامعة هارفارد يمدينة كامبريدج. وتتناول أبحاثه مجال الاقتصاد القياسي، ومجال التنظيم الصناعي التجريبي. وهو زميل جمعية الاقتصاد القياسي، وقد عمل سابقًا محررًا مشاركًا في دوريتي "إيكونومتريكا" Econometrica و"كوانتيتيتف إيكونومكس" Quantitative Economics. كما أنَّه يعمل محررًا في دورية Econometrics في الولايات المتحدة.
The National Emergency Crisis and Disaster Management Authority (NCEMA). UAE Coronavirus (COVID-19) Updates. covid19.ncema.gov.ae/en
Liu, L., H. R. Moon, and F. Schorfheide (2020): “Panel Forecasts of Country-Level Covid-19 Infections,” NBER Working Paper, 27248 and CEPR Working Paper, 14790.
تواصل معنا: